ترجمات

اسباب الفشل (4)

هذا المقـال عبارة عـن ترجمة لمقـال منشــور في منتـدى الشـرق الاوسط، عنوانه: لماذا خسر العرب الحروب (http://www.meforum.org/441/why-arabs-lose-wars)، والذي شجعني على ترجمته هو ان اسباب الفشل العسكري كما وردت في هذا المقال لا تختلف كثيرا عن باقي الفشل الذي الم بنا في كل مناحي الحياة، وقد اختبرت بنفسي هذه الحقائق وراء فشلنا، لكني ما كنت قادرا ان اعبر عنها كما عبر عنها هذا الكاتب في مقاله هذا.

*

الأمن وجنون العظمة:

الأنظمة العربية تصنف كل شيء عسكري تحث بند سري. المعلومات التي ينشرها الجيش الأمريكي بشكل روتيني كالترقيات، والانتقالات، وأسماء قادة الوحدات، وتعيين الوحدات العسكرية، هي معلومات سرية جدا في البلدان الناطقة بالعربية. وتعتقد الانظمة العربية ان هذا الاجراء الاحترازي يجعل الأمر أكثر صعوبة بالنسبة للعدو في تقديره لقوته القتالية. هاجس الأمن يمكن أن يصل إلى حدود مثيرة للسخرية. قبل حرب عام 1973، تفاجاء السادات حين وجد بعد أسبوعين من التاريخ الذي أمر فيه القوات المسلحة أن تكون على استعداد للحرب، ان وزير حربه في ذلك الوقت، الجنرال محمد صادق قد فشل في إلابلاغ الفوري لموظفيه بهذا الأمر. وقد تسائل السادات هل يجب ان تبقى الحرب سرا حتى على اولائك الذين يتوجب ان يخوضوها؟

يمكن للمرء أن يتوقع أن يكون نظيره العربي قد تغيير دون سابق إنذار ودون أي تفسير لغيابه المفاجئ. قد يكون هذا جيدا، ولكن الغموض الذي يلفه يترك الاجانب مع سيناريوهات وخيمة، سيناريوهات قد تكون صحيحة، لكن ربما من الأفضل عدم إجراء الكثير من التحقيق فيها؛ المستشارين أو المدربين الامريكان مفرطي الفضول يجدو صعوبة بالغة في الحصول على المعلومات أو على التسهيلات اللازمة في المرافق العسكرية المضيفة.

يعتقد العرب ان العلاقة الوتيقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل تعمل على جميع المستويات، ويفاقم هذا الاعتقاد ميل العرب للسرية. ضنا منهم أن معظم التفاصيل عنهم تنتقل بطريقة ما إلى الموساد عبر خط سري ساخن. هذا يفسر لماذا يسأل المستشار الامريكي الذي يعمل في القوات العربية، وفي وقت مبكر من بداية عمله معهم، عن رأيه في “مشكلة فلسطين”، ثم عن الهيمنة اليهودية المفترضة على الولايات المتحدة.

اللامبالاة في مسألة السلامة:

هناك تراخي عام من حيث تدابير السلامة، وإهمال ولامبالاة بالحوادث وبالتدريب، وكثير من الحوادث كان يمكن منعها والوقاية منها عن طريق الحد الأدنى من الجهود. خلافا للامريكان، تفتقد المجتمعات العربية الى الوعي الامني، فهي لا تبالي بوقوع الإصابات، و يظهر وهن واضح واهمال يكاد يكون متعمد في اعتبارت السلامة في نهج التدريب. هناك عدد من التفسيرات لهذا الامر، لعل ابرزها مفهوم القدر المتأصل في الإسلام، الا انه ليس السبب الاول او الوحيد كما قد يضن البعض، بل السبب الاكثر بروز للناظر هو الثقافة السياسية السائدة في هذه المجتمعات. كما يعلم كل عسكري مخضرم، فإن روح الوحدة القتالية تعيينها القيادات. عندما تمارس القيادات السياسية العليا الاهمال الكامل ويتدني اهتمامها براحة جنودها، فإن هذه الممارسة تسري في الرتب الادنى وتصبح سلوك قائم لها. هذا الامر ظهر جليا في الخيانة التي تعرض لها الجيش السوري في الجولان عام 1967، فبعد ان سحبت الحكومة وحدات النخبة الموالية لها من الجولان، اذاعت خبرا كاذبا مفاده ان القوات الاسرائلية قد استولت على بلدة القنيطرة، في حين ما زال الجيش السوري في مواقعه المتقدمة في الجولان. القيادة السياسية لجأت لهذه الكذبة كوسيلة ضغط على الدول الكبرى لفرض الهدنة، وقد ادى هذا الاعلان الى حالة من الدعر في صفوف الجيش الذي كان على جهل تام باهدافها، وفقدت سوريا على اثره مرتفعات الجولان.

الخلاصة:

سيكون من الصعب أن نبالغ في تقدير الشروخ الثقافية التي تفصل الثقافة العسكرية الأمريكية و الثقافة العسكرية العربية. في كل المجالات المتميزة. على الجانب الفردي، يجد المستشارين العسكريين الامركيين الطلاب العرب متحمسين جدا في تلقيهم للدروس واستعابها، لكنهم يفشلون في تطبيقها. الثقافة التي يعودون اليها، ثقافة جيوشهم الخاصة في بلدانهم، تهزم النوايا والاهتمام الذي ابدوه اثناء التدريب على يد أساتذتهم الأمريكان.

عندما كان للسوفيات تأثير على بعض المؤسسات العسكرية العربية، عزز السوفيات هذه الصفات الثقافية في وكلائهم بدرجة أعلى مما يقدر عليه الامريكان. فالسوفيات مثل العرب، الثقافة العسكرية السوفياتية مدفوعة بالمخاوف السياسية المصابة بجنون العظمة. الخطوات التي تتخدها القوات السوفياتية للسيطرة على مصادر هذه المخاوف، سواء كانت مخاوف حقيقية أو متخيلة، تتمثل في القيادة المركزية الصارمة التي تعتمدها في ادارة مؤسساتها العسكرية، هذه الممارسة تَفَهَمها بسهولة النخب السياسية والعسكرية العربية. العرب أيضا، شعرت بميل الضابط السوفييتي لازدراء جنوده العاديين، وادركت تطور عدم الثقة في التسلسل الهرمي العسكري السوفيتي.

تستند الثقافة السياسية العربية على الدرجة العالية للتركيبة الطبقية الاجتماعية، وتتشابه كثيرا في ذلك مع التركيببة الطبقية السياسية للاتحاد السوفياتي البائد، بينما تختلف كثيرا جدا عن ديمقراطية الولايات المتحدة. لا يرى الضباط العرب أي قيمة في تبادل المعلومات فيما بينهم، ناهيك مع جنودهم. وهم بذلك يحذون حذو قادتهم السياسيين، الذين لا يقومون بحجب المعلومات عن حلفائهم فقط، بل اكثر من ذلك …. وبشكل روتيني …. يعملون على خداعهم. التدريب في الجيوش العربية يعكس هذا الامر تماما: بدلا من إعداد الجنود لتحمل أكبر قدر ممكن من المسؤوليات المرتجلة التي يحتاج لها في فوضى المعركة، فإن الجنود العرب وضباطهم، محكومين بوظائف ومسؤليات محدودة مخصصة لهم من قبل القادة الاعلى في تسلسل هرمي مقيت. طبعا هذا الامر يقيدهم ويجعلها أقل فعالية في ساحة المعركة، ناهيك في انه يضع حياتهم في خطر أكبر. هاتين المسألتين، تبادل المعلومات ومرونة المسؤولية، تهيمن على الثقافة العسكرية الأمريكية، وتنعكس في التدريب العسكري الأميركي.

إذا لم تبدأ السياسة العربية في التغيير الجدري في مستوياتها الأساسية، فلا يمكن للجيوش العربية ان تحقق اي مكاسب على الارض، ومهما كانت شجاعة و كفاءة رجالها من الضباط والجنود، فمن غير المرجح لهذه الجيوش أن تكتسب الصفات التي تتطلبها القوات المقاتلة الحديثة لتحقيق النجاح على أرض المعركة. لان هذه الصفات تعتمد على غرس الاحترام والثقة والانفتاح بين أفراد القوات المسلحة على جميع المستويات، هذه هي موسيقى الحروب الحديثة التي لا تريد الجيوش العربية الاستماع اليها.

(اميس انتمورا)

__________________________

طالع الأجزاء السابقة:

أسباب الفشل (1)

أسباب الفشل (2)

أسباب الفشل (3)

مقالات ذات علاقة

رحلـــــة

زكري العزابي

نصوص للشاعرة المجرية جوديت سليس

مأمون الزائدي

قصة أسناني

مأمون الزائدي

اترك تعليق