طيوب عربية

الأسئلة، ومتاهة الهوية والجذور، والألغاز.

إبراهيم خيراني | الجزائر

رواية الحديقة المنسية
رواية الحديقة المنسية

تستمد الرّواية بهاءها من ألغازها التي توقع القارئ في خيبة لحظية، ثمّ تشعره فجأة بقشعريرة وانبهار من التّفاصيل؛ أهذا ما حدث فعلا؟ كانت التفاصيل أمامي؛ كيف لم أنتبه لها؟ ويحاول في المرة الثانية أن يمسك بزمام اللغز لكنّ أمله يخيب، والمفاجأة في الخرق كما يحدد ذلك ياوس في أفق الانتظار.

تتخذ كيت مورتن من الهوية متكأ لنسج شبكة ألغازها، عبر ثلاث روايات ومجموعة قصصية، ورسائل، مجموعة في عمل روائي عبر ستّ مائة وثمانية وخمسين صفحة. معتمدة على الزمن التناوبي بين ثلاث فترات مهمة؛ الأولى سنة1913 نيل وهي على السفينة اللندنية الراسية في ميناء ملبورن؛ طفلة غريبة، وحيدة، وجدها رئيس الميناء فاتخذها ابنة. واستمر بها الحال إلى أن حلّ عيد ميلادها الواحد والعشرين والذي وافق ساعتها خطبتها، أبلغها بكل شيء، كيف وجدها، حقيبتها التي وضعها في القبو، تفاصيل أوراقها.

رغم كل هذا لم تسترد هويتها. لتسافرة في الزمن الثاني سنة1975إلى لندن باحثة عن جذورها عبر معلومات شحيحة وجدتها بين طيات مجموعة قصصية، تعثر على مجموعة من الأفراد، غير أنّها لا تصل إلى شيء ذي بال.

تعثر على سكنها الذي ولدت فيه، كوخ قريب من البحر، وبعض التفاصيل الصغيرة. اشترت الكوخ على أمل أن تعود إليه مجددا. غير أنّها لن تعود أبدا.

في الزمن الثالث سنة 2005

تعود حفيدتها الوحيد كساندرا، عبر رسالة تلقتها من صديق جدتها، لترحل بعدها إلى لندن وهي التي درست تاريخ الفن، وأحسّت أنّ دينا يلاحقها تجاه جدّتها، ثمّ هي مولعة بالفن. ولا ضير في أن تتبع شغفها وتسافر إلى لندن. خاصة وأنّها أصبحت الوريثة الشرعية للكوخ، ولحديقته المنسية التي ستجدها فيه. لتكتشف أنّ والد جدّتها كان فنّانا، وأنّ المجموعة القصصية التي رأتها قد كتبتها جدة جدتها، وأنّ راسم الصورة هو جد جدتها. غير أنّ هذا اللغز لم يكن سهل الحل، ففي البداية ظنت جدتها نيل أنّ أمّها امرأة اسمها روز. وهو ما ماتت عليه الجدة، غير أنّ كسندرا بحثت حتى وصلت إلى يقين بأنّها لم تكن روز بل خادمة في بيت روز تدعى ماري، وفي النهاية قالت كلارا ابنة ماري بأنّ أمّها أجهضت حملها، وأنّ نيل والتي تدعى في الأصل أيڨور هي ابنة إيليزا والتي كانت ابنة خالها روز.

والتي لم تكن تنجب الأبناء، فتطوعت إيليزا لتنجب لها ولدا من زوجها.

لتكتشف كسندرا في نهاية الأمر أن إيليزا مدفونة في الحديقة المنسية.

وهكذا تقودنا الروائية كيت مورتن عبر رحلة تحبس الأنفاس؛ إلى الماضي الذي يعيق الإنسان عن التقدم، ويجعله حبيس سؤال الهوية.

دائما ما يبحث الإنسان عن جذوره، شيء ما يمنعه من التقدم إلى الأمام. يرفع رجله نحو المستقبل فيرتبك، يحسّ بأنّه بلا ماض، ولا حاضر، فيتأخّر خطوتين ليرتمي في هوة الهواجس الهوياتية.

إنّ رواية الحديقة المنسية التي ترجمتها رفيدة جمال، تصلح لكلّ زمان ومكان؛ للباحثين على الهويات، والمولعين بالفن التشكيلي، والمغامرة، والألغاز وفك الأحجيات. واستكشاف خرائط طويلة من العلاقات الاجتماعية

مقالات ذات علاقة

صدور الأعمال القصصيّة الكاملة لسناء الشعلان

المشرف العام

زلة تكسر جرة

زيد الطهراوي (الأردن)

ثلاث قصائد لمن لم يدرك الرحلة

حسين عبروس (الجزائر)

اترك تعليق