أسئلة ممنوعة
بناء الدولة ليس دعوة دعائية أو موجة سياسية عابرة، بناء الدولة قبل كلّ شيء التزام بقيم اِنسانية اساسية إما أنّ نمتلكها أو لا نمتلكها كالعدالة والحرية والمساواة، فكثير من البلدان فشلت في بناء دول عصرية وخاصة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية. ومن دون مواربة، فليبيا واحدة من هذه الدول.
نحن الليبيون فشلنا فشلاً مزرياً في بناء دولة عصرية قوية ذات سيادة فعلية منذ 24 ديسمبر 1951 وحتى الآن. منذ ضحى الاستقلال وليبيا تعاني من فقدان نظام دستوري ديمقراطي يقوم على سيادة القانون والمساواة والعدل والحرية والرؤى المستقبلية الهادفة والتي تأخذ في الإعتبار الأجيال القادمة.
نحن الليبيون بحاجة إلى أن نتطلع إلى أنفسنا وبصدق في مرايا التاريخ الذي إمتدّ من ساعة نيل الاستقلال وإلى الآن وعلينا أن نسأل: مِنْ أين استقينا هذا العجز المريع في عدم القدرة على بناء دولة عصرية؟ هل يمكننا أن نقف موقفاً مبدئياً ناقداً ونرفع هذه الأسئلة: لماذا فشلنا في بناء الدولة؟ لماذا لم نهتم بمسألة تأسيس دولة تأسيساً متجدداً؟ هل كان لدينا هدف سياسي واع ومدروس لخلق نظام سياسي ودستوري يرفع من شأن المجتمع؟ لماذا ومنذ الإستقلال نجدف في فضاء اجتماعي بدون دولة فعلية بمعنى الدولة الحديثة؟ لماذا مازلنا نجدف في فضاءات القبائل والعشائر والأنساب والأقارب والمصاهرة و ” اولاد البلاد”، فضاء تقسيم المزايا و ” النهب المبرمج” بينها وبين أقرانها وجيوبها من أهل السيطرة والإستحواذ على المال العام وخيراته الطبيعية؟
لماذا نحن الليبيون نتصرف وكأن شيئاً لم يكن؟ هل نستطيع أن تجريد التاريخ الليبي المعاصر الرسمي والمعارض وتحديداً منذ ضحى الاستقلال ومروراً بالانقلاب العسكري من صفة القدسية والتفاخر الأجوف المزيف، وهل في مقدورنا نقل هذا التاريخ الذي امتد من الخمسينات إلى مجاله الواقعي وهو مجال وبعيداً عن التحيز لم يكن على الإطلاق عادلاً ومنصفاً سياسياً واجتماعياً بالدرجة الأولى وهو مجال طمس حرية التجمع السياسي والتنظيم بعبقرية فذة؟
في هذه الحالة وفي هذا الظرف بالذات لا نستطيع أن نهرب من السؤال الأكبر: من نحن؟ ولماذا فشلنا هذا الفشل المريع في بناء الدولة؟ إن المصارحة في هذا الشّأن هي من أفضل السبل للتعامل مع هذه الأسئلة بعيداً عن التمويه والتعتيم.
نحن الليبيون إعتدنا الظن ومنذ الأزل وما زلنا نفعل بنفس الإعتزاز الوهمي بأننا أحسن وأفضل خلق الله على الأرض بينما الواقع – وبكل وضوح برّاق- يقول غير ذلك وينقضه تماماً، وهذا ليس قولاً قاسياً أو جلداً للذات ولكنه قول يستند على ما تراه امامك عن ليبيا الآن وهو واضح للجميع؟ لذلك فهل يمكن مراجعة الذات ” الليبية” دون التهرب من المسؤولية الكبرى مسؤلية هدم الكيان الجغرافي الذي يسمى ليبيا، فلماذا هذا الهدم الأهوج ومن يتحمل عبء هذه الخسارة؟
بناء الدولة ليس له مايبرره إلا اهميتها كمنظومة سياسية قادرة على خلق مؤسسات عصرية تدير وتدبر شؤون الناس العامة ضمن اطار دستوري قائم على مبادئ سيادة القانون وقيم الحرية والعدالة والإزدهار، منضومة من شأنها أن تحافظ على أكبر درجة من الأمن والإستقرار وكرامة الإنسان. فما هو السبيل إلى الخروج بصيغة فكرية وسياسية وقانونية تناسب كل الناس الذين يقطنون هذا البلد، صيغة تقرب بين الإتجاهات والمشارب المختلفة؟
وبناءً عليه:
الإخفاق السياسي والمجتمعي الليبي هو العنوان الصحيح والواضح لفشل المجتمع الليبي وعدم قدرته على بناء دولة عصرية. المهمة الساسية العاجلة هو الوصول إل صيغة مبدئية توافقية يتقيد ويلتزم بها الجميع مع الإحتكام إلى رأي الناس في ذلك والتخلي على امجاد تكديس التبن وخرافات تبجيل حقب سياسية متخلفة متعاقبة منذ الإستقلال.