طيوب النص

غيث وهمس

تحت المطر (الصورة: عن الشبكة)
تحت المطر (الصورة: عن الشبكة)

ترسل السماء مدرارها بإذن ربها الودود، يتنزل فيض الرحمات، تعانق حبات التراب القطرات الفرح والغيث العذب، تعزف معها معزوفة اللقاء الجميل والأمل الكبير.

البهجة تغمر القلوب والدعوات تترى: أن يا رب سقيا رحمة لا سقيا عذاب، وصيبا نافعا وعطاء مباركا ليس فيه إلا الخير، تعاملنا فيه بما أنت أهله وأنت الرحمن الرحيم، ولا تكافئنا بما يصعد منا إليك، ووخجلتاه مما يصدر عنا ويرسل من خبث نفوسنا وسقيم أفكارنا.

لكننا يا رب، رغم اعوجاجنا وسوء حالنا معك لا نملك إلا أن نرفع أكف الضراعة إليك: أن يارباه يا غوثاه، قلوبنا عطشى وأروحنا أصابها الجفاف ولا غيث إلا غيثك يذهب ما بها من أسقام وينقيها مما أصابها من الملوثات.

ويسمو بها عن الأنانية ويمزق شرنقة الكبر والعناد والإحباط لترقى في مدارج العلو حيث الألق والنور.

ونحن نسلك سبل الإحسان والإتقان حتى لا نرى مع كل فيض من الماء الطهور، برك وبحيرات، جداول ومستنقعات عن يمين وشمال في أزقتنا.

لأن أرباب المسؤولية في بلادنا غافلون عنا، غارقون في متاهات الجدل والكيد، مشغولون في تصفية الحسابات بينهم وزيادة أرصدتهم المالية وميزاتهم الدنيوية.

وكم نحن بحاجة إلى فلترة واعية ونفوس صافية وأيدي عاملة كي لا نشاهد حواجز مائية تمنع خروجنا من بيوتنا وتجعلنا نقر فيها لأيام مع كل جولة غيث مبارك، خوفا من الغرق بين ضفافها فضلا عمن يتسلل الماء بين الجدران الواهية لبيته أو يسمع خرير الماء وقد جاوز سقف داره وتساقط في حجراته.

وتسمع من بعضنا من يحدثك أنه سوء الأحوال الجوية، ولو أنصفوا لقالوا إنه سواد النوايا إضافة إلى سوء الإدارة، وخلل القيادة وخيانة الأمانة، مع خلطة متجانسة من موت الضمير وعدم التفكر في نهاية المصير، وفقدان الإحساس بأهل البلد والشغف المحموم بالكرسي والتعلق بمنصب يعلم صاحبه أنه ليس أهلا له ولا كفؤا لنواله.

الزخات المباركات تستمر لتكون مجهرا يكشف الثقوب والثغرات ويجلي نواحي الفساد والإفساد، تلقي بين ظهرانينا بالسؤال الكبير والمزلزل، هل أنتم أهل لأن نعانق حبات ترابكم ونغسل أجواءكم ونمدكم بماء الحياة؟

وبرغم قتامة المشهد ومرارة الوضع فقد فتحت هاتيك القطرات نوافذ التفاؤل وأرسلت وميض الأمل وإشعاع الوعي، وها أنا ذا أسمعها وهي تقول: ربما بعد هذا الفيض الفياض تداون أسقامكم وتتحملون عبء وطن ضحى من أجله أجدادكم.

فتسعون فيه صلاحا وإصلاحا لتقيموا فيه دعائم العدل وأركان الحق، لعل ربوعكم تزهر من جديد ويعود للربيع الربيع.

مقالات ذات علاقة

خربشات ملونة 08

محمد ناجي

أبنوس

المشرف العام

كيف أهديكم إلى حريتي؟

ميسون صالح

اترك تعليق