طيوب عربية

غراب أسود

أشرف حمامة | المغرب

من أعمال التشكيلية حميدة صقر.
من أعمال التشكيلية حميدة صقر.

أجنحة غراب تضرب بتفاخر عنان الشقة، متكئ على سريره أطفأ أخيرا حاسة البصر، لكن جل حواسه الأخرى ما زالت مستيقظة، تتبع أذناه الصوت محاولة تتبع حركة الغراب، وشعيرات وجهه تتحسس الريح المنبعثة من ضربات الجناح، أما أنفه فيشتم رائحة النار ورائحة فاكهة نتنة. ينام راصدا الغراب وفجأة تنكمش أذنه ومعها تجاعيد جبهته لما اقترب صوت الغراب أكثر. حاول المعذب القفز من فوق السرير والهرب بعيدا، حاول فتح عينيه لكن لم يستطيع، وكأن جموع الجان تترسب فوق جسده المدفون، وعيه فقط الحي، ولك أن تتخيل كيف لذلك الوعي أن يحاول المجاراة بين الادراك والعجز.

أحط الغراب فوق رأسه، وبدأ في نقر عينه قصد فقئها، كبيضة أم قليلة الحظ جمعها القدر مع منقار ظالمها. جسده مخدر شبه ميت لكنه وعيه يحس بالألم الشديد، وحده الألم من أعطاه القدرة لنفض الجن من فوقه والانتفاضة من فوق سراره. تحسس بيده عينه فوجدها ما زالت في مكانها، غير مصدق يتأكد بأنامله العشر حتى كاد أن يفقأ عينه بنفسه. ما زال الغراب الأسود مستقرا فوق رأسه وبكلتا يديه نفضه من على رأسه. ضرب الغراب بجناحيه قاطعا الغرفة بهالة مظلمة مخيفة، ليحط فوق حمالة المعاطف. ظل المعذب محدقا في الغراب غير مصدق. ينظر اليه الغراب بدوره ومرة مرة يحرك عنقه لكن عينه الحمراء الجاحظة تحدق بالمعذب فقط. 

توجه نحو الغراب يشير بانفعال بكلتا يده لعله يبت الرعب بقلبه الاسود، ناس أنه ليس للغراب قلب. يأبى الغراب الحركة ويظل يحدق فيه بجمود ما عاد حتى يحرك عنقه. في كل خطوة له للأمام يعادله اثنين للخلف حتى خيل له أن الغرفة بدون جدران وليس لها حدود، وأن هذه اللعبة التي يحكمها الخوف لن تنتهي.

مقالات ذات علاقة

الرسالة الرابعة والأربعون: العيد في فلسطين غير والله غير

فراس حج محمد (فلسطين)

خيانة الزوجة – دراسة من الواقع

المشرف العام

الموت صفعةٌ على القلب

هند زيتوني (سوريا)

اترك تعليق