قصة

يا سمى .. صبي المى!

نعيمة الطاهر

من أعمال التشكيلية الليبية مريم العباني.
من أعمال التشكيلية الليبية مريم العباني.

جلست تلك الفتاة وقد ارتسمت على وجهها الدهشة، وهي تشاهد عبر النافذة الأمطار التي تتساقط بغزارة، فيما أرعدت السماء وأبرقت، اتجهت إلى أمها بسؤال:

– ديمة هكي مطر الخريف قوية وتجي فجأة؟!

أجابتها الأم:

– نعم، وفوق هذا هي ذات فائدة، غير أنها تغسل الأجواء وتزيل الأتربة.

ردت الفتاة بتعجب:

– منك نستفيدوا ما هو إنت ديمة عندك لكل حاجة قصة، نحس فيك يا ماما كأنك موسوعة زمنية.

قالت كلامها هذا، فيما أتبعته بابتسامة ونظرة رجاء، وكأنها تطلب من والدتها أن تقص عليها حكاوي مطر الخريف.. نظرت الأم إلى الخارج وهتفت:

– ما شاااااء الله، هاذي مش خيطين من السمى.. هاذي حيط امية نازل تبارك الله، يااااسمى .. صبي المى!

سمعت الفتاة قول أمها هذا فسارعت بالسؤال: مش قولة يا سمى صبي المى، تقولي فيها لما حد يكذب والا يبالغ في حاجة صارتله؟!

ردت الأم:

– إيه مش غير انا نقول فيها، هاذي جملة متوارثة من زمااان.

التقطت البنت خيط الحديث، وطلبت من أمها أن تحدثها عن مطر الخريف، بعد أن تأملت الأم غزارة المى اللي يصب من السمى، وجهت حديثها لأبنتها المتلهفة قائلة:

– زمان واحنا صغيرين، أول ما تبشبش مطر الخريف اللي تكون هلت بعد صيف حار ورطوبته الخانقة، كنا نسارع بالتجمع زرافات زرافات في ساحات البيوت أو في الشوارع التي أمامها، ونحن نصدح بالصوت العالي:

يا مطر صبي صبي / فرجي عني كربي

يا مطر يا بشباشة / صبي في حوش الباشا

والباشا ماعنده شي / غير لقيمة في التبسي / نمشي ناكلها ونجي!

قاطعت الفتاة أمها، بالرغم من انسجامها مع صوتها الذي انساب رقراقا كماء المطر  المتساقط وهي تردد الأهزوجة: كيف باشا وما عنده شي؟!

ردت الام ناهرة إياها:

– إنت تبي تسمعي والا بتقعدي تقصقصي على البسباس ومن زرعه؟!

ردت البنت:

– لالا .. خلاص معش نقصقص غير إحكيلي على رقصة المطر؟

واصلت الأم الحديث، فيما ارتسمت في عينيها نظرة براقة وعلا وجهها الحبور وردت:

– عطيك الهنى يا بنت.. قداش بنحكيهالك مرة، زمان وأنا صغيرة كنت أشاهد نساء العائلة، كبيرات السن، عند هطول أول شبوب مطر الخريف، يسارعن إلى الخروج إلى باحة المنزل، حيث الأرض تلتحف السماء، ويكشفن غطاء “ردوات الباصمة” من على رؤوسهن، فيما يأخذن في التقافز في خفة ورشاقة الفراشات وهن يرددن:

يا مطر يا خرفية / نحيلي الدى اللي فيا

ويكررن القفز والدوران والتحجيل والضحك..

انتفضت الفتاة محتجة:

– يا سمى صبي المى!!.. نساوين كبار في السن ويتقافزوا زي الفراشااااات ؟!

حدقت فيها الأم وهي “تلطشها” بكف يدها على كتفها:

– إيه زي الفراشات  لانهم كانوا ياكلوا في التالمة والقصيل والبنومة وخبزة الفرن والدحي العربي والزميطة بزيت الزيتون، مش جيل النوتيلا والكرواسون وما نعرفش شنو ..

هتفت البنت:

تالما وقصيل؟! وهاذوا شنو أكلات شعبية؟

اجابت الأم هاذوا بروحهم يبوا جلسة، مش وقتهم توا، نوضي كان خاطرك ترقصي معاي رقصة المطر والا خليك في القصقصة.. رمت الأم في وجه ابنتها بتلك الكلمات فيما سارعت للخروج إلى شرفة المنزل وصارت تقفز كطفلة وهي تردد في حبور:

يا مطر يا خريفية / نحيلي الدى اللي فيا!!

مقالات ذات علاقة

عجوز القايلة….

مقبولة ارقيق

فـيـما بـعـد

الرجل الذي فقد الأرض من تحت قدميه ..؟!!

سعد الأريل

اترك تعليق