الطيوب : متابعة وتصوير / مهنّد سليمان
نظم صالون العقاد الثقافي في إطار جلساته النقاشية الشهرية ندوة حوارية خاصة بعنوان (ما بعد دانيال) أدار وقدم مجرياتها “فاضل بن نصر”، وذلك مساء يوم السبت 30 من شهر سبتمبر بدار حسن الفقيه حسن للفنون بالمدينة القديمة طرابلس وسط حضور عدد من النخب الثقافية والمهتمين بالشأن العام، وتخللت الندوة ثلاثة محاور حيث شارك فيها كل من الشيخ “صلاح سالم” الذي تناول بدوره آداب تعامل العبد مع الأقدار المؤلمة مشيرا إلى أن كارثة الإعصار الأخير الذي ضربت سيوله مدن الشرق الليبي لاسيما مدينة درنة صنفه البعض على أنه لون من ألوان الابتلاء، وبعضهم وقف حائرا أما البعض الآخر كأنه نصّب نفسه قاضيا من الله عز وجل ليُصدر أحكاما يُدين بها كل الموتى بما فيهم الأطفال الرضع ومن قضوا سُجّدا وبين أياديهم المصاحف، واعتبروا أن هذه عقوبة من عند الله، وأوضح الشيخ صلاح أن غياب العلم وغياب التفكير والوعي الديني هو ما دفع ببعض الناس لطرح مثل هذه التساؤلات المُحيِّرة، ولفت الشيخ صلاح إلى أن النوائب والمصائب تؤكد للمؤمن الصالح كي لا يأسى على ما فاته ولا يفرح بما آتاه.
سبل التعاطي الصحي مع الصدمات النفسية
بينما تناولت الباحثة والأخصائية النفسية “سمر أبو السعود” السبل السليمة في كيفية التعاطي الصحي مع الصدمات النفسية وضحايا التجارب القاسية، وذكرت أبرز الأضرار والاضطرابات التي تظهر عادة على الصحة النفسية للأفراد جراء حدوث مثل هذه الكوارث الطبيعية، مشيرة إلى أن جميع الناس في تلكم المناطق المنكوبة قد تعرّضوا للصدمة مضيفة بأن لكل فئة عمرية علامات ومشاكل معينة يُحتمل أن تظهر عليها لكن تظل هذه المسائل تخصصية يصعب تعميمها وتشخيص مجموعات كبيرة دفعة واحدة، وأوضحت أبو السعود أن من الأخطاء الشائعة هي عملية تصنيف وتشخيص عدد كبير من الناس فالقراءات النفندة تتعاطى بالدرجة الأولى مع الحالات الفردية مراعاة للتفاوت بين البشر فهنالك من سيتأثر وينعكس ذلك على سلوكه النفسي والاجتماعي، وهنالك من سيكون تأثيره بنسبة أقل ما يُمكّنه من التكيِّف واستئناف حياته الطبيعية، دعت أبو السعود إلى عدم تشخيص المتأثرين بمِحن وأزمات من هذا النوع كجموع، وأضافت أبو السعود قائلة : إن المتوقع علميا لجميع من تأثر بوجه عام سواء كان متابعا أم موجودا داخل المناطق المدمّرة وفقد ما فقد من ذويه وما يملك هو ظهور أعراض مرضية معينة وفي حالة بداية ظهور هذه الأعراض أو العلامات يتوجب فورا طلب المساعدة المتخصصة، وبيّنت أو السعود بعض هذه الأعراض ومنها : تغيّر السلوك والمزاج بشيئ من الانفعال العصبي المفرط، واضطراب في النوم والأكل فضلا عن ارتفاع نسبة القلق والخوف وتراجع المجالات الحيوية، وأكدت الأخصائية أبو السعود في المقابل بأن ما وقع من كارثة معطى جديد علينا جميعا كمتخصصين ومواطنين مما يصعب معه البحث السريع عن الحلول المجدية.
المثقف ورفع الوعي بالأزمة
بدوره تطرق الباحث “محمد خليفة” إلى المثقف وقضية رفع الوعي بالأزمة ومسألة مكافحة الفساد الحكومي ومحاسبة المسؤولين مؤكدا بأن الثقافة هي معرفة كل شيء عن كل شيئ، وفي السنوات الأخيرة ثمة استخدام مشؤوم لاصطلاح الثقافة فمنهم من يصف الثقافة بثقافة التسول أو ثقافة الفساد في حين أن الثقافة هي ما يرتقي بالإنسان وتصقل خصائص وتنمي مهاراته، ومن المعيب الصاق ظواهر الفساد والتسول بمفهوم الثقافة، وأوضح الباحث محمد خليفة أن كارثة سيول مدينة درنة أفشلت ثلاث مشاريع سلبية، ومن بين هذه المشاريع هو مشروع تقسيم ليبيا أما المشروع الثاني فهو حفر هوة أو تعميق الفجوة بين المجتمع الليبي من ناحية والإسلاميين من ناحية أخرى، والمشروع الثالث هو الفصل بين العرب الأمازيغ كنوع من أنواع التقسيم، وهذه المشاريع المذكورة تُبذل فيها جهود وتُغذى وتنفق عليها الأموال، وأردف قائلا : إن بعض الناس يعتقدون أن مشروع فصل برقة عن طرابلس ظهر بعد تاريخ 17 فبراير والحرب الأهلية لكن الواقع يثبت خلاف ذلك، كما بيّن محمد خليفة بأن مقدرات موارد الدولة تُهدر وتنفق في سبيل خراب البلد الأمر الذي يستلزم أن ينتبه ويُنبّه إليه المثقفين الليبيين، ودعا محمد خليفة إلى ضرورة أن تتحول فزعة توحّد الليبيين جراء كارثة درنة إلى قناعة راسخة، وهذه ممسؤولية ينبغي للمثقف أن يضطلع بها ويعمل عليها بجدية كبيرة.

