الطيوب : متابعة وتصوير / مهنّد سليمان
نظم مجمع اللغة العربية صباح يوم السبت 8 من الشهر الجاري محاضرة للدكتور “عبد الحميد الهرّامة” رئيس مجمع اللغة العربية بطرابلس جاءت بعنوان (تراجع ابن تيمية عن نفي المجاز وعلاقته بالفرق بين الحق والحقيقة)، قدمها وأدارها الدكتور “علي محمد رحومة“، وذلك بقاعة محاضرات المجمع وسط حضور نخبوي لافت حيث أشار الدكتور الهرّامة في مستهل حديثه إلى أن محاضرته مركزة في قضية لغوية محددة فإذا خرجت عنها فإلى ما يتصل بها جدا من الأفكار والعقائد والتاريخ وهو لدواعي بيان تأثير اللغة في حياة الناس وأفكارهم حسب تعبيره، وأكد في سياق متصل أن ثبات اللغة العربية ودقة استعمالها يدعوان إلى احترام دلالتها وقواعدها، والالتزام بضوابطها المتفق عليها، ويرى الدكتور الهرّامة أن ذلك شرط أساس للاتفاق على أرضية لغوية مشتركة لا يتنازع فيها العارفون باللغة فضلا عن أبنائها وعلمائها.
إهمال المعادل الآخر للمجاز
وذكر الدكتور الهرّامة أنه شاع القول بأن ابن تيمية الحفيد يُنذكر المجاز في كتابيه (الإيمان وأصول الفقه) وغيرهما وأدرف قائلا : إننا نحاول البحث عن الجديد لاثبات مسألة تراجعه عن نفي المجاز في اللغة والقرآن الكريم، وقد تطرق الدكتور الهرّامة إلى قضية عزوف البلاغيين عن التوسع في توضيح الحقيقة قائلا : إذا ذكر المجاز ينبغي أن نذكر قبله الحقيقة بتوضيح كاف ودقيق لكونها المقابل الكافي له، ولكن مؤلفي البلاغة عزفوا عن بسط مفهوم الحقيقة وتاريخ لفظها فاكتفوا بتعريف موجز لها لا يزيد عن اعتبارها اللفظ المستعمل فيما وضع له، في حين تراهم يطيلون البيان في مفهوم المجاز وأمثلته وأنواعه، وأوضح الدكتور الهرّامة أن هذا الإشكال أدى إلى إهمال المعادل الآخر للمجاز وهو الحقيقة، وحدوث لبس بينها وبين الحق ليؤدي بدوره إلى تطور في معنى الحقيقة في غير المصادر الموثوقة.
الاختلاف بين الحق والحقيقة
من جهة أخرى بيّن الدكتور الهرّامة الفرق والاختلاف بين الحق والحقيقة بقوله : إن حقيقة الشيء كنهه وماهيته وأصله وذاته وليست قيمته، أما الحق فهو قيمة مادية أو معنوية يحميها الشرع والقانون وبالتالي فالحق لفظ قرآني بامتياز ورد في القرآن الكريم في ثلاثة وثمانين ومائتي موضع، وله معان كثيرة أشهرها الصدق، وأضاف الدكتور الهرّامة بأن انتشار الاختلافات والتصنيفات بين أهل السنة والجماعة اللذين يمثلون الأمة الإسلامية وصلبها المتين تجاوز الاختلافات الفقهية المشروعة في المذاهب الأربعة إلى الاتهامات بفساد العقيدة والخروج من الفرقة الناجية والتوغل في التكفير والتبديع موضحا أن من جملة الاختلافات المشارإليها ما له مساس بهاتين المشكلتين (العقيدة واللغة) في تراث الإمام ابن تيمية، وتابع قائلا : إن المحاضرة تعرض أدلة جديدة وحديثة التحقيق والكشف في الفرضية التي تعرضها وتستدل بأمثلة لمؤلفين منحازين لابن تيمية أو منصفين له يؤكدون فيها صحة نتائجها.
تراجع ابن تيمية عن إنكار المجاز
بينما أوضح الدكتور الهرّامة معاني الحقيقة في المعاجم العربية كونها تحمل معان كثيرة أهمها الأصل والراية، والعلامة، والكنه، والجوهر، والواقع، والماهية ثم انتقل لاحقا إلى المعادل المقابل لمعاني الحقيقة الممثل في المجاز مؤكدا بأنه ظاهرة أسلوبية وجدت في السياقات العربية منذ العصر الجاهلي، وقد لاحظ أدباء العصر الأموي جماياته فأشاعوها بين طلابهم حتى استكثر منها شعراؤهم في القرن الثاني الهجرى لدرجة المبالغة والإسراف، وأضاف الدكتور الهرّامة أن ابن تيمية قبل تراجعه عن إنكار المجاز مر مرحلتين متمايزيتن في حياته مرحلتي الشباب وبداية الكهولة، وأوضح الدكتور الهرّامة أن ابن تيمية يظهر بأنه يريد بالحقيقة الحق كونه يقول في مكان آخر (فالقائل إن زعم أن ليس له يد من جنس المعلوقين وأن يده ليست جارحة فهذا حق) الأمر الذي يؤكد في هذا الصدد حسب قول الدكتور الهرّامة أن الحقيقة اللغوية لليد غير مرادة، وهذا ما يقوله البلاغيون حين يقولون إنها من المجاز.