النقد

قراءة نقدية فكرية في المجموعة القصصية {التـــــــــماهي } للكاتب محمد المسلاتي

التماهي.. آخر مجموعة قصصية صادرة للكاتب الكبير محمد المسلاتي ..وبرغم أن ذلك هو آخر ما صدر له. إلا أننا نجد أنفسنا أمام موهبة شابة ..في أول باكورة لأعمالها القصصية …إذ أن هذه المجموعة كما يبدو من محتواها هى من الأعمال التي كتبها الكاتب في ريعان شبابه …وفي بدايات مشواره الكتابي …قُدر لهها أن تخرج للنور هذا العام .

القاص الليبي .. محمد المسلاتي
القاص الليبي .. محمد المسلاتي

و ربما هذه إحدى طبائع الأديب الكبير محمد المسلاتي إذ أنه عودنا علي الكتابات غير الآنية …فهو يستبْقها عنده ..لحين يقرر أن يخرجها من عزلتها … ولعل هذا يقودنا إلى سؤال وهو : هل كتابات الكاتب محمد المسلاتي تحمل نصوصآ تنبؤية للمستقبل الذي تسرده لشخصياتها المتماهية التي يعرضها في مجموعة التماهي ؟؟

الجواب أنك إذا قرأت في مجموعة التماهي ..وتأملت جديآ في الرمزية ..والاسقاطات ــ التي تبدو للوهلة الاولى كأنها من كتاب كليلة ودمنة ــ فإنك تصل إلى حقيقة واحدة …وهو أن هذه الشخصيات جاءت لتتحدث عن الزمن الذي نحن فيه …و أن مادار بينها من أحاديث جاءتْ برمزبة خالصة ..ماهى إلا تحورات الومن الآني للإنسان في ثوب عنجهيته وأنانيته وحبه لذاته

وتسلطه وتسلقه !!

إن زمن القصص المتماهي السبعيني الذي دار في السبعينيات …يعكس لنا مدى الوعى والانفتاح الثقافي لدى الكاتب المسلاتي ..ففي تلك الفينة والحقبة الزمنية كانت الثقافة الكتابية الليبية في موقف حرج جدآ ..وزاد من حدة ذلك بداية سقوط العهد الملكي ..وحضور عهد العصا والصولجان …

أما بالنسبة للحقب الزمنية داخل مجموعة التماهي فلم ينس القاص أن يعرج لنا على تواريخ لايمكن أن تسقط من ذاكرة ذلك الجيل ..هذا الجيل الذي أكل ترسبات الاستعمار الايطالي و الذي بدوره خلف للجيل السبعيني فكرة الانفتاح على كينونة الاستعمار الفكري ..والحد من المد الثقافي …مما أثر فعليآ علي السيكولوجية النفسية لهذا الجيل بالذات

وبحسب بعض محاولات المسح الثقافي التي أجريها بين الاجيال الليبية كمقارنة

كلنا نعرف أن جيل العقد الستيني والسعبيني عاني كثيرآ من ثقافة البينين {ثقافة مابين الحقبتين التي لم تأبه بالانفتاح الثقافي لأنها كانت في حالة إنغلاق… قدر ماكانت تأبه للبحث عن فرص العمل والزواج والاسرة في ظل ظروف أن الدراسة لم تكن متاحة جدآ لهذين الجيلين }

لكن ذلك لم يكن يمنع الكثيرين من أمثال القاص محمد المسلاتي من أن يكسر حصار القلم ويبدأ في تشكيل شخصيات متماهية معجونة بنسيج من الألم المكبوت للطبقة الاجتماعية التي كانت تعاني ذلك الوقت من فترة الانتقال بين حقبيتن ..واحدة أدارتها الملكية السنوسية فكانت هادئة جادة عصماء وجافة في مواردها الأدبية إذ أنها ترزح تحت وطأة التأخر الثقافي ذينك الوقت ومايقابله من تأدب وألتزام ديني حملته الحركة السنوسية …و الآخرى كانت تتحدث عن بداية عصر الفاتح الذي ألقى بجدارة مفاتيح العقول في ليبيا بغياهب الظلام ..حيث أنه وبرغم احتوائه لكثير من المواهب إلا أن مسألة الانفتاح الثقافي والكتابة الحرة ..كانت قيد التحقيق والرقابة .

كما لم يفوت الكاتب أهم سمات تلك الحقبة السبعينية والتي كانت تقع تحت طائلة قلة فرص العمل ..وشظف العيش ..وفاقة اليد …والعوز الاجتماعي ..مما يجعلنا لانستغرب أن أبطال مجموعته من ذوي الحرف اليدوية أو التي تبدو بدائية في عصرنا الآني …مما يعكس صورة قاتمة للمجتمع الليبي الضيق ذلك الحين ..مع العلم أن الكاتب كان بعمره يناهز الثالثة والعشرين

إن أدب الحيوان ليس بظاهرة جديدة في مجتمعاتنا العربية ..فقد كانت مجموعة كليلة ودمنة تخبرنا بإسقاطات ورمزية على الصراع الدائر في تلك الحقبة ..دون المساس بالأسماء ..وهاهو الكاتب يخبرنا بأن هذا الادب كان منتشرآ بين أرجاء البيت الثقافي الليبي في تلك الفترة الزمنية ..ولكنه للآسف كان بيتآ بلا أروقة بذلك الزمن …في حين أن الادب المحكي الذي كان الكبار الطاعنين بالسن متداولآ بذلك الوقت ..وحتى وقت قريب ..

ما يسجل للكاتب ببراعة هو احتفاظه بهذه المعالم لهذا النوع من الادب …وكونه احتفظ لنفسه بالريادة والتو ثيق في هذه المجموعة والتي جاءت كدليل ثقافي على أن الثقافة الليبية والأدب القصصي كان منتشرا و إن قل جمهور الكتاب بذلك الحين ، حيث أن الدولة كانت في بداية

اكتشاف النفط ..العامل الذي اعتبره مؤثرآ جدآ في الحركة الثقافية الليبية .

مجموعة التماهي تتكون من عدد من القصص تصل إلى إحدى عشرة قصة …كل عنوان يحدثنا عن أدب معين فى أخلاق الحيوانات والتي تتحدث عن تماهيات معجونة ببعضها لتعطي صورة واضحة عما يحدث ويدور ذلك الحين ….كما أن التفاوت الطبقي بين هذه الشخصيات يجعلك تتأكد من طبيعة الطبقات الاجتماعية في الزمن السبعيني وحقيقة تعاملها مع فئات المجتمع .

هذه المعالجات تميز بها الكاتب ..في كتاباته القصصية ولكنه كالعادة تعرض لها بجرأة كبيرة .ودون تحفظ. إنه يولد لديك شعورآ بالدهشة جراء البساطة في المعني …والغور في العمق …والسهولة في تعاطي الحوار استطاع أن يصل بأسلوبه لكافة طبقات المجتمع دونما أن يخلق حواجز أو ممنوعات ثقافية من الكتابة المتقدمة .

مقالات ذات علاقة

الضمير اللقيط يُحرِّر الكتابة من إكراهية النصِّ

المشرف العام

قراءة في الحياة الافتراضية للسعادة: للشاعرة عائشة إدريس المغربي

مريم سلامة

تحولات بهية في مرافئ “شتات القول”

عبدالسلام الفقهي

اترك تعليق