المقالة

المدينة الأكثر سحراً

درنة الجبل الشامخ والمنقار الّذِي لا يعرف الهزيمة !!

وادي درنة (الصورة: عن الشبكة)
وادي درنة (الصورة: عن الشبكة)

درنة النسيج الاجتماعي الّذِي لم تخترقه رصاصات الكلاشينكوف.. الثقافة الّتي هزمت الغلو والتطرف.. الفنّ الّذِي زرع الحبّ والبسمة فِي القلوب، ورفـع الحس الذوقي والجمالي عند النَّاس.. درنة المدينة الّتي لم ترض يوماً باتهام أبنائها بالباطل، والّتي لا يعـني سـكوتها أنها راضيّة عمّا هُو دائر أو وقـع الحال.. درنة الّتي سيُعيد أبناؤها البهاء الّتي عُرفت به، والروح الّتي ميّزتها عَن غيرها، والّتي كانت وستظل رافداً رئيسياً مِن رَّوَافِـد الثقافـة والفـن بليبَيا.. وكانت حاضرة بقوَّة فِي كلِّ مراحل التاريخ الِلّيبيّ، وكانوا رجالها علامات بارزة فِي كلِّ الأزمنة والأوقات.

درنة عاصمة الشّرق الثانيّة، والشامخة بتاريخها وعطاءات رجالاتها على مدار التّاريخ.. درنة الّتي تحتضن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتضم قبر الصحابي زهير بِن قيس ورفاقه مِن الصحابة والتابعين.. درنة النفس العروبي والروح الأندلسيّة، المتأثرة بمحيطها والمؤثرة فيه، المدينة الّتي احتضنت معابد ثلاثة أديان تعايشت معاً عبر التاريـخ.

درنة عُمر فائق شنّيب وعبدالرازق شقلوف وعبدالحميد الديباني وعلي أسعد الجربى وعبدالكريم محمّد لياس وخليل البناني وعبدالله سكته وعبدالستار الثلثي ومحمّد عبدالكريم عزوز وإبراهيم الأسطى عُمر وعبدالكريم جبريل وأحمَد فؤاد شنّيب ورجب مفتاح الماجري والشّيخ الأزهري عبدالسّلام محمّد سَالم بِن عمران.. مرضية النعاس وفتحية عاشور وفاطمة عاشور وفوزية العجيلي.. البلاّلي وليزي وسَالم بِن زابية ومُصْطفى البتير.. عوض عون وفهيم رقص وغنيم والبّاح والفيتوري ومكراز وسلطان والطشاني وساسي والكربال والمؤدب والحصادي والشّيخ واستيته والمفتي والخرم والحمر والنعاس وبدر وهنيد وغفير وبوخطوة وبوغرارة والميسوري والأطرش والعزوزي وانديشة وباللو وبن حليـم وخليّفة وبِن خيال وبِن علي.. وغيرهم كثيرون.

درنة السّياسة والثقافة والرياضة والفنّ.. درنة الحضارة والتاريخ والجهاد، والدراونة الّذِين كانوا وما زالوا، مغرمين بالموسيقى والسينما، وقريبين دائماً مِن الصوفيّة، ولهم أورادهم وقصائدهم الخاصّة.

درنة الجهاد ضدَّ الاستعمار الإيطالي، وعنوان الوحدة الوطنيّة والميثاق التصالحي الّذِي وُقع فِي العَام 1946م، وعُرف بـ«ميثاق الحرابي».. درنة مفاوضات الاستقلال وبناء دولة ليبَبا الحديثــة.. درنة الموقف الوطنيّ ضدَّ استبداد حكم القذّافي الشمولي، والتضحيّات العظيمة الّتي قدمت فِي ثورة السّابع عشر مِن فبرايـر.

