معاوية:
قبل خروجه من البيت في صحبة كلبه إعتاد معاوية أن يتأكد أنّ مفاتيح البيت والسيارة بين يديه، وأنّ تليفونه الذكي مشحون وطازة يغطي استخدام نقاله طوال اليوم كي يقتنص كل شاردة وواردة على النت، وأنْ صفحته على “الفيس بوك” مُنعنشة بـ “الّليكات” ذات الأقراط المشعشعة والقلوب الحمراء وهي تقفز وتتطاير وابتسامات مرسومة معقودة الفم والأنف تفتح النفس وتطرب العين وتنجذب لها العقول، أجل:
وأنّ بنطاله المفضل (ماركة فرنسي) مكوي جيداً وملتصقاً بجلده على غرار بقية الشباب والموضات الجديدة السائدة في العالم، وحذائه الايطالي يلمع مثل لمعان البلور الهندي، على أن تظهر سكسوة ذقنه ممشوطة منتظمة زاهية وتلمع مثل فص الزمرد، على أن يتأكد أنّ محفظته في الحفض والصون في جيب بنطاله المكوي وبها كل مايحتاج اليه من رخصة القيادة حتى بطاقة عضوية نادي شمشون لبناء الأجسام والأجساد الكمالية وعلى أنّ يتأكد بأنّ بطاقات الإئتمان وبطاقة التأمين الصحي هي أيضاً في الحفظ والصون، أجل:
على أن يتأكد أنّه أغلق باب البيت بالمتراس وأحكم الإغلاق أشدّ اِحكامٍ، على أنْ لا ينسى أنّه قصّ أظافره وقبل ذلك استحم بالماء والصابون وأبهج شعره بالشامبو الإيطالي، على أنّ لا ينسى كلمات رائعات تعلمها من شيوخ النت أن يقولها عند الخروج من البيت: “ما شاء الله، توكلت على الله، لا حول ولا قوة إلا بالله”، وعليه حفظاً لقامة رأسه وشعره الأجعد ألا ينسى أن يغمد الشنه و”يعنقرها” حتى تحميه من حر الصيف وبرد الشتاء وغبار الشوارع، أجل:
وقبل أن يدخل مبنى مكان عمله وقبل أن يلج مكتبه عليه أن يتعوذ بالله من شرّ “الشيطان الرجيم” ثلاث مرات، طبعاً في سرّه، وبينما يسير في الشارع عليه أن يقرأ المعوذتان من باب الحرص على حياته والنجاة من الأذاء من الناس غير “الرائقة” وحمايته من شياطين الجن والإنس وأغاني الهجر والفراق وأغاني المهرجانات وخطب الساسة ونصائح خبراء الصحة والتجميل والرجيم ونشرات الأخبار ونصائح خبراء السياسة غير المجدية، أجل:
وقبل أن يدخل مكتب مديره عليه أن يقرأ المعوذات مرة أخرى ثلاث مرات وفي السر لتفادي ضغط الدم وآلآم الصدر من كثرة ما يتلقاه من ارشادات المدير وزعيقه المتواصل وارتفاع صوته على نحو لا يطاق وللوقاية من الصدع وفقدان الصبر والنظر، أجل:
وعليه في أوقات الفراغ عندما تحين عليه بعد التوكل على الله أن يقرأ مقالات الكُتاب والمثقفين التي تملأ الدنيا في خانات البوابات والمنصات الفكرية والأعلامية والتي يعرف أنها من دون جدوى أو فايدة وكثير منها لا يقول أيما شيء ولا تحرك ساكناً ولكنه يقرأها من باب الكساد والظهور بمظهر المطلعين النجباء والمثقفين النبهاء وعليه أن يستعين برياض الصالحين إذا قذفه الحظ دون اِنذارٍ لمتابعة ومشاهدة برنامج الاتجاه المعاكس وبعض البرامج الأخرى.
