من أعمال التشكيلي مصباح الكبير
قصة

البيت

 Mosbah_Alkbier_01

للمرة الخامسة أو ربما السادسة يعيد ترتيب المقاعد في غرفة الجلوس ، على شكل نصف دائرة هذه المرة تقابلها طاولة مربعة فوقها زهرية مرصّعة بأصداف البحر .

في الركن الشمالي وأسفل النافذة المطلة على الحديقة وضع خزانة صغيرة للكتب وداخلها جهاز الهاتف ووارى سلكه خلف ستارة النافذة .

ابتعد قليلاً ليعاين هندسة المكان ، حمل عدة طنافس ووزّعها في المساحة الفارغة لتكون مع المقاعد دائرة شبه كاملة .

قال لنفسه : لو أن ( جمانة ) معي الآن لرتـّبت الأثاث في وقت أقصر .

لقد جذبته هذه الفتاة التي تنطق السين ثاءا منذ أن جاورتهم أسرتها ، شيء ما جذبه نحوها وحتى هداياها مميزة ، لقد أهدته ذات يوم عدة فراشات محنّطة ، ولكن أجملها فراشة الليل ذات اللونين البرتقالي والأسود ، وأهدته مرة أخرى كائنات بحرية كنجم البحر وبعض الودع و( توتياء الرمال ) ليضعها في حوض سمك الزينة.

اتجه نحو المطبخ وغيّر مكان الثلاجة لتكون قرب الباب وتأكد من أن باب الثلاجة وباب المطبخ يفتحان في ذات الاتجاه ، أما موقد الغاز فوضعه جوار النافذة كي لا تتسرب رائحة الطعام إلى داخل البيت ، وفي المنتصف وضع طاولة الأكل ذات المفرش المقلّم وكرسيين متقابلين .

كان يذاكران معاً ويلهوان معاً ولكنه انقطع عن زيارتها حين قال له والدها ذات يوم : اسمع ابنتي لا وقت لديها للهو .. هيا اغرب عن وجهي .

كانت غرفة النوم صغيرة ففكر في الاستغناء عن بعض قطع الأثاث .. احتفظ بالسرير المزدوج وخزانة الملابس وأخرج جهاز التلفزيون والكرسي الهزاز .. وقال لنـفـسه : لا معنى لوجود كـرسي يجلب النوم في غرفة مخصـصــة للــنــوم ، أمــــا ” التلفزيون ” فقد قال والده مرة أنه لا يجلب إلا الصداع .. ولقد تحقق من صدق كلام والده ، فأغلب القنوات تردد أخبار الإضرابات والاحتجاجات والمجاعات والصدامات والانقلابات والاغتيالات .

حمل جهاز التلفزيون ورماه في صندوق مكعّب ووضعه في مرآب السيارات خلف المنزل . لديه شاحنة صغيرة وتملك جمانة سيارة رياضية حمراء اللون .

ودّا لو يبنيا بيتهما كما يشاءان ، وان تكون لهما حياة مشتركة بعيدة عن أنوف ووساوس الآخرين ولذا ابتكرا ذات يوم لغة خاصة بهما تعتمد على الأرقام بدلاً من الحروف .

وزّع خارج البيت عدة شجيرات استوائية وأحاطها بسياج خشبي قصير .

لقد افتقدها الأسبوع الماضي نتيجة إصابتها بلفح برد ، فاحمر أنفها وذبلت عيناها ، ولم يجرؤ على عيادتها خوفا من والدها الذي لم يره مبتسماً قط .

رن جرس البيت وتناهى إليه صوت أمه قائلة :

ــ فارس .. لقد حضرت جمانة لتلعب معك .

قفز من مكانه منشرحاً ولكنه تعثر بالبيت الذي بناه منذ قليل .. تبعثرت القطع الصغيرة واختلطت .. ابتسم وقال : سنعيد معاً ترتيب البيت ، وربما على نحو أفضل مما كان عليه .

مقالات ذات علاقة

البخت

نورا إبراهيم

كن مطمئناً في الغياب

خيرية فتحي عبدالجليل

الرجل الذي فقد الأرض من تحت قدميه ..؟!!

سعد الأريل

اترك تعليق