حوارات

فتحي محمد مسعود: نحن نعرف كيف ندفن المواهب!

الطيوب | حاوره: رامز رمضان النويصري

الكاتب الليبي فتحي محمد مسعود

يحسب لكتاب الرواية الشباب، دخولهم بالرواية الليبية دروباً جديدو وعوالم مغايرة، كاشفة عن قدرات الروائي الليبي، ومرونة الثقافة الليبية لتقديم أعمال روائية ليبية، في الخيال العلمي، والرعب، والرواية البوليسية، والفنتازيا.

والفنتازيا، هي أحد الدروب التي دخلتها الرواية الليبية، وهناك الكثير من الروايات التي تميزت عربياً وفي هذا المجال، وضيفنا الذي نستضيفه في هذه المساحة، استطاع أن يقدم مجموعة من الروايات التي مزجت بين الواقع والخيال، للدرجة التي يعود من الصعب الفصل بينهم، أو معرفة حدود الفضاء الذي تحياه الرواية.

القاص والروائي فتحي محمد مسعود، كاتب يعشق التدريس، تتميز روايته بانها لا تنتمي لجغرافيا بعينها، أو ترتبط بحدود ومعالم، هي عوالم يجد من يدخلها المتعة والرهبة، فهو بعد أول باب لا يدري هل هو يعيش الواقع، أم يسبح في فضاء الخيال. استضفناه في حديث عن رواية الفنتازيا، وتجربته وعشقه للتدريس!

يوفر هذا النوع من الأدب البراح الاكبر والهروب من القيود الاجتماعية

بعد هذه المقدمة، هل يمكننا التعريف والتعرف بأدب الفنتازيا؟ ولماذا اتجهت إليه في أعمالك الأخيرة؟ وما الذي يوفره هذا النوع الروائي للكاتب؟

بداية؛ الادب من وجهة نظري البسيطة: هو وسيلة للبوح بكل ما يدور بخلدي من مشاعر: خوف، حيرة، قلق، حب، وترجمة هذه المشاعر بعد مزجها مع الماضي والحاضر والمستقبل، وسبكها في قالب أمام القارئ كي يتفحص خفايا روحي ونبضات قلبي.

 أما أدب الفنتازيا هو صناعة عوالم أنا من أضع قوانينها، بشرط تكون قريبة أو ملاصقة للواقع. وهذا النوع من الأدب يمتاز به كلّ من الأديب العالمي غابرييل غارسيا ماركيز، والأديب العالمي إبراهيم الكوني، حاولت مجاراتهم بل قد تكون هذه الكلمة كبيرة، أو يمكنني القول: السير على نهجهم.    

 أما سبب اتجاهي لهذا النوع من الكتابة الروائية، حى أتحرر من كل القيود، وربما للتجربة أو البحث عن الذات.

 يوفر هذا النوع من الأدب البراح الاكبر والهروب من القيود الاجتماعية، فنحن في مجتمع منغلق على ذاته، والإفلات من القبضة الأمنية، لازال هناك من يتصيد لك العثرات لكي يضعك في غياهب السجون.

الفنتازيا، أدب يمزج بين الواقع والخيال، حتى لا يعود القارئ قادراً على الفصل بينهما: ما هي عدتك للدخول لهذا العالم؟ ومن أين تستلهم أفكار رواياتك؟ وكيف تخطط لكتابة رواياتك؟

حقيقة؛ أكتب وأنا في أوج السعادة، لذا عندما أكتب يكون جو البيت كله سعيداً، وأكون أنا هادئاً جداً، ربما لأني أفرغ تلك الشحنة المكبوتة على الورق.

أما الطقوس أثناء الكتابة، فتجدني أتحدث مع شخوص الرواية، بلسان كل واحد منهم، وأحاول تقليد حركتهم ووقفاتهم، كل شخص أحاول أن أصف مشيته، جلوسه، طريقة أكله، أحيانا أجد أبنائي ينظرون لي باستغراب، ومع الوقت تعودوا على الأمر حتى إني أنادي أحدهم لا يرد، معتقداً أني أكتب او أني أتحدث مع أحد شخوص الرواية.

أستلهم الافكار من كل المحيطين بي، أي موقف، أو مكان يعجبني أخزنه فورا. مثلا عندما كتبت رواية (العطر شان)، تحدثت عن مصيف السندباد الذي رأيته في عام 2004م، وعندما تحدثت عن رأس اعبيدة في بنغازي رواية (شفا جرف)، زرت هذا المكان في عام 2000م، لذلك أحتفظ بكل ما أرى واسمع.

وهكذا أبدأ بالتخطيط للرواية، التي تبدأ من لحظة تفكيري في موضوع، أولا: أختار المكان والوقت. ثانياً: المظاهر الطبيعية في المكان. ثالثاً: البحث المكثف بالمزايا الموجودة في المكان والعادات. بعدها أشرع في الكتابة.