كلب معاوية:
ومرافق معاويه الوفي، كلبه الجرئ والفطن، ذو الخفة والنباهة، يفرح كلما مرق من باب البيت مرفرفاً ذيله كلعبة في كفّ صبية مرحة، يخرج في صحبة معاوية منشرح الصدر لاهثاً برتياحٍ، يخرج رافع الرأس مسرعُ الخطوِ والجري، شامخ الأنف، لا يقصّ أظافره، ولا يلبس بنطالاً فرنسياً ضيقاً، لا يحمل معه مفاتيح البيت ولم يلمس في حياته مفاتيح السيارة ولا يجيد القيادة وليس لديه محفظة فيها رخصة وبطاقات ائتمان، ولا يحتاج إلى تأمين صحي ولا تأمين سيارات، ليس لديه حساب في البنك، ولا يكتب مقالات على صفحات بوابات الطرش، ولا يحمل حقيبة عمل، ولا يرافق التليفون الذكي واهب المسرات ولا يعرف حتى إنْ كان يوجد في الأصل هذا الذكي الوديع، بلى:
وليس عنده صفحة على الـ “فيس بوك”، ولا يغرد على التويتر وليس له أصدقاء على الواتساب أو الماسنجر وليس من شأنه اغلاق البيت أو أخذ صفيحة الزبالة خارج البيت، ولم يستمع إلى شيوخ النت كي يقول عند الخروج من البيت: “توكلت على الله”، ولا يحب أن يغمد الشنة فوق رأسه، وهو يعرف الشنة ولكنه لا يطيقها ويخفي ذلك عن معاوية حتى لايغضب منه، ولا حاجة له للتعوذ بالله من شر المخلوقات أو القطط المتلبسة بأرواح الجن والشياطين لأنه يعرف أنّه في فقه الكلاب ليس للقطط والكلاب عالم من الجن والشياطين كما عند الإنسان، بلى:
كلب معاوية يخرج كل صباح من دون نقود أو مفاتيح أو “موبايل”، يخرج من دون شنة أو “رنة” أو شمسية تحميه من حرّ الصيف ومطر الشتاء، كلبُ حرٌّ طليقٌ يخدمه معاوية ويعتني بع جمّ عناية.. كلبٌ ليس مثقفاً ولا يقرأ المقالات والمدونات ولا يستمع للبرامج السياسية أو نشرات الأخبار أحيانأً يحب أن يشاهد المسلسلات التركية عندما يشاهدها معاوية ويبتهج لرؤية الحسان التركيات الفاتنات ويتمنى في سرّه أنه رجل تركي ويعشق اللهجة السورية ويطرب لها، وخاصة عندما تصدر من الحسان السوريات و البحة المصاحبة لها بلى:
يغضب قليلاً ويدخل أحياناً في نوبة من الكآبة إذا رأى أن معاوية يسب ويشتم في برنامج الاتجاه المعاكس وبعض البرامج الليبية في القناوات الفضائية العربية والليبية وبعض الأغاني الليبية، بلى:
كلب معاوية لا ينسى أن يحبّ صديقه المخلص، يحبه من دون شروط ومجاملات ونفاق، يحبّه في كل لحظة ويستانس به طوال الوقت، يحميه في الأوقات من شرور الأنس والجن. كلبٌ لا يعاتب ولا يلوم ولا يجافي ولا يتعنطز وليس له خصوم في المدينة إلا من بعض القطط الشرسة، لا يعرف الأرق أو الذل او الخوف او الجوع أو النفاق أو الكُبر أو العنطزة الليبية وليس له سيف في غمده ولا يحمل مسدساً ولا يركب دبابة ولا يعرف الإنقلابات العسكرية، بلى:
كلب معاوية لا يملك “مولاً” أيّ سوقاً كبيراً وسيارات فارهة مزدانة الألوان والموديلات وفيلات فسيحة يمرح فيها جيش ابو زيد الهلالي وجنة الف ليلة وليلة وصوت شهرزاد الناعم لذيذ النغم ، ولا يغتاب أحداً في المقاهي والمساجد وقاعات الجامعات وعلى الفيس بوك والساحات العامة ولا حتى في مكاتب المثقفين ، بلى:
ولا ينتمي لأيّة قبيلة أو عشيرة أو عائلة كبيرة متغطرسة ولم يكن له وزير أو رئيس وزراء من قريب أو من بعيد في أي حكومة فاشلة من الحكومات الفاشلة في حقبة الإستقلال أو في عصر “الجماهيرية” أو في عصر البطولة والأباء، ولم يقرأ عن “الصراع الطبقي” ونمط الإنتاج والعلاقات الإجتماعية والتفكير الناقد والثورة الثقافية والكومبرادور والمادية التاريخية والفكر الليبرالي ونظرية كأس اليأس في الزمن الرّخو، ولم تستهويه الليبرالية الجديدة في محو الأمية الثقافية، ولا يعبأ بانقطاع الكهرباء في المدن الليبية قبل العصر وبعد العصر وما بين الفجر والمغرب وعند نزول المطر وانتشار الجفاف، ولا يستمع إلى خطب الساسة في بلادى الطاهرة ولا يبالي بالاحزان والكم المعسول ، بلى:
ولم يشارك بعوض المستنقعات في الرقص والبحث عن دمٍ مهدور في مكان ما ولا يبالي بما يسمع من الصراخ والشتائم على الفضائيات أو مواقع التواصل الإجتماعي ولم يبع الأدوية فاقدة الصلاحية للناس المرضى ولا يسرق أو ينهب المال العام ولا يؤجل الإنتخابات ولا يغريه الخلود في البرلمان و لا يحمل عبء السياسة المغشوشة، بلى:
وكلما يرى معاوية يفرح ويطرب ومع قليل من الألم يخشى على معاوية من معاوية ويخشى من معاوية على معاوية.