ميار برجاوي | لبنان
360 درجة سيتغيّر تفكيرك حيال الكتابة، وستتبلور رؤية قلمك أكثر برفقة كتاب الحقيقة والكتابة للكاتبة بثينة العيسى.
تلك الكتابة التي تمارسها كهواية، سيجعلك مضمونه تتدرّج بالنظر إليها من عين “الكاتب الساذج” إلى عين “الكاتب الحسّاس”، مستدلًّا إلى أدوات مفيدة ترشدك، وتفتح أمام محبرتك الوصفيّة آفاقا لكتابات أكثر حساسيّة ومصداقيّة.
الكتاب الصادر Arab Scientific Publishers الدار العربية للعلوم ناشرون ومنشورات تكوين، هو أشبه بورشة تدريب على الكتابة الإبداعيّة. يرصد الكتابة الوصفيّة في القصّة والرواية عبر نماذج تطبيقيّة تتلقفها بانسيابية على مرّ فصوله الغنيّة بنصائح كبار كتّاب الأدب العالمي.
أسلوب الكاتبة الأدبي، وسلاسة التمارين تبدو كما لو أنّها تقدّم لك الدورة بنفسها. سيغنيك بعدد من الروايات التي من المفيد الاطلاع عليها عن قيمة الوصف ووظيفته في صلب النصوص، فيما كثر إمّا يغفلون وإمّا يفشلون وإمّا يستخفون.
الإستراتيجيات من السطر الأول وحتّى السطر الأخير. الأدوات الكُلّي منها والجزئي، الموضوعات بكل ما يمكن وصفه، والحكاية بما لم يقله الكتاب؛ أربعة محاور أساسية تتفرّع منها عناوين تغوص في تفاصيل الكتابة الوصفيّة بما يشكل على سبيل المثال الحبكة والإيقاع، كتابة الحواس والتفاصيل والمجاز، وصف الشخصيات والفضاء والمشاعر والأحاسيس، وتجربة الكاتبة مع ورشة الكتابة ومغزى التدرّب الإبداعي لكي “نصبح سذجا على نحو أفضل من خلال رفع حساسيتنا”.
“إنّ الهاجس الأكبر للكاتب هو أن يمتلك القدرة على كتابة الأشياء كما رآها، كما عاشها، وكما تخيّلها أيضا”، إحدى عباراته المعبّرة عن هاجس غالبية الكتّاب، وبتقديرها: “وصول النص إلى هذه الدرجة من التأثير يتطلّب كتابة وصفيّة فعّالة”، بغية “كتابة وصفيّة ناجحة”.
جوهر القول وبقلم العيسى: “هذا الكتاب بطبيعته هو كتاب حسّاس. إنّه كتاب يهدف إلى جعلنا أكثر وعيا بواحدة من أهم الأدوات الفنيّة التي نمتلكها ككتّاب”. والحقيقة أنّك لن تكتفي بمطالعته مرّة واحدة، وستقرّر العودة إليه بين كلّ قراءتين أو ثلاث حتّى تتمرّس أكثر معه، ومع نصائح جورج أورويل التي توردها ومع مسطرة كيرت فونيغت التي سترفعها تلقائيا بوجه جملك لتتحرّى تحقيقها أمرا من إثنين: “إمّا أن تدفع بالحدث وإمّا أن تدفع بالشخصية” أو كما أضافت الكاتبة لـ”تأثيث العالم الروائي”، ليصبح بوسعنا أن نكتب جملا “مصقولة، ومكثفة، وبالغة الحسيّة، تُرى وتُشم وتُسمع” عبر “قواعد وليس قوانين”، لترشد الكاتب اليقظ في خلق المعنى.
أختم بما تحدّثت به المؤلّفة عن تجربتها الرائدة مع تكوين، مطوّرة إيّاها من حساب إنستغرام إلى مكتبة ودار نشر ومحترف، مؤمنة بأنّ الموهبة مهمّة، لكنّها لا تكفي وحدها، بل قد تكون خطرا على الكاتب. كما “علينا أن نتعلّم القاعدة حتّى ننجح في كسرها، وهو المكان الذي يبدأ فيه الفن”، وصولا إلى خاتمة الكتاب التي هي بداية كل شغف: “كم هي ساحرة هذه الآلة التي يسمونها النص الأدبي، أليس كذلك؟”
