طيوب النص

في وداع الأستاذ امحمد القمودي القريو (1926-2023م)

محمود الغتمي

الأستاذ امحمد القمودي القريو (الصورة: عن الأستاذ محمود الغتمي)
الأستاذ امحمد القمودي القريو (الصورة: عن الأستاذ محمود الغتمي)

فقدت منطقة سوق الجمعة بطربلس خاصةً، وليبيا بشكل عامٍ يوم الاثنين الموافق  26 يونيو 2023م رائداً من رواد التعليم في طرابلس، ونائباً في آخر مجلس للنواب في العهد الملكي، وأول من وطّن تعليم البنات في منطقة سوق الجمعة، ومن أهم المناضلين الداعمين للثورة الجزائرية، ومن رواد العمل الخيري عندما أسس مع مجموعة من رجال الأعمال بعد الحرب العالمية الثانية الجمعية الخيرية الإسلامية التي كانت تعنى بدعم الفقراء وتلاميذ المدارس أثناء المجاعة التي شهدتها البلاد بعد انتهاء الحرب العظمى، ذلك هو الأستاذ امحمد القمودي القريو الذي وافته المنية عن 97 سنة.

لا يمكن اختزال الحديث عن شخصية الأستاذ الفاضل/ “امحمد الصادق القمودي القريو” في كلمات أو صفحات، ولكن لا بأس أن نُعرِّف به في هذا الإدراج المتواضع:

ولد الفقيد في سنة 1926م في منطقة سوق الجمعة بطرابلس، في أسرة عريقة تتوارث العلم والوجاهة جيلاً عن جيل، فجدّه الشيخ القمودي القريو (1880-1986م) كان إماماً ومُعلّم قرآن في جامع القريو مدة نصف قرن، تعلّم الأستاذ امحمد القريو في مدرسة سوق الجمعة المركزية الإيطالية زمن الاحتلال الإيطالي، وعُيِّن بعدها مُعلماً مؤقتاً بمنطقة القره بوللي شرقي طرابلس سنة 1945م، ونال شهادة الكفاءة للتعليم الابتدائي بتاريخ 15 سبتمبر 1948م بعد أن اجتاز امتحاناً نظّمته إدارة المعارف في عهد الإدارة العسكرية البريطانية في طرابلس، وكان من زملاءه الناجحين في الامتحان المؤرخ الأستاذ خليفة التليسي، وكان يتردد كثيراً على دورات تعلّم اللغة الإيطالية، وكذلك يحضر دروس علماء طرابلس في المساجد والزوايا القديمة مثل الشيخ عمر الجنزوري، ويُعدُّ الأستاذ امحمد أول من أفسح المجال للبنات في منطقة سوق الجمعة للالتحاق بالمدرسة، كان وقتها مديراً لمدرسة سوق الجمعة المركزية في سنة 1952م عندما خصص لهن فصلاً في المدرسة، وبعد أن زاد عددهن، افتتح لهن مدرسة للبنات في قبيلة جامع القريو سنة 1954م، وكان له الفضل في تأسيس المدرسة الجديدة بسراي العمروس في مقر المحكمة الأهلية سابقاً.

 وزار الأستاذ امحمد مدينة القاهرة سنة 1951م مع مجموعة من المعلمين والمسؤولين بإدارة المعارف العربية، منهم الأستاذ علي الصادق حسنين، والأستاذ إبراهيم الفلاح، وقابل في القاهرة الشيخ الطاهر الزاوي في مكتبه باللجنة الطرابلسية.

دعم الأستاذ امحمد القريو الثورة الجزائرية منذ لحظ اندلاعها في سنة 1954م، وكان من المشرفين على جمع التبرعات للثوار الجزائريين، وكان يقوم شخصياً بإيصالها عن طريق الحدود التونسية- الجزائرية، وكان يركب على حمار ويدخل الأراضي الجزائرية عبر مدينة غار الدماء في تونس، ويُسلّم الأموال إلى الثوار ويعود إلى ليبيا، وربطته علاقة صداقة قوية مع الزعيم أحمد بن بلة، وعندما تعرض الأستاذ امحمد لوعكة صحية شديدة سنة 1986م ونُقل إلى سويسرا للعلاج عادهُ الرئيس الأسبق أحمد بن بلة في المستشفى وتذكّر معه تلك الأيام البعيدة، كما اصطحب معه في احدى المرات في سنة 1959م مجموعة من الأيتام الجزائريين، وأشرف على تربيتهم وتنشئتهم وتعليمهم إلى أن اشتد عودهم وعادوا إلى بلادهم.

وبعد عمله في حقل التربية والتعليم نحو عقدين من الزمن، ترشح الأستاذ امحمد القريو في انتخابات مجلس النواب في العهد الملكي سنة 1965م ، وفاز فيها، وأصبح عضو عن منطقة سوق الجمعة، وتبنّى الدفاع عن عدة قضايا وطنية تحت قُبة البرلمان، مثل قضية معارضة القواعد الأجنبية على التراب الليبي، واستمر في عمله إلى أن تغير الوضع السياسي في      01 سبتمبر 1969م، فتفرغ الأستاذ امحمد لأعماله التجارية، إلى أن وهنت صحته في الفترة الأخيرة.

 وعُرف الفقيد بكرمه وحسن معشره، وعلاقاته الواسعة مع الناس، وتوفي في يوم 26 يونيو 2023م عن سن بلغت 97 عاماً في العشر الأوائل المباركة من ذي الحجة، ودُفن يوم الثلاثاء يوم الوقوف بعرفة، رحمه الله رحمة واسعة، وجزاه الله خير الجزاء عن كل ما قدمه للوطن من أعمالٍ جليلة، وقد كرّمته مؤسسة الشيخ الطاهر الزاوي الخيرية بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية، في ندوة عقدتها بعنوان “تدريس اللغة العربية في مرحلة التعليم الأساسي”، في يوم 26 ديسمبر 2016م، وكرّمت معه ثلة من قدامى المعلمين، ومنحته درعاً نظير أعماله التي قدمها لحقل التربية والتعليم، وقد كان لنا شرف كتابه مقالة مطولة تُعرّف بحياته في مراحلها المختلفة، أُلحقت بآخر الكتاب الذي حررناه جامعاً لأعمال الندوة المذكورة، وصدر في طبعته الأولى  سنة 2017م، ص ص 231- 243.


المصدر:

1- مقابلة شفوية مع الأستاذ امحمد الصادق علي القريو بتاريخ 15 ديسمبر 2016م في بيته بسوق الجمعة-طرابلس، الساعة: 15:00.

2- مقابلة شفوية مع الحاج أحمد مختار شنقير يوم 05 أبريل 2017م في بيته بسوق الجمعة- طرابلس، الساعة: 11:00.

مقالات ذات علاقة

من مذكرات سارق أحذية

عبدالرحمن جماعة

جزء في الحشد

عبدالقادر الفيتوري

سيدة الزيتون

عبدالسلام سنان

2 تعليقات

Wesal gam 4 سبتمبر, 2023 at 02:42

الله يرحمه ويغفر له جدى الغالى ويحسن اليه
كان شخصية حازمه حنونه واثقه لآخر ايامه لايعرف الانحناء لغير الله كلامه مسموع ورائيه صائب كان لديه علاقات رائعه واحباب من كل ربوع البلاد رحمه الله فى جنات الخلد ان شاءالله

رد
المشرف العام 4 سبتمبر, 2023 at 07:07

نشكر مرورك الكريم
وإن كانت لديك أي إضافة لهذه السيرة فالموقع يرحب بذلك

رد

اترك تعليق