صدر مؤخراً كتاب (الكلية العسكرية الليبية: تاريخ وخواطر) باكورة إصدارات الأستاذ صلاح الدين محمد الفنادي المتخصص في التاريخ والعاشق للبحث والتوثيق التاريخي في المجال العسكري وكذلك التعليمي.
ويستهل المؤلف مقدمة كتابه (الكلية العسكرية الليبية: تاريخ وخواطر 1959-1969م) قائلاً (لم أكن يوماً في حياتي عسكرياً، بالرغم من أن العسكرية قد استهوتني حتى النخاع، وتاريخها شغل حيزاً كبيراً في ثقافتي ومن وقتي، وجعلها في مقدمة اهتماماتي وكتاباتي وحتى حديثي اليومي وعلى مدار سنوات طويلة.) ويبين أنه منذ تخرجه من قسم التاريخ بكلية التربية بجامعة طرابلس سنة 1977م بتقدير ممتاز، واظب على تدريس المنهج الأكاديمي وتقديم محاضرات حول (تاريخ العرب الحديث والمعاصر) ثم قدم مشروع أطروحته لنيل درجة الماجستير في موضوع (التطورات السياسية في العراق ودور عبدالسلام عارف فيها 1958-1966م) وهو مهتم بالبحث في موضوع علاقة الجيش العراقي بإنشاء الجيش الليبي، ثم تطورت الدراسة لتتناول تتبع تأسيس (الكلية العسكرية الليبية) وإعداد رصد زمني وشخصي لكل ما يتعلق بها من معلومات لتكون كلها موثقة في هذا الكتاب الصادر حديثاً.
ويوضح ذلك قائلاً (لقد استمر البحث لكتابة هذا الموضوع أكثر من 25 سنة وبطريقة سرية كاملة حيث كان كل واحد من الشعب الليبي يتوقع المداهمة في بيته وفي أي وقت، وبعد 17 فبراير 2011م عدتُ إلى تنقيح المعلومات وتصويبها معتمداً على البحث الشخصي بما دونته من مذكرات وملاحظات في حينه، إضافة إلى الأحاديث الشفهية التي أجريتها مع الكثير من الضباط المتقاعدين أساساً).
وفي ختام مقدمته يوجه المؤلف الأستاذ صلاح الفنادي شكره لكل من دعمه وساعده في إنجاز مؤلفه التاريخي القيم ويخص الرائد محمد علي مسعود البخبخي، واللواء عبدالسلام عزالدين المدني، والرائد مصطفى علي دريد، والعميد مصطفى محمد القويري رحمهم الله بواسع مغفرته، كما يشكر كلاً من العقيد الركن المتقاعد جمعة علي أبوحلقة آمر الكلية العسكرية الأسبق، والعقيد المتقاعد الزرقاني أحمد الزغداني، ومنتسبي هيئة التنظيم والإدارة بالقوات المسلحة الليبية وعلى رأسهم العقيد محