عالج المفكرون والعلماء والفلاسفة معضلة الزمن واعتبروا ان ما نعتمده من تقسيمات لهذا الزمن سواء تقسيمنا اياه الى ماض وحاضر ومستقبل او الى اعوام واشهر واسابيع وايام وساعات ودقائق ليس الا تقسيما ميكانيكيا حسب رأي اينشتاين لتسهيل حساباتنا الخاصة.
وقد يعبر عن تصورنا للزمن وفهمنا له ووعينا بدورته التي نرتبط بها ونربط بها حياتنا وافعالنا وما يجري لنا وما يجري حولنا، ولكن هذا التصور او الاحساس لا علاقة له بحقيقة الزمن فهو يمضي في مساره من الازل الى الابد، وكلاهما لا نضع له حدا ولا نعرف له بدءا ولا انتهاء، وينظرون اليه في شكله السرمدي الكوني الذي يتصل بقضايا لها علاقة بمعضلات الوجود والعدم وما فيهما من متاهة وما يحتاجانه من عناء فكري ذهب فيه الفلاسفة في كل اتجاه، وجعلوه موصولا بحركة الافلاك ودورتها وتعاقب الليل والنهار فهو كما يقول نيوتن، وعاء بداخله يتكون العالم وهو موجود دون بداية ودون نهاية وانما صيرورة مستمرة غير متناهية، وهناك فهم للزمن توصل اليه الانسان منذ فجر التاريخ كما سجله القديس اوغسطين في اعترافاته نقلا عن اهل زمانه من ان الزمن يأتي من المستقبل الذي لم يوجد بعد، الى الحاضر الذي لا ديمومة له، فيمكن لدقيقة ان يكون نصفها اصبح ماضيا ونصفها مازال مستقبلا، وبين النصفين حاضر لا يمكن الامساك به، وصولا الى الماضي الذي زال وانتهى.
ونحن هنا نتحدت ليس عن الزمن الفلسفي، او لدى علماء الفيزياء او علماء الفلك او الطبيعة، وانما عن ادراكنا نحن للزمن، وتعاملنا مع هذه اللحظات الزئبقية التي لا نستطيع الامساك بها، وتفر من بين اصابعنا كمن يحاول ان يمسك بالهواء، فنقول بحساب هذا الادراك وتصوراته اننا الان ندخل بمشيئة الله العام 2014، فالحمد له لانه مد في عمري وعمر ابناء جيلي ومرحلتي العمرية الى ان بلغنا هذا العام الذي كنا نراه بعيدا جدا عندما بدأ وعينا بالعالم والحياة، وربما اتكلم في هذه العجالة عن اهم ملامح العام الذي مضى، فاقول ان ابشع الجرائم ــ وكل الجرائم مهما كانت ضئيلة، قبيحة وبشعةــ واكثرها رعبا وقبحا، هي اهدار حياة الانسان على يد انسان اخر، الا في حالة القصاص يوقعه القضاء بمجرم، ما عدا ذلك فان اهدار حياة الانسان هو اقبح فعل واقبح جرم يرتكبه انسان ضد اخيه الانسان، لا يعادله اي جرم اخر، ولهذا فان اقبح بلاء يحل باي تجمع بشري هو الحرب، ونعم هناك كوارث غير الحرب تهدر فيها الحياة البشرية وتضيع فيها الارواح مثل الكوارث الطبيعية من زلازل وعواصف وسيول وحوادث صدام وانهيارات وغير ذلك، ولكن الحرب هي قتل الانسان للانسان بآلات يصنعها ويستخدمها الانسان لهذا الغرض، ويقولون دائما ان ازمنة الحرب هي التي يدفن فيها الاباء، الابناء، بعكس الازمنة العادية الطبيعية، التي تخضع لسنن ونواميس الحياة، حيث ينتهي الجيل الاكبر، ليستلم المسؤولية جيل اصغر، ويدفن الصغير كبار اهله ممن انتهت رسالتهم وأدوا واجبهم وحان موعد رحيلهم.
ولم يكن ممكنا لهذا الاهدار للحياة الانسانية، ان يتوقف، فهو ملمح من ملامح الحياة الارضية ربما منذ ان اخرج خالق الكون أب البشرية من الفردوس، وطوح به فوق هذا الكوكب، حيث بدأ القتل بقابيل الذي اودى بحياة شقيقه هابيل، ليدشن منذ بدء الخليقة، تقليدا لابشع ما يمكن ان يقترفه الانسان ضد الانسان، وهو انهاء حياته، الذي يجب ان يبقى حقا الهيا، فخالق الروح هو وحده من له حق انتزاعها من جسد صاحبها. الظاهرة التي تنامت في الاعوام الاخيرة، وواصلت هذا التنامي في العام الماضي 2013، ودخلت مناطق لم تكن في السابق مجالا لحركتها، وهي الجماعات الاسلامية المتطرفة، التي وجدت في الاحتراب السوري فرصة لاظهار مهاراتها في القتل وسفك الدماء، ليست فقط على جبهة النظام الذي تعلن الجهاد ضده، ولكن ضد شركاء في الحرب ضد النظام، استباحت دمهم وانتهكت حرماتهم واعلنت عليهم الحرب، ودخلت هذه الجماعة لتباشر طقوس القتل في بلدان مثل تونس وكانت بريئة من جرائمهم، ثم ليبيا وكانت هي الاخرى ارضا بعيدة عن شرورهم، الا انهم دخلوا تحت غطاء الثورة التي قامت لاسقاط النظام، والان يخوضون حربهم ضد كل من ساهم في تقويض ذلك النظام، ووجدوا في ليبيا خزينة عامرة بالاموال، ووجدوا ارضا مفتوحة بلا خفارة ولا حراس للحدود، فأخذوا حريتهم في الحركة دخولا وخروجا وتدريبا وتسليحا، وتكاد تصبح قاعدة لاهل القاعدة، وحلفاء القاعدة، ومحبي القاعدة.
نعم تخضبت بالدماء مساحات كثيرة من خريطة عام 2013، وتوزع التكفيريون واسلوب القاعدة الذي يعتمدونه في القتل، فوق مساحات كثيرة جديدة، دليل ما حققوه من نجاح، وما يحرزونه من نصر على قيم الحضارة والتقدم ومفاهيم العصر، مقارنة بافكارهم المجلوبة من كهوف التاريخ وظلامه، محملة بانواع من العناكب السامة ووطاويط الليل والظلام.
والغريب الغريب ان لهذه الافكار العنكبوتية الوطواطية انصارا واتباعا في عصرنا الحديث، وفي مطلع الالفية الثالثة في التاريخ البشري، التي وصلت فيها الفتوحات العلمية والعقلية، الى مراتب غير مسبوقة، وتواترت بسرعة لم يعرفها تاريخ العلوم سابقا، الا هذه البلاد التي فتحت عقلها وقلبها لافكار وقيم الماضي السحيق، واوصدت هذا العقل وهذا القلب ضد كل قيم الحضارة الحديثة. فهل بعد ذلك نستطيع ان نطمح ونأمل في عام جديد اكثر أمنا وسلاما في العالم العربي، واقل اهدارا لحياة البشر واحتراما لحرمة الدم الانساني؟ ربما.