قراءات

تقديمُ كتابِ (من بُستانِ الخضراء)(*) للكاتب الليبي يونس شعبان الفنادي

أسماء محمد السبوعي(**) | تونس

كتاب من بستان الخضراء للكاتب يونس الفنادي
كتاب من بستان الخضراء للكاتب يونس الفنادي

إذا كان الكلامُ على الكلام صعباً، فإنَّ الكلامَ على الكلامِ على الكلامِ أصعبُ، لأنّ الكلامَ على الكلامِ يدورُ على نفسه ويلتبس بعضُه ببعض، على حد عبارة أبي حيان التوحيدي في كتابه (الإمتاع والمؤانسة) تحديداً في الليلةِ الخامسةِ والعشرين.

وكلامُنا على كتابِ (من بستان الخضراء) الصادر عن دار الأمينة للنشر بالقيروان في طبعته الأولى سنة 2021م يستوجبُ إلماماً بمختلف مفاصله. (من بستان الخضراء) بعضٌ من كثيٍر لم يقال، أراد من خلاله مؤلفه الكاتب يونس شعبان الفنادي أن يجوس في حدائق الإبداع التونسي: قصةً وروايةً وشعراً.

تعريفٌ بالكاتب:

يونس شعبان الفنادي كاتبٌ ناقدٌ ليبي، من مواليد واحد وستين وتسعمائة وألف بمدينة طرابلس الليبية، متحصلٌ على ماجستير علوم تخصص أرصاد جوية كلية العلوم جامعة ريدينج البريطانية عام 2004م، له الكثير من النشاطات المختلفة، شارك في المؤتمرات العلمية وقدَّم العديد من البرامج المتنوعة الإذاعية والتلفزيونية، كما أصدر العديد من المؤلفات في المجال الأدبي منها كتابه (رويات ليبية نسائية) الصادر سنة 2017م عن مكتبة طرابلس العلمية العالمية، وكتابه (ثورة فبراير في الأدب الليبي: قصص المحامية عزة كامل المقهور نموذجاً) ضمن منشورات وزارة الثقافة والمجتمع المدني لسنة 2013م، وغيرها من الإصدارات الأخرى.

ولقراءة كتابه (من بستان الخضراء) من خلال العتبات والمداخل نجد أولها عتبة الغلاف التي اشتملت على صورة متشظية لشخصية نسائية هيمنت على المخيال الشعبي جمالاً وذكاءً وفطنةً، ومثَّلت هذه العتبة بوابةً أولى نلجُ من خلالها إلى المتن، حيث تشظت الجازية على الغلاف ولملم شتاتها المتن فأضحت الجازية (جازيات) يبدعن ويتألقن في فنون أدبية متنوعة، فتعالقت بذلك الفنون البصرية وتواشجت فيما بينها لتمنح المتن جماليةً متعددةَ المشارب.

أما العتبةُ الثانيةُ فعتبة العنوان وتمثل مفتاحاً للنصِّ الموصد، عتبة للعبور إلى الجوهر على حد عبارة الباحث السوري “خالد حسين”، والتي من خلالها يفتح المؤلف مفاوضات بين القارئ والنصِّ، بل من خلالها يؤسس لغواية النص بعبارة “كونغور”، فكتاب (من بستان الخضراء) يجعلنا نتساءل هل نحن أمام مكان انتقل من مداره الواقعي الحياتي العادي إلى مدار فني نقدي، يمر من خلال أنفاقٍ متعددةٍ نفسيةٍ وفنيةٍ وإيديولوجيةٍ ليصل إلى المدار الفني التشكيلي؟ أم نحن أمام باقة تبشر بربيعٍ قادمٍ، وتعلن ميلاد ناقد استهواه الإبداع التونسي بمختلف أجناسه؟

أما العتبةُ الثالثة فهي عتبة الإهداء، وقد صدَّر الناقدُ عمله بإهداءٍ وهو أحدُ العتبات النصية التي من شأنها أن تضيءَ بعض دهاليز النصِّ، وتعكسَ لنا المشاعرَ الإنسانيةَ لدى المؤلف، وبعضَ تجاربه وخبراته في التعامل الواعي مع الأخر، باعتباره جزءاً من النسيج الإنساني يعكس حواريةً وانسجاماً معه تأثيراً فيه وتأثراً به:

(أُهدي كتابيَّ هذا إلى أساتذتي التوانسة الأكارم الذين درّسوني في ليبيا بالمرحلتين الإعدادية والثانوية خلال عقد السبعينيات من القرن العشرين الماضي، فزرعوا فيّ قيم الخير والمحبة والوفاء، وهو ما يجعلني أدينُ لهم بالكثير من الفضل أسوةً بغيرهم من المعلمين والأساتذة الأفاضل في مراحل تعليمي كافة.

الأستاذ/ الحبيب بوزكورة، مادة اللغة العربية، مدرسة شهداء الشط بسوق الجمعة، طرابلس، الأستاذ/ عبدالرحيم السبوعي، مادة اللغة الفرنسية، مدرسة سوق الجمعة الثانوية، طرابلس، الأستاذ/ محمد بوسته، مادة اللغة الفرنسية،مدرسة سوق الجمعة الثانوية، طرابلس).

إذاً ”من بستان الخضراء” هو عربونُ وفاءٍ لأفضيةٍ تركت بصمتَها التربوية والتعليمية في كيان الناقد وذاته الإنسانية. هو لمسةُ وفاءٍ لأرواحٍ شفافةٍ أسهمت بالبيان في نحت الكيان فنفذت إلى الوجدان.

والعتبةُ الرابعة فقد كانت عتبةَ الخطابِ المقدماتي الذي يُعدُّ خطاباً موازياً يحتوي معلوماتٍ تساعد على فهم النصِّ، وقد صدَّر الكاتبُ كتابه بمقدمةٍ غيرية للباحث التونسي في الأدب العربي الحديث والمعاصر الأستاذ الدكتور “لمجد بن رمضان” كانت بمثابة مدخل مهم لاقتحام النص النقدي من بستان الخضراء، كما كانت فرصة لخلق علاقة ممكنة بين المتلقي والنصِّ.

أما إذا تخطينا العتبات وولجنا النص الإبداعي قراءةً وتأويلاً فنرى أن صاحبه قد وزَّعه على ستةِ فصولٍ تناول فيها الأعمال الأدبية في القصة والرواية والشعر منطلقا من جنس الكتابة، فإسم المؤلف، ثم عنوان المقال:

الفصل الأول: المجموعة القصصية “قرية بوتيرو” للمياء نويرة لوكيل، قصصُ الهويِّةِ والنهاياتِ المفتوحة.

الفصل الثاني: رواية “الملائكة لا تطير” فاطمة بن محمود، جرأةُ الاختيار ومتعةُ السرد في مواجهة التطرف.

الفصل الثالث: ديوان الشعر “هويتّي عشقي” زليخة عوني بين المضمون والإيقاع.

الفصل الرابع: ثلاثيةُ السحاب للشاعرة الراحلة نجاة المازني، ثلاثيةُ السحاب واللقاء والانتماء.

الفصل الخامس: التجربة الشعرية للشاعر الليبي علي الفزاني “ضمأ الشاعر إلى الحياة”.

الفصل السادس: رواية “غريبا” حياة حسين البوسالمي، الأمازيغيةُ التونسية “غريبا ليست غريبة.

وأخيراً ختم يونس الفنادي كتابه بسرد بعض جوانب من سيرته الذاتية وجدول لفهرس الكتاب.

المنهج:

اعتمد الكاتب يونس شعبان الفنادي في تعامله مع فصول كتابه النقدي منهجاً علمياً دقيقاً قوامه الإحصاء والتدقيق والاستنتاج وصولاً إلى التأويل، فلم يقصر عمله على الوصف والشرح والإحصاء بل تجاوز ذلك بالنفاذ إلى المعاني المبثوثة في المتن، فأعاد تشكيل نصوصه طلباً للغوص في مقاصدها البعيدة.

وبذلك نخلص إلى أن الفنادي الناقد من الشخصيات المجتهدة التي تبحث عن تفاصيل التفاصيل، متسلحاً برؤيةٍ مختلفةٍ تجعل من مكان وقوفه أصلب وأقوى في تحليله للنصوص.

وهو في كل تحاليله النصية لا يتردد في التنصيص على الصائب من منظورات كُتَّابِ تلك النصوص الأدبية ومواقفهم ومجادلتهم في ما يبدو مجانباً للصواب، مدركاً أن النقد يتأسس على الحيادية التي تمكنه من التعرف على صفات الأديب، فيحاور سماته الشخصية من خلال أعماله الأدبية، وينفذ إلى علاقة الأديب بمجتمعه التي تتضح من خلال علاقة الكاتب بمحيطه، وتظهر من خلال أبداعاته، مستعيناً بإحساسٍ رفيعٍ يكشف قدرةً على تلقي الانطباعات والأفكار والمشاعر التي تنشأ عن العمل الأدبي أو الشعري الذي يعكــــف على دراسته، هذا العمل الذي لا يمكن أن يتحقق دون جهد نقدي.

ولم يكن نقد الفنادي يأخذ منحىً قضائياً يحاكمُ من خلاله المبدع والإبداع، بل هو مؤمنٌ بأنَّ وظيفة الناقد الأساسية هي وضع أبسط أنواع الحقائق أمام القراء، لإعانتهم على بلورة أحكامهم الخاصة بهم وإثارة الفكر من خلال ضمان مشاركة القراء الفاعلة في العملية النقدية، وتعزيز الاستمتاع بالأعمال الأدبية بتوضيح الجوانب الجمالية والفكرية فيه للارتقاء بالذوق العام وتطويره.

يونس شعبان الفنادي الأخصائي في رصد الأحوال الجوية يغويه النص السردي والشعري على حد سواء فيحاول إيقاظ النقد الذي بات نائماً في عموم ليبيا، يوقفنا على تعدد صوره وتنوعها، الثابت منها والمتحول، عبر مساراتها المختلفة، ليكون حمَّالَ أوجهٍ تتعارض إذ تتفاعل، لتشكل مجتمعةً صورته الكاملة.

تجتمع كل هذه الوجوه المتنوعة والمتعددة في شخصية يونس شعبان الفنادي الإنسان، إذ تلتقي حيث تترافد وتتنافذ وتتفاعل وتتجادل لنحت ذلك الكيان الإنساني المختلف الذي يتوق إلى تجسيد قيم الحبِّ والجمال والإنسانية في عوالم إنشائية نصوص كتاباته.


(*) ألقيت فقرات من هذه الورقة في حفل تقديم (من بستان الخضراء) الذي أقامته دار النشر بجناحها بمعرض تونس الدولي للكتاب، يوم السبت الموافق 6 ماي “مايو” 2023م

(*)  من بستان الخضراء: قراءات نقدية، يونس شعبان الفنادي، دار الأمينة للنشر والتوزيع بالقيروان، تونس، الطبعة الأولى، 2021م

(**)  أستاذة باحثة في مجال الأدب بمعهد فرحات حشاد بالقيروان، تونس

مقالات ذات علاقة

ليس دفاعا عن خبز الخال ميلاد. ولكن!

البانوسي بن عثمان

موسيقى النُباح في مكان لا تجوبه الكلاب !

مهند سليمان

5 روايات ليبية تُنسيك هموم السفر

نهلة العربي

اترك تعليق