الذكرى الـ25 لرحيل الكاتب الليبي بشير الهاشمي
بقلم: بشير الهاشِمي
الإدارة العامة للثقافة – وزارة الدولة (الجمهورية العربية الليبية)
لعل اول ما يلفت نظر الباعث في شأن المخطوطات العربية ان امر العناية بها وتحقيقها ونشرها يكاد يكون منصبا على جهود فردية بحتة اضطلع بها وتحمل اعباءها ذلك الجيل من الأساتذة الرواد الذين كانوا بداية استكشاف لهذا الطريق الصعب ومشعل ارشاد لكنوزه المجهولة وعندما اقعدتهم عاديات الزمن وحالت بينهم وبين مواصلتهم الجهد والبذل خفت بريق العناية بهذه المخطوطات وانزوى بعيدا خلف اهتمامات اخرى قد تكون أيسر سبيلا واسهل تناولا وان وجد هذا الاهتمام فإنه يكاد يندرج في سياق اكاديمي بحت لا يتجاوز حدود قاعات الدراسة الجامعية والمعاهد المتخصصة دون ان يحقق له الانتشار الثقافي العريض الذي يمكنه من قدرة والتأثير ويتيح له روح الاستمرارية المتفاعلة . وينبغي الا يتبادر الى الذهن ان المقصود هنا التقليل من جهود الجامعات والمعاهد في حماية المخطوطات والعناية بالتراث فالعكس هو الصحيح ولا ضرب مثلا بمعهد المخطوطات العربية التابع لجامعة الدول العربية فهو الملاذ الامين الذي تستجير به هذه المخطوطات من الاهمال والضياع والاندثار وجهوده المعروفة في غنى عن التعريف بها هنا وانما الذي أقصده هو دعوة للخروج في العناية بهذه المخطوطات من إطار النظرة الاكاديمية التقليدية الى أفق أكثر رحابة بما يحقق التفاعل والتلاحم مع الجماهير العريضة من المثقفين ولكي تحقق هذه المخطوطات مزيدا من نبض الاشعاع والاخصاب في خضم الثقافة العربية ولا يتوقف فقط عند مهمة التحقيق والنشر والتصحيح والتعريف.
ولعل ما يلفت النظر أيضا في شأن المخطوطات العربية هو انحسار موجة الاستشراق والمستشرقين ومهما كانت المآخذ التي تحسب عليهم فقد كانت لهم جهودهم الريادية الناجحة في احياء المخطوطات النادرة والتعريف بها وطبعها ونشرها وان كانت هذه الجهود قد تمت في الكثير من جوانبها في ظروف انتزعت فيها هذه المخطوطات من ارضها العربية الام ونقلت الى ارض غريبة عنها وهو ما يسوقنا الى سؤال اعتراضي، اننا نفكر في حماية المخطوطات العربية ترى ألا نفكر في استرجاع المخطوطات العربية المنهوبة في ظل سطوة استعمارية قاهرة الى أرضها الام؟ إنه مجرد سؤال.”
ويتضح الان ان ثمة فراغ كبير في مجال الاهتمام والعناية بالمخطوطات بثير الدهشة حقا ويدعو الى تكثيف الجهود وتوحيد السبل التي من شأنها ان تدفع بالخطوات المبذولة الى الحركة والتقدم. وانه لأمر غريب حقا ان لا توجد حتى إلان خطة عربية موحدة لإجراء عملية مسح شاملة للمخطوطات واماكن تواجدها في مختلف ارجاء الوطن العربي وتوفير أسباب حمايتها وصيانتها ووسائل الانتفاع بها وهي ضرورة فوق انها علمية وثقافية فهي في المقام الاول ضرورة قومية تمثل أخطر معيار من معايير الشخصية العربية ومعالم مقوماتها الحضارية. وفي هذا المجال لا ينبغي الا نحمل معهد المخطوطات العربية وحده ثقل هذه المسئولية ولأنه حسب ما لدي من معلومات قد قام بالعديد من المهام والمبادرات في مجال العناية بالمخطوطات وتصويرها فقد قام مثلا بعملية استطلاع عامة للمخطوطات في الجمهورية العربية الليبية في أواخر سنة 1972م واعتقد انه خرج منها بحصيلة موفقة من المعلومات والبيانات ولان المسئولية هنا تضامنية تتشارك فيها كافة الاجهزة المعنية بشئون المخطوطات في مختلف الاقطار العربية تتطلب في المقام الاول تنسيق جهودها مع معهد المخطوطات وربط اتصالها الدائم به واتاحة كافة التسهيلات له بالدرجة التي تمكنه من أداء رسالته العلمية الهامة.
واعتقد إنه من مسئولية معهد المخطوطات العربية وبما لديه تجارب وخبرات وممارسات تجعله في موقع القدرة على التقييم العلمي السليم لأوضاع المخطوطات وسبل العناية بها ان يقدم تصورا عاما لخطة عربية موحدة في مجال تجميع هذه المخطوطات وحمايتها والحفاظ عليها وفي استخلاص خطوط عريضة لقانون عربي موحد بالخصوص بالتكاتف مع جهود هذه الحلقة الدراسية وغيرها في الوصول الى نتائج طيبة اتمنى ان تنبثق عنها:
1 – لجنة متابعة دائمة لحماية المخطوطات ترتبط في تنسيقها مع معهد المخطوطات ومع الجهات المعنية في كافة الاقطار العربية وتجتمع بصفة دورية.
2 – التوصية لدى الدول العربية المعنية بتوفير كافة متطلبات الاستفادة من المخطوطات بروح ايجابية فعالة من شأنها ان تشجع الباحثين والدارسين وتدفعهم الى استقطاب جهودهم في هذه المجالات الحيوية بما تتيحه هذه الدول من أمكانيات ووسائل فنية وبشرية ومادية.
3 – الدعوة الى خطة عربية موحدة تستهدف تبادل المعلومات بشأن المخطوطات والعمل على استرجاع المخطوطات التي نهبت في ظروف السيطرة الاستعمارية.
4 – مع التقدير العميق لجهود معهد المخطوطات فانه بحاجة لإثرائه بروح جديدة تبث فيه ارادة التحرك الدائم والحضور المتواصل بكل جد يختص بهذه المخطوطات وتطعمه بمختلف العناصر المعنية بشئون المخطوطات من البلاد العربية والخروج به من النطاق التخصيص المحدود الى مجالات أرحب وأوسع مدى بتلاحم فيها مع مصاب الثقافة العربية العامة ويتماوج بأكبر وأعمق من اطاره الأكاديمي المعروف. وبالدرجة التي تتواجد فيها نشاطات المعهد ونشراته الدورية وغير الدورية في كل أرجاء الوطن العربي.
هذه ملاحظات عابرة قد يعوزها التخصص والاستطلاع العلمي والفني للمخطوطات العربية ولكنها لا تفتقد الاخلاص والرغبة في الاسهام بوجهة نظر من اجل حماية هذه المخطوطات وفي الجمهورية العربية الليبية تتظافر الان وتتكاثف جهود مختلف الهيئات والمؤسسات والادارات الثقافية والأدبية من اجل ايجاد صيغة علمية لحماية التراث وإحيائه في مختلف مجالاته وانواعه ومن بينها المخطوطات في مختلف أماكن تواجدها ومحاولة تجميعها في نطاق مركزي موحد بسهل طريقة استقصائها والاستفادة منها بروح علمية جادة فبوشر في انشاء دار الكتب والوثائق القومية التي من المؤمل أن تتولى جمع هذه المخطوطات من المكتبات والعائلات والافراد وإعداد الفهارس العلمية وايضا شراء وتصوير المخطوطات الليبية الموجودة في مختلف المكتبات العربية والاجنبية. كما تم تأسيس الدار العربية للكتاب وهي مؤسسة مشتركة ليبية – تونسية وقد باشرت أعمالها بالفعل ومنطلقها الاساسي إحياء التراث العربي وإيجاد وسائل الاستفادة منه بطبعه ونشره وتوزيعه وتشجيع الباحثين والمحققين والدارسين العرب للاهتمام بهذا التراث والعناية به وقد استكملت بيع ونشر بعض كتب التراث من بينها:
- مستفاد الرحلة والاغتراب للقاسم بن يوسف التجيبي السبتي، تحقيق وإعداد عبدالحفيظ منصور.
- ذيل بشائر أهل الايمان بفتوحات آل عثمان، تأليف حسين خوجة – تحقيق الطاهر المعموري.
- كتاب الممتع في علم الشعر وعمله، تأليف عبدالكريم النهشلي، تحقيق الدكتور المنجي الكعبي.
- الرسائل العسجدية في المعاني المؤيدية، تأليف عباس بن علي الصنعاني.
- الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة؛ ثمانية أجزاء، تأليف ابن بسام، تحقيق الدكتور إحسان عباس.
في هذا المجال ايضا تقوم الادارة العامة للثقافة بوزارة الدولة بطبع ونشر ما يقدم اليها من مخطوطات محققة وترصد الحوافز المشجعة في هذا الخصوص وتعمل على توفير المتطلبات التي يحتاجها مثل هذا العمل العلمي الهام وانه جهازها المختص بالطبع والنشر بصدد اعداد مخطط مدروس في مجال التراث وإحيائه. كما ان الهيئات العلمية المتخصصة مثل الجامعة الليبية والمؤسسات الأخرى نشاطها المبذول في هذا الميدان.
ويبدو واضحا الان ان اسلوب التنسيق والتنظيم والتعاون بين هذه الهيئات والمؤسسات والادارات يباشر خطواته الاولى وانه من غير الخاف ما تحتاجه وتتطلبه مثل هذه المهام من وقت وجهد ووسائل بشرية ومادية وان ما يبعث على الثقة والاطمئنان ان جميع هذه الخطوات تسودها روح الرغبة في العمل العلمي الجاد وهي تمضي في اتزان ويقظة من شأنها ان تذلل الصعاب وان ترفع المشاعل في طريق احياء التراث وتجديد سبل العناية به بالتكاثف والتلاحم مع كافة الجهود العربية الأخرى.
مع صادق التحيات.
المورد | العدد: 1، 1 فبراير 1976م.