صورة ذاك الرجل ظلت محفورة في عقلي

دعنا نتوقف معك قليلاً. من هو فتحي محمد مسعود؟ وكيف دخلت عالم الكتابة؟

فتحي محمد مسعود، ولدت في 28 أغسطس 1979م، معلم جغرافيا، لدي خمس أطفال أو قل شباب: محمد، وبوبكر، عمر، علي، عبدالرحمن.

أحب مهنتي حباً جماً.  طموحي أن تتجاوز رواياتي 61 رواية، كي أتجاوز رقم أديبنا الكبير إبراهيم الكوني. هذا ما كنت أسعى إليه السنوات الماضية، لكن الآن أصبح هذا الأمر صعباً جداً، رغم ذلك يظل ممكناً.

 لن تصدق ما سأحكيه، لكنها الحقيقة، والدي -رحمة الله عليه- قارئ، ودائماً ما كان يحثني على القراءة، بما أني ابنه البكر، وأذكر أول رواية قرأتها في حياتي، كانت رواية (البعث) لـ”توليستوي”، أطلعت عليها أكثر من مرة، وكلما قراءتها اكتشفت فيها شيئاً جديداً.

أما الشيء الذي قد لا تصدقه، وأنا أيضا عجزت عن تصديقه، أنه خلال العام 1989م، كنت أتفرج على التلفاز، فرأيت شخصاً حفرت صورته في رأسي، يقدم برنامجاً أدبياً، لا أتذكر بالضبط أسم البرنامج، ولا أتذكر من كان ضيفه، لكن أعتقد أنه المرحوم خليفة التليسي. سألت حينها والدي، من هذا الرجل؟ فأخبرني باسمه.. فقلت: أريد أن أكون مثل هذا الرجل. فقال -رحمة الله عليه-: يجب أن تقرأ كل هذه الكتب. فصرفت النظر عن الموضوع فورا.

لكن صورة ذاك الرجل ظلت محفورة في عقلي، وأول كتاب اشتريته من مدينة بنغازي تحديداً من شارع عشرين، كان عنوانه (معجم الشعراء الليبيين)، بعد ذاك البرنامج بحوالي عقد. وأصبحت صورة ذاك الرجل تقفز أمامي، عندما رشحني الدكتور “حسن الدمنهوري”، لتقديم برنامج جاءت صورة ذاك الرجل في عقلي وقلت لنفسي ها أنا أقترب منه خطوة، وكان عنوان برنامجي (محطات أدبية) أسوة به، وكان هو رغم المسافات بيننا ضيفي، حيث ألقي من كتابه قصيدة أو أثنين كل حلقة، بل تحدثت عن إنجازاته الضخمة. وعندما كتبت روايتي الاولى تفاجأت برقم يتصل بي إذا به هو نفس ذاك الرجل بعد 28 سنة، كانت الفرحة عارمة لا توصف ولا تقدر بثمن، هو الدكتور “عبدالله سالم مليطان”، حينها قلت لنفسي يجب أن أتوقف عن الكتابة، لأن حلمي تحقق، أي نعم! لم أصافحه بعد، وإن شاء الله عما قريب أصافحه في حفل بلد الطيوب.

تدخل قسم الشؤون الادارية في مراقبة التربية والتعليم، وأوقف هذه المجلة

لديك تجربة مميزة مع تلاميذك: حدثنا عن هذه التجربة الإبداعية، بشكل عام؟ وتأثيرها في التلاميذ؟ وعلى مستوى التحصيل العلمي لديهم؟ واكتشاف مواهبهم؟

تجربتي مع التعليم هي أفضل تجربة بالنسبة لي، كانت الحصة عبارة عن حلقة نقاش، أشترط بداية العام الدراسي على الطلاب؛ كل من يأتيني بسؤال وأنا أعجز عن إجابته، يأخذ درجتين لذلك الحصة خلية من النشاط. الشيء الثاني، من يكتشف خطأً عندي يأخذ درجة.

ثم جاءت فكرة مجلة الطلاب، وكانت تهتم بكل ما يخص الطالب. هم من يكتبون بها، ومسموح لهم أن ينتقدوا أي شيء، ونجحت الفكرة نجاحاً منقطع النظير، حتى تدخل قسم الشؤون الادارية في مراقبة التربية والتعليم، وأوقف هذه المجلة في العدد الرابع، بحجة سعرها الغالي، بما أن السعر كان ديناراً واحداً فقط. علما بأن عدد الطلبة في ذاك الوقت دخل الفصل الواحد تجاوز الستين طالباً، ولم يحرك ذاك المسؤول ساكنان.

حينها قدمت ببرنامج “براعم الامل”، وهو برنامج يهتم بمواهب الطالبة، في البداية كان يختص بمدرسة القدس التي أدرس بها، ثم أصبح يشمل كل مدارس المدينة، ونجح هذا البرنامج وشاركت فيه العديد من المدارس، وكان دائماً مع حقوق الطلبة.

هنا لا يفوتني أن أشكر راديو طبرق المحلي، دائما يدعمني ويدعم كل أفكاري، المدير يوسف الدرهاب.

ثم تطورت الفكرة وقمنا بكتابة أول كتاب (العباقرة)، ولم يكتب له النشر نظرناً للوضع الاقتصادي وتلاه (أدباء من بلادي)، (المناطق السياحية في ليبيا) و(الهوية الليبية)، كلها لم تبصر النور لنفس السبب.

طلابي كانوا متميزين في كل شيء يبحثون عن المعلومة بأنفسهم رغم أن أعمارهم لا تتجاوز الخمسة عشر ربيعا. للأسف هذه السنة لم ألتحق بالتدريس بسبب التحاقي للدراسات العليا “الماجستير”، وإن شاء الله السنة القادمة التحق بالركب.

حتى هذه اللحظة لم يرى الإصدار النور

المتتبع لإصداراتك، يجد إن أغلب كتبك، إن لم يكن جلها صدرت عن دور نشر عربية؛ مصرية بشكل محدد. ما هي الأسباب التي دعتك لهذا الإجراء؟ وكيف تقيم هذه التجربة؟ خاصة على مستوى التوزيع والمشاركة في المعارض؟ وكيف تقيم مشاركة الرواية الليبية على المستوى العربي؟

كانت لي تجربة واحدة مع وزارة الثقافة عام 2012م، وحتى هذه اللحظة لم يرى الإصدار النور، وهو كتاب بعنوان (الصديق والسياسة الشرعية في تدعيم قواعد الدولة الإسلامية)، مما جعلني أصرف النظر عن الداخل وألجأ للخارج. هذا إضافة للمزاجية الموجودة عند رقابة المطبوعات في المنطقة الشرقية.

الرواية الليبية في أوج قوتها هذه الأعوام، والدليل (خبز على طاولة الخال ميلاد) للروائي “محمد النعاس” التي حازت على الترتيب الاول في الجائزة الدولية للرواية العربية.

مشاركتك بالنسخة الثانية من جائزة أحمد إبراهيم الفقيه، كانت موفقة بحصولك على الجائزة التشجيعية. كيف تقيم هذه المشاركة؟ وما الفائدة من مشاركة الكتاب بالجوائز؟

 أولا أنا أشارك في هذه المسابقة حباً في الشاعر والأديب رامز النويصري. ثانيا أحاول معرفة تقييم اللجنة لعملي هل ما أكتبه رواية أما قصة طويلة، والحمد لله بشهادة لجنة التحكيم إني روائي.

 أما التقييم للمشاركة ممتازة، ونرجو من الله العلي أن يوفق القائمين عليها وتستمر هذه المسابقة حتى نصل للنسخة المائة.

هل نفسح لهم المجال؟ بالطبع لا!

كيف هي علاقتك بالنقد؟ وكيف ترى النقد في ليبيا؟ وما الذي يضيفه النقد للكاتب والأدب بشكل عام؟
النقاد في ليبيا على درجة عالية من الخبرة والثقة والأداء، لكن هل نحن نعترف بهم؟ هل نفسح لهم المجال؟ بالطبع لا! نحن نعرف كيف ندفن المواهب ولا نعرف كيف ننميها، وأقصد هنا النقد الحقيقي وليس الدخيل عن هذا المجال. أكيد الناقد الحقيقي يضيف للكاتب الكثير، هو من يرشده لمناطق الضعف والقوة في العمل، فكلما كان النقد بناء يتطور الكتاب في بلادي.

علاقتي بهم جيدة وأشكرهم جميعا وعلى رأسهم الدكتور عبدالحكيم المالكي. والدكتور خالد أبوالنجا.

ما هي مشاريعك القادمة؟
مشاريعي القادمة أن شاء الله رواية (الزئبق)، وهي رواية علمية تدور أحداثها في مدينة طبرق ونيويورك، وجبال الهيمالايا. ورواية (بروبرز) وتدور أحداثها بين لندن والكفرة .

كلمة أخيرة…

أشكر كل العاملين في بلد الطيوب وعلى رأسهم الاستاذ العزيز الذي دعمني عندما سخر من الكثير وقدمني بطريقة تدل على كرم أخلاقه وذوقه الراقي “رامز النويصري”  وارجو أن أكون ضيفاً خيف الظل وشكراً.

مقالات ذات علاقة

فنانة ليبية… تشرق في طرابلس وتزهر في إيطاليا

المشرف العام

التشكيلية منيرة اشتيوي:العملية الإبداعية وسيلة الفنان للهروب من المواجهة

مهند سليمان

الكاتب المسرحي والروائي الليبي “معتز بن حميد”: النص يولد واسمه معه مثل الرضيع تماما!

المشرف العام

اترك تعليق