طيوب عربية

ما لا ولن يفعله الكمبيوتر

د.محمد زهران | مصر

الذكاء الاصطناعي (الصورة: عن الشبكة)
الذكاء الاصطناعي (الصورة: عن الشبكة)

هذا المقال لا يتكلم عن الذكاء الاصطناعي كما قد يوحى به العنوان، ولكنه يتكلم عن الكمبيوتر بعامة بكل برمجياته سواء ذكاء اصطناعي أو غيره، نريد أن نتكلم فيما لا يستطيع الكمبيوتر عمله، هذا قد يهم الكثير من الناس التي تخشى على عملها من أن يتم استبدالهم بجهاز كمبيوتر. الحديث في موضوع ما يستطيع وما لا يستطيع الكمبيوتر عمله مهم أيضا لمعرفة قدرات هذا الجهاز وبرمجياته حتى لا نخاف من هذه التكنولوجيا ولا نُخدع بما يتم التسويق له من قبل بعض مؤلفي الكتب العلمية المبسطة الموجهة للعامة (أو ما يطلق عليه pop science) أو حتى بعض الشركات.

الكمبيوتر كجهاز هو اختراع عمره يقترب من الثمانين عاما وكنظرية عمره أطول من ذلك بقليل. كلمة الكمبيوتر معناها «الذي يحسب»، أي إن ما يفعله الكمبيوتر هو مجرد عمليات حسابية بسيطة (جمع وطرح وضرب وقسمة) حتى وإن بدا للناظرين أنه يفعل الأعاجيب مثلما نرى في برامج المحادثة (chatbots) هذه الأيام أو التميز في ألعاب تطلب بعض الذكاء مثل الشطرنج، في النهاية هي عمليات حسابية، والمهارة في البرمجيات هي استخدام تلك العمليات الحسابية للقيام بتلك المهمات التي توحى بأن الكمبيوتر ذكي أو له مشاعر إلخ. نستنتج من ذلك أن مهمة مهندسي الكمبيوتر هي جعله يقوم بتلك العمليات الحسابية بسرعة أكثر وباستخدام طاقة أقل وبدون أن يعطل وبدون أن يتم اختراقه وبتكاليف أقل ما يمكن. لكن هل يستطيع مهندسو البرمجيات عمل أي شيء بالكمبيوتر؟ وهنا نفرق بين هندسة الكمبيوتر (computer engineering) ومتخصصي علوم الكمبيوتر (computer science). الإجابة على هذا السؤال هي بالطبع لا.

هناك ثلاثة أنواع من الأشياء متعلقة بالكمبيوتر: الأول هو ما يستطيع الكمبيوتر عمله، الثاني هو ما لا يستطيع الكمبيوتر عمله الآن لكنه قد يستطيع ذلك في المستقبل مع التقدم التكنولوجي، أما الثالث فهو ما لا يستطيع الكمبيوتر عمله أبدا. هذه التقسيمة يرجع الفضل فيها لعالم الرياضيات البريطاني آلان تيورنج (Alan Turing) وهو يعتبر من الآباء المؤسسين لعلوم الحاسب. لنتكلم عن كل نوع باختصار.

النوع الأول معناه أن علماء الكمبيوتر يستطيعون أن يحولوا المهمة التي يراد من الكمبيوتر إتمامها إلى مجموعة من العمليات الحسابية، الأمثلة على ذلك كثيرة جدا: نظم المحاكاة للعلوم الفيزيائية والكيميائية والطبية والكثير من ألعاب الكمبيوتر ومعالجة الصور والفيديو والصوت وبرمجيات التواصل مثل زووم وسكايب إلخ.

النوع الثاني شبيه بالنوع الأول لكن العمليات الحسابية كثيرة جدا لدرجة أن الكمبيوتر لن ينتهى منها قبل وقت طويل للغاية، مثلا برنامج لن يعطيك النتائج قبل مائة عام أو أن تأتى النتيجة بعد أن تكون الحاجة لها قد انتفت، وهنا نتذكر أن أول برمجيات تحاول التنبؤ بحالة الطقس (كان ذلك في أربعينيات القرن العشرين) كانت تأخذ نحو ثلاثة أيام للتنبؤ بحالة الطقس غدا، أي إن النتيجة ستكون غير مهمة، مع التقدم في التكنولوجيا (زيادة سرعة الكمبيوتر) والتقدم في علوم البرمجيات (الوصول لنفس النتيجة بعمليات حسابية أقل) يصبح ممكنا ما كان في الماضي غير ممكن، أمثلة ذلك هي برمجيات الذكاء الاصطناعي التي غزت العالم منذ نحو سنة 2012 مع أنه لم يحدث تقدم كبير في تلك البرمجيات وقتها لكن أجهزة الكمبيوتر أصبح أكثر قدرة على عمل تلك العلميات الحسابية بسرعة أكبر (نعم برمجيات الذكاء الاصطناعي هي في النهاية عمليات حسابية).

أما النوع الثالث فهي الأشياء التي لا يمكن تحويلها إلى عمليات حسابية، من أهم الأسباب التي تمنع علماء الكمبيوتر من تحويلها إلى عمليات حسابية أننا لا نعرف كيف تعمل، أنت لا تستطيع أن تقول للكمبيوتر كيف يحسب شيئا إذا كنت أنت شخصيا لا تعرف كيف تحلها، الأمثلة على هذا النوع كثيرة: كيف نجعل الكمبيوتر يشعر بالسعادة أو الحزن أو الاضطهاد إلخ، نستطيع أن نجعل الكمبيوتر «يبدو» أنه يشعر لكنها ستكون مجرد مظهر. مثال آخر هو كيف نجعل الكمبيوتر واعيا، إننا لا نعرف تعريفا دقيقا للوعي حتى الآن.

هناك نوع بين الثاني والثالث وهي المهمات التي لا نستطيع إيجاد إجابات دقيقة لها لكن سنكتفى بإجابات تقريبية وتسمى في لغة أهل علوم الحاسب (heuristics)، أمثلة ذلك التنبؤ بالطقس، لا يمكننا كتابة برمجيات تتنبأ بالطقس غدا بدقة مائة بالمائة لأن الحسابات التي نحتاجها كثيرة للغاية، لذلك نتغاضى عن بعض الحسابات حتى نحصل على نتيجة سريعة مع نسبة خطأ محتملة، لكن كما في النوع الثاني أعلاه كلما زادت سرعة الكمبيوتر كلما زادت الدقة.

ننهى هذا المقال بسؤال: برمجيات مثل (chatGPT) تستطيع كتابة رواية، لكنها ستكون رواية بدون روح كما يقول الأدباء والفنانون، فما هو تعريف الرواية التي بها روح ومشاعر؟ ترى هل يستطيع الكمبيوتر كتابة الشعر؟ أو تلحين قصيدة؟


الشروق | السبت 27 مايو 2023

مقالات ذات علاقة

أوراق خريفية

هند زيتوني (سوريا)

قدَّ من دبْرٍ

المشرف العام

السندباد الأعمى

خديجة زعبية

اترك تعليق