تشكيل

القرقني: سحر الكوميكس وقداسة عالم الامس

التشكيلي عدنان القرقني
التشكيلي عدنان القرقني

قدم فنان الكوميكس عدنان القرقني ولازال نماذجه الكاريكاتيرية وفق صورة تجمع بين الخط الساخر والقالب النمطي للشخوص، وقد ترتفع سطوة الانحناءات بحسب وضعية الحالة المعبر عنها سواء كانت متعلقة بنص مكتوب او فكرة جائلة في ذهن الفنان.

منذ بواكير الطفولة داعبت الموهبة انامله الصغيرة تقتفي أثر الحركة وتتمدد في الحديقة الخلفية لكتب الدراسة، حيث الصفحات البيضاء مسرح التجربة الاثير، صخب الخطوط يقتنص اللحظات المنفلتة تلك التي تنشغل بها مخيلته الوليدة في البيت او بين اروقة الفصول ومقاعد الدراسة، سجال الأحاديث البريئة ولغة الممازحات بين التلاميذ وكذا مواقفهم مع معلميهم.

يتنحى وهج البدايات لدى القرقني لصالح نضج معرفي اخر وهو فهم معنى السيطرة على المشهد المتخيل يتغدى على وقع سجالات فنية مع زملائه مثل الفنان مصطفى الاصقع الذي اتجه لاحقا الى دراسة الطب بأمريكا والفنان خالد قجوم رفيق مقعده في المرحلة الاعدادية حيث يرتفع سقف التنافس في رسم ابطال مسلسلات الكرتون.

تنهض هذه المعالجات المبحرة في فضاء التجريب أيضا على نصائح اصدقاءه في معترك الاحتراف كالفنان سالم العدل الذي أعجب بأعماله في مجال القصة المصورة ونصحه بنشرها في مجلة الامل، والفنان أسامة النعاس بتشجيعه لإقامة معرض شخصي، كل ذلك يتم تحت ظلال عباءة الفنان محمد الزواوي كملهم لنفائس الكومكس لديه.

بالألوان أو بدونها يلتمس الفنان كل ايقاعات الحياة النصية المكتوبة محولا اياها الى وجوه وطبيعة وحركة، لكن ملامحها لا تنغمس كثيرا في الطابع الفكاهي بقدر ما يعبر عن الاخير السياق التسلسلي للوقائع، وذلك لا يعكس الشق الابداعي الخالص او البصمة الكومكسية، فالأمر له ارتباط بضرورات العمل الصحفي وهوية المطبوعة، هنا يبقى جوهر الخطوط المتحررة من الروتين قارا في المخيلة انتظار لأول اشارة خارج صندوق الوظيفة.

افتتاح معرض ( كان وأبطالها) للفنان التشكيلي "عدنان القرقني"
افتتاح معرض ( كان وأبطالها) للفنان التشكيلي “عدنان القرقني”

سحر الكرتون

عايش القرقني افاق الثمانينات كرتونيا وسجلت ذاكرته الفتية كل تفاصيلها وتذوقت مخيلته الوليدة الام نحل العسل بشار وهو يبحث عن امه، وكيف صارع جرايندايزر محور الشر (بيجا)، وانطبعت في ذهنه صورة العجوز الشرير الجاثم على اكتاف السندباد، كما سافرت احلامه الصغيرة آنذاك مع مغامرات الفتاة فلونة، وتشربت رئتيه عن بعد هواء جبال الالب صحبة الطفلة هايدي، وكذا كوميديا المشاغب توم سوير.. الخ.

 تأمل كل تلك المشاهد أنتج نسخا لونية تحاكي الشخوص وترسم في المقابل رؤيتها الخاصة بالمواقف وكيف تتجه ريشة الفنان لهذا المشهد أو ذاك، ان تؤثث وجهات نظرها وتترك للمخيلة حرية التصرف في ترتيب المقاطع بل اعادة تركيبها وفق عناصر الفكرة واللون، حيث يصبح الاخير صارخا في وجه وهافتا في اخر، او متدرجا حسب طبيعة اللحظة المفترضة.

ان خطوط الالوان داخل الإطار الكومكسي تبدو متباينة بين عوالم مقيدة بالزمن واتجاه ذاتي متحرر من ضوابط الوقت يصغي فيها الفنان الى موسيقاه الدفينة القارة في متون سفر الكينونة، كما في القرقني حيث تبسط الذاكرة سلطتها الاثيرة، ويقدمها كرسالة متوجة من قداسة عالم الامس.

مقالات ذات علاقة

حساسية جديدة تستدعي ذائقة أخرى

عدنان بشير معيتيق

عاشق الألوان

ناصر سالم المقرحي

حديث الْمَشَّائين ورحلة السوق اليومية في لوحات صالح عبدو

عدنان بشير معيتيق

اترك تعليق