قصة

تشابه…

فتح الله المجدوب الحاسي

من أعمال التشكيلي الليبي عمر جهان
من أعمال التشكيلي الليبي عمر جهان

عندما تشدك الأيدي، وتأكل العيون النهمة وجهك وهي ترميك بالظنون والشكوك والاتهامات المسبقة. وتزدريك الابتسامات المعلقة على أفواه هذا الكم من الرجال العدائيين. تطرق الأسئلة رأسك بشدة، ويجتاحك الخوف الممزوج بالاستغراب…

تعود بك الذاكرة إلى الوراء قليلاً تتفحص كل الذنوب أو الجرائم الصغيرة التي ارتكبتها عن قصد أو بدونه. تمر امام عينيك الأيام الكسولة التي انقضت هدراً

لكن الحيرة المرسومة على وجهك تظهرك كأبله لا يعي ما يدور حوله.

كان الرجل السمين ينظر إلي بوجه صلب خالٍ من اي تعابير. سوى تحريك حاجبيه إلى الأسفل والأعلى تتدلى بطنه المضغوطة في قميصه الضيق لا يمسكها إلا زر أسود وسط القميص، كان زر القميص مشدود بقوة حتى تخال أنه سيطير في وجهك في لحظة ما لا أحد يتكلم ولا أحد يسألك، لكنهم ينظرون إليك كفريسة وقعت في فخٍ محكم.

وسط هذا المشهد الغريب أدخلوا رجلٌا مسناً يرتدي جرداً ابيض (وشنة) حمراء مغبرة بائدة تأجلت حوافها بفعل حرارة الشمس والقِدم.

اشرأبت الأعناق صوب الرجل العجوز، حك الرجل السمين أنفه ثم أخرج لسانه مسح به شفتيه الزرقاء ثم سحبه بقوة إلى داخل فمه، حتى أحدث صوتا يشبه فرقعة الأصبع، كان فمه مفتوحاً وشفتيه تقبض على حروف الكلمات فتخرج خشنة غير واضحة.

قال الرجل السمين موجها الكلام للعجوز: “مازلت تسرق في التبن أيها العجوز البائس.. أخس أخس” ثم أشار بحاجبيه “خذوهم”.

وضعونا في غرفة صغيرة فيها سريراً خشبي وبقايا بطاطين خضراء اللون. لا تشبه السجن المعروف، حتى النافذة الصغيرة كانت تطل على السماء مباشرة حيث   يمكن رؤية النجوم وهي تزين ظلمة الليل وتطرد شبح الوحدة.

تحدثنا كثيراً أنا وصديقي سراق التبن، حاولت إقناعه بكل الوسائل المتاحة بأنني لا أعرف ما هي تهمتي حتى الآن، لكنه يحرك (شنته) إلى الأمام ويقول في سخرية

يا عزيزي كلنا أبرياء.

ذات ليلة صافية ناديت صديقي العجوز وقلت له: “تعال أنظر إلى السماء هناك أترى تلك النجوم المتراصة في صف طويل، انظر اليها كأن لها ذيول من دخان.

اسمها مجرة التبانة. أو طريق سراق التبن”. ضحك العجوز حتى تكرمش وجهه ثم قال: “الله ايكشبهم”.

بعد عدة أيام أدخلوني على الرجل السمين وهو جالس على ذات الكرسي، مازال زر قميصه يقاوم هذا الضغط من بطنه المنطلقة على ركبتيه.

ابتسم لي من بعيد وقال -وهو يشير نحو الباب- “اذهب إلى بيتكم”. لكنني اقتربت منه وسألته: “لماذا أنا هنا؟”. ابتسم وقال: “تشابه أسماء”.

كتمت حنقي وقلت له: “لكن يا سيدي وحسب معلوماتي أن الرجل المطلوب عمره ستين عاماً، وأنا عمري اثنان وعشرون عاماً”. قال السمين: “الأعمار لا تتشابه.. الأسماء فقط تتشابه”.

خرجت وأنا اردد في همس الأعمار بيد الله…

مقالات ذات علاقة

تحت السقف

يوسف القويري

أربع قصص قصيرة جداً

سعيد العريبي

سيرة ذاتية لموتٍ أنيق

المشرف العام

اترك تعليق