درنة بدايات الاستقلال وتأسيس دولة ليبَيا الحديثة، والّتي ازدهرت بِالمؤسساتِ التربويّة والإعلاميّة والمثقفين والفنّانين والرياضيين والكتَّاب والشعراء والكوادر الخبيرة والمدربة، وبحق كانت درنة فِي تلك المرحلة واحة لأخصب مراحل الإبداع اللّيبيّ فِي التعليم والسّياسة والفنّ والشّعر والأدب، والّتي تركت أثراً عميقاً فِي أدباء وشعراء تلك المرحلة.. درنة الّتي كان لها مشروعها الثقافي ضمن المشروع الوطنيّ – قبل مجيء الانقلابيين فِي سبتمبر 1969م – لتأسيس شخصيّة ثقافيّة مميزة لليبَيا. درنة المعتزّة بإرث الآباء المؤسسين، والمؤمنة بالدولة المدنية القائمة على التداول السّلمي للسّلطة، عبر صناديق الاقتراع، والرافضـة بتحويل الوطن إِلى صورة شخصيّة مجدَّداً لكائن مَنْ كان، أو تحويله إِلى مزرعة خاصّة للحاكم وأبنائه.

درنة المائدة العامرة بِكُلِّ أصناف الطعام، وبالتحبيشات الدرناويّة الخاصّة جدَّاً.. درنة الزعتر والبردقوش والإكليل والنعناع.. القرنفل والشمري والبطوم وعسل النحل.. الياسمين والفل وماء الورد والزهــر.

درنة أرض الزهــــر والحنـــة.. ونسائم البحــر وجناين الورد. درنة الفنّ والمزمار.. وقد بدأ المزمار الشّعبي – ومع ظهور فرقة درنة للفنّون الشعبيّة – يدخل فِي بعض الأغاني والموسيقى الِلّيبيّة، وبعدها أصبحت بعض الموسيقى والأغاني الدرناويّة جزءاً مِن التراث الجبلي، والنغمة الّتي تميز الفنّ الجبلي الِلّيبيّ عن الفنّ والأغاني الجبليّة العربيّة كنمط الأغنيّة الجبليّة السّائدة فِي لبنان.

درنة الّتي كانت، والّتي ستبقى إِلى أبدِ الآبِدِين.. ستبقى شامخة بثقافتها وفنّونها وتراثها رغم أنف مَنْ يكيدوا لها ولا يريدون خيرها وسلامتها. ستبقى درنة جميلة دائماً بسحر جمال طبيعتها الخلابة، وبما أنعم الله عليها مِن جبال محاطة بها مِن كلّ جانب، وشلال ووديان متعرّجة تشق طريقها وسط جبالها المرتفعة، وخضرة ساحرة تكسوها وتغطي مساحاتها الممتدة إِلى شواطئ البحر.. وستبقى درنة أبداً مركز شعاع للعلم ومنبعاً للثقافة، ومقطوعة موسيقيّة تدندن على أوتار حبّ الوطن وشديد الولاء له.

درنة الرَّافضة الحصار، والعاشقة للحريّة، والمغرمة بِالحيَاةِ مِن أعماقها.. درنة رنة «نغمة» الدربوكة الخاصّ، ومعزوفة الزمارة المُزدوِجة «المقرونة»، والأشعار الّتي تتغنى بالوطن وبسحر الطبيعة وجمال البحر والأشجار والجبال.

درنة الجهاد والنَّضال والثقافـة، والّتي صدت متآمري الخارج، ومتطرفي الدّاخل، ونهضت وستنهض فِي كلِّ مرَّة بوعي سكّانها وتجانس أهلها وتعايشهم السّلمي.

أخِيْراً، سيحتفظ الدراونة بلهجتهم الخاصّة وأسلوب حياتهم المتفرد وموسيقاهم المميزة.. وستبقى درنة مزمار الوطن الّذِي يحرك الأحاسيس وينقل التراث إِلى الأجيال المعاصرة.. وسيظل المزمار الدرناوي كمَا عرفناه واستمتعنا بموسيقاه.. وستبقى درنة محفورة فِي قلب كُلِّ لّيبيّ مُحب للوطن والفنّ والثقافـة والجمـال.

آه يا درنـة.. مَا أجملك.. ومَا أروع مزمارك.


• هذه المقالة سبق وأن نشرتها فِي بوابة: «الوسط» يوم الثلاثاء الموافق 05 ديسمبر 2017م، وأدخلت عليها بعض التعديلات الطفيفة.

مقالات ذات علاقة

راحلٌ في الحَيَاةِ.. طَاعِنٌ في الموتِ *

جمعة الفاخري

حكايتي مع الدكتور علي فهمي خشيم

سعيد العريبي

كريماتٌ في الدنيا .. مُكرَّماتٌ في الآخرة

يونس شعبان الفنادي

اترك تعليق