باسم الحرية يطير الناس من قفص إلى آخر.. لقد فضلت دائمًا العيش في قريتي الصغيرة النائية أطراف صحارى فزان، ألفتي للمكان، بدلاً من المدن الكبيرة المزدحمة.
أوائل الثمانينات من القرن الماضي، احتضنتني كلية التربية جامعة الفاتح، أتممت دراساتي للماجستير بالعاصمة، تعودت أن اجوب شوارعها، رفقة أستاذي “د.نبيل الشهابي”، وفي أحيان يكتمل مجلسنا ورفيق الصبا والنشأة “سليمان”، من سيدي المصري، مرورًا بأول سبتمبر والساحة الخضراء.. وجلسة أنس مسائية بردهة فندق باب المدينة..
أواه ما أروع مجالسة الدكتور الشهابي.. وحديثه همسا.. وقهقهة طويلة.. “خبيص ابليص”.. دائما.. “على راس لسانه”.
لا أزال أتذكر أنني لم أرغب في المجيء إلى هنا.. وكلما سألني أصدقائي عن سبب بكائي، كنت أجيب بنفس الإجابة : “لا أحب هذا المكان، فهو مزدحم وصاخب للغاية”.
لطالما راودتني فكرة مفادها أنني لا أحب هذه المدينة.. لم يكن لدي أي سبب وجيه لكراهيتها، لكنني أردت فقط العودة إليها.
وبعد ذلك، تدريجياً تأقلمت هنا.
على الرغم من أنني كنت أقول دائمًا، وما زلت أقول، إنني لا أحب هذه المدينة كثيرًا، إلا أنني طورت حبًا خاصًا لها.
بدأت أجد السلام في الضوضاء، والراحة في الحشد.
لم أكن أدرك متى ذلك.. ولكنني أصبحت جزءًا من هذا الحشد!