رواية العقيد لكوثر الجهمي بعد روايتها الاولى “عائدون” جاءت كتأكيد لمشروع ادبي ليبي جديد، يكتبه جيل جديد من الكتاب ظهروا بعد ثورة فبراير.
هذا الجيل لم يخرج من فراغ بالتأكيد فهو نتاج ما حدث في ليبيا وفي العالم من تغيرات ومن تغير وتطور في ادوات التعبير عن هذا الواقع، فهو ورغم ما يظهر من انغلاق وانسداد يبدو منفتحا على العالم وما يجري فيه متابعا لمنجز الادب والفن في المنطقة العربية والعالم.
الرواية الليبية شهدت بعد فبراير بروزا لافتا، بل قد لا نخطئ ان قلنا انها الفن الاكثر انتاجا فإلى جانب العدد الكبير نسبيا من الاصدارات الروائية نرى ظهور كتاب جدد كثيرين للرواية وتميز بعضهم على نحو مثير للإعجاب.
كوثر الجهمي ظهرت في المشهد الادبي كروائية منذ البداية عبر روايتها الاولى “عائدون” ونالت الاعتراف والاعجاب بمنجزها الاول.
في هذه الرواية “العقيد” تؤكد وتواصل كوثر مشروعها الروائي بجهد ومثابرة وتحقق تطورا في سردها وبنائها الروائي ينبئ بقدراتها على المضي نحو انجاز رواية متميزة ان واصلت هذا الجهد والاصرار.
رواية العقيد تتماس مع تجربة رواية المنفى الليبية , التي كتبها بتميز “هشام مطر ومجاهد البوسيفي وفرج العشة وكمال بن حميده ” وشكلت اعمالهم الروائية ركنا مهما في التجربة الروائية الليبية ,ففي رواية العقيد نلحظ ذلك الخيط الرفيع الذي يربطها برواية “العودة” لهشام مطر “لا اعرف ان كانت رواية مطر قد ترجمت الى العربية ام لا” ففي الروايتين يعود الابن بحثا عن تاريخ والده المقتول بسبب العمل السياسي كمعارض , ليكتشف وطنه الذي لا يعرفه وتاريخ والده الشهيد او القتيل وكل ذلك عبر تعرفه واكتشافه للإنسان الليبي الذي لم يغادر ولم يعارض .
رواية العقيد تكتبها كوثر مرات عديده فهي تكتب قصة كاتب يكتب كتابا عن والده والكاتب يكتب قصة شخصيات عاشت مع والده ورافقته اجزاء من حياته وكل شخصية تكتب قصتها مع الوالد، انها مركب من الروابات، “مما يجعلها مشروعا فنيا كبيرا ” لم تحقق منه كوثر الا القليل ولكن هذا القليل مبشر بالقدرة على التطوير في المعمار الروائي.
رواية العقيد تمثل رغبة جيل كامل لمعرفة الذات والهوية والبلاد عبر النظر من هنا الى الخلف، الى ما جرى وما يجري الان كناتج لذلك الماضي.
رواية سلسة بلغة بسيطة لا زوائد فيها، تعتمد الفعل والحركة مما يجعلها ممتعة.