أعي جيدا كم الضجيج في عقلي للحد الذي لم أعد أنتبه فيه للكثير من المشاهد.
أمشي ببطء في الشارع وكأن شيئا يمنعني من التعلق بأمل أخير.
صوت الباعة والصغار من حولي يزيد المشهد تشتيتا، أشعر وكأنهم يتبعون مساري، الصغير بجوار الكشك يصيح باسمي، التفت فلم أجده، حاولت كثيرا أن أستعيد بعض التظاهر بالثبات، كرسي خشبي عتيق حُفِر عليه اسم تحسست بأطراف أصابعي، هل من مروا بنا تركوا مثل هذا الحفر فينا!
أنتظر وصول سيارة الأجرة، ألمح سرب نمل على الأرض أضع رجلي في منتصفه فتتفرق كل نملة في اتجاه لا أعرف سبب تصرفي لكني عندما استعدت المشهد في المساء شعرت بدبيبه على رجلي.
في الطريق شعرت أن السيارة بدأت رحلتها مع المغيب، سرنا على طريق البحر وكلما اتجهنا غربا ابتعدت أضواء المدينة أكثر تبدو وكأنها تراقب رحلتنا، هل تودعنا إلى الأبد أم أنها تختزن ملامحنا في ركن قصي وتجعل من مرورنا حكاية عابرة لا يتوقف عندها أحد، تبدو الحياة بعيدة من نافذة السيارة ولكنها تخبئ في كل نقطة ضوء إحدى حكايات المدينة، أحاول الاستماع إلى أحاديثهم القصية، إلى اعترافات مهموسة وضحكات مكتومة، يبدو البحر غارقا في ليله وتبدو المدينة صاخبة رغم ابتعادها.
كنت أنتظر أن تنبثق فجأة كعاصفة مفاجأة تقتلع ما يعترض طريقها، أردت أن أقبض على ملامح ضائعة كضياع صوت في نفق
كل شيء اختلف من حولي، السماء تجتم على قلبي، والدروب التي أرى تفاصيلها تتلوى كحبل سري يلتف ليضيق الخناق.