حكايات وذكريات: سيرة قلم 37
أخبرتكم في الجزء السابق من هذه الحكايات.. كيف أنني وبعدما حوربت في جامعة بنغازي.. لجأت إلى جامعة طرابلس والتقيت بالدكتور عبد الله الهوني.. الذي رحب بي وأثنى على مواقفي التي دافعت من خلالها عن لغتنا العربية.. وخيرني يرحمه الله تعالى.. في اختيار الشعبة التي أريد لمواصلة دراستي العليا.. فاخترت شعبة “الدراسات الإسلامية”.
وبالفعل فقد أعدت دراسة الدبلوم.. وتحصلت على تقدير عام جيد جدا.. وسجلت بحثي لنيل رسالة الماجستير، بإشراف الدكتور/ محمد بلحاج من قسم اللغة العربية.. والدكتور/ على فهمي خشيم من قسم التفسير يرحمه الله.. وقبلت بعد ذلك معيدا بالجامعة.
تواضع جم
ويسرني هنا.. وبوحي من تلك التجربة القصيرة جدا مع الدكتور خشيم.. أن أسجل من خلال هذه الحكايات ما لمسته ورأيته بنفسي وعن قرب.. من ذلك الرجل الفذ الذي عاش طالبا ومجتهدا.. وباحثا في محراب العلم وأستاذا كبيرا.
كان الموضوع الذي اخترته لرسالة الماجستير عن التوازن الإنساني.. تحت عنوان: مبدأ التوازن في القرآن الكريم.. ولأن الخطة المقترحة للموضوع.. كانت تتضمن مناقشة بعض الجوانب الفلسفية في التصور الإسلامي للتوازن المنشود للكون وللوجود.
فقد اقترح قسم اللغة العربية.. أن يتم اشراك الدكتور خشيم كمشرف ثان على رسالتي بالإضافة إلى صديق الدكتور الهوني المقرب.. الدكتور الفاضل/ محمد بالحاج.
وعندما بعثني القسم إلى الدكتور لأعرض عليه موضوع الرسالة.. وأطلب منه التكرم بالموافقة على الإشراف عليه.. استقبلني بتواضع جم.. واجلسني بجانبه وناقش معي الموضوع باهتمام كبير.. ولم أخرج من عنده إلا وقد حظيت بموافقته على الإشراف على موضوع رسالتي المقترح.. جزاه الله عن ذلك الموقف الطيب خير الجزاء.
ملاحظاته على ورقة البحث الأولى
بعد مقابلتي تلك مع الدكتور خشيم.. وموافقته على موضع الرسالة.. عدت إليه مرة أخرى حاملا معي الورقة الأولى من البحث التي اشتملت على اثنتي عشرة صفحة.. وكانت تتضمن تعريفا بموضوع الرسالة.. وخطة البحث التي اقترحت اتباعها في تناولي للموضوع.
استلم مني الورقة بتواضع كبير.. وحدد لي موعدا لإرجاعها إلي متضمنة ملاحظاته بالخصوص.. وبالفعل جئته في الموعد المحدد.. وكم كانت سعادتي كبيرة.. عندما قرأت ملاحظاته القيمة التي كتبها على هامش تلك الورقة التي لا أزال أحتفظ بها وأعتز بها كثيرا.. وقد بدأها بقوله:
ـــ الأخ الكريم / سعيد العريبي.. بعد السلام.
قرأت التعريف الذي قدمت به موضوعك المقترح: “التوازن الإنساني في القرآن الكريم” باهتمام بالغ.. وقد أشرت إلى بعض الفقرات والعبارات التي أفضل مناقشتها معك بتفصيل.. لاحظت – وهذا مهم – أنك تمتلك لغة سليمة خالية من الأخطاء اللفظية التي اعتدنا ان تصدمنا بين الحين والآخر.. ولاحظت أيضا أن لغتك أدبية جدا وهذا أمر لا بأس به، بل هو مطلوب مرغوب.
ولكنني لاحظت – ثالثا – أن هذه اللغة “الأدبية” تجرك إلى أسلوب وعظي إرشادي حماسي عاطفي، يشابه كثيرا أسلوب فضيلة الشيخ الشعراوي، وهذا لا يتفق مع قواعد البحث العلمي الموضوعي المجرد الذي يعتمد الحجة المنطقية والبرهان المدعم بالأسانيد.
ـــ إلى أن قال في نهاية ملاحظاته القيمة :
أخيرا.. أعتبر ما قدمته مجرد “تعريف” أو “دردشة مكتوبة” تحب منها أن تستطلع الرأي في الموضوع كله، وأحمد لك هذا التواضع النبيل.
أقول لك: الموضوع جيد الاختيار ويستحق الدرس والنظر والكتابة.. لكنه الدرس المتأني، والنظــر الفاحص، والكتابة المتمهلة.. أرجــو بعد قراءتك هذه الكلمــات، أن نجلس معــا لكـــي “نهدرز” قليلا حول المواضع التي “علّـمـتُ ” بجانبها مستفهما أو مؤشرا.. فقد يبدو لك الموقف مختلفا، أو قد يبدو لي أنا..!!! من يدري؟!
مع مودتي
على فهمي خشيم
طرابلس في : 1987.01.13