الطيوب : متابعة وتصوير / مهنّد سليمان


افتتح المركز الليبي للمحفوظات والدراسات التاريخية بطرابلس الموسم الثقافي لعام 2023م بمحاضرة للدكتورة “مفيدة جبران” بعنوان (العلاقات الليبية الفرنسية في القرن التاسع عشر)، وذلك مساء يوم الأربعاء 4 من شهر يناير الجاري بقاعة المجاهد وسط حضور نخبة من الكتاب والأدباء والشعراء والمهتمين بالبحث التاريخي، وقد تولى الدكتور “علي الهازل” إدارة وتقديم المحاضرة حيث تناولت الباحثة موضوع محاضرتها في ضوء كتابها الذي صدر قبل فترة بذات العنوان من خلال عدد من المحاور أبرزها الأسطول حيث بيّنت أن مدينة طرابلس تحولت من عام 1553م إلى قاعدة حربية بحرية عثمانية بتولي درغوت باشا الحكم بالإيالة فهو عمل على الاهتمام بتحصينها بالأبراج والحصون والأسوار، وأنشأ أسطولا استطاع به أن يتصدى للحملات الأوربية الموجهة لإعادة استرداد قلعة السراي الحمراء بالمدينة، وأردفت بأنه مع حلول عام 1575م صار للأسطول الطرابلسي صولات وجولات في عرض البحر مما ترتب عنه نتائج مكنت البحارة الليبيون من الاستيلاء على العديد من السفن والمراكب، وأسير العديد من الأسرى.
القرصنة بين الاتجاهين
من جانب آخر أوضحت الدكتورة مفيدة مغزى مصطلح القرصنة ودلالالته البحرية مؤكدا بأن هنالك اختلاف بين المؤرخين حول مفهوم القرصنة وماهيته، ففريق يرى أنه جهاد ضد أعداء الإسلام من الأوروبيين ومن لف لفهم، والفريق الآخر حدد ماهيته ومضمونه منذ شيوعه كمصطلح وتعريبه في القرن التاسع الهجري الذي يعني لصوص البحر، وأطلق مصطلح القرصنة على الأخوين “عروج، وخير الدين بربروسا”، أما الفريق الثالث وهو ما تؤيده الباحثة فقد اعتبر وسيلة استخدمت للكسب الاقتصادي المشروع فرضته ظروف الحياة أوان ذاك الزمن.
الوجود الفرنسي بطرابلس
فيما أشارت الدكتورة مفيدة إلى بواكير الوجود الفرنسي في إيالة طرابلس مبرزة دوره فالعلاقة الفرنسية العثمانية شهدت تقارب وتحالف بعقد اتفاق أبرم عام 1535م بين الملك “فرانسوا الأول”، والسلطان العثماني “سليمان القانوني” موضحة أهم ما تضمنته هذه الاتفافية كونها تمنح فرنسا ورعاياها امتيازات تجارية واسعة في مختلف الولايات العثمانية بشمال إفريقيا مقابل أن تصبح فرنسا حليفا للسلطنة التركية في حروبها داخل القارة الأوروبية بيد أن فرنسا لم تلتزم باتفاقها فبعد حربها مع إسبانيا نكثت بوعدها وانتهجت سياسة إضعاف السلطنة بتحريض الولايات التابعة لها على الثورة والتمرد، وأكدت الدكتورة مفيدة أن الحضور الفرنسي في إيالة طرابلس كان منذ عهد فرسان القديس يوحنا أي قبل دخول العثمانيين، وتأسيس القنصليات، ولم تُخفي الدكتورة مفيدة حيرتها من حقيقة الوجود الفرنسي وبأية صفة كان هل كان بشكل رسمي أم غير ذلك.
تعيين أول قنصل فرنسي
وأضافت الدكتورة مفيدة أن فرنسا كانت من الدول السباقة في إرسال مندوبين وكلاء تجاريين، واستمرت غيبة أي ممثل فرنسي في مدينة طرابلس الغرب حتى عام 1630م إلى أن قدم “برنجير” كمبعوث من الملك لويس الثالث عشر في مهمة خاصة تتعلق باطلاق سراح الأسرى الفرنسيين، وتابعت الدكتورة مفيدة بالقول : إن عام 1630م شهد بداية تعيين ممثلين رسميين لفرنسا في الإيالة فعُيّن أول قنصل رسمي بالولاية وأعقبتها لاحقا بريطانيا عام 1658م، وبالتالي صارت القنصلية الإنجليزية تضاهي مكانة القنصلية الفرنسية، وأخذت الدكتورة مفيدة في استعراض أسماء القناصل الفرنسيين اللذين تعاقبوا على تولي مهام التمثيل الدبلوماسي لباريس في طرابلس، بالإضافة لتسليط الضوء على العلاقات الدبلوماسية بين إيالة طرابلس وفرنسا مشيرة إلى أن طبيعة التواصل بين البلدين وقتذاك اتسم بوضع سياسة استراتيجية اتبعتها الأسرة القرمانلية، وكانت ملامح السياسة الخارجية للإيالة تتمثل في مسايرة الاتجاهات العثمانية، وعدم الاصطدام المباشر معها لكنها لم تتقيّد بها في المطلق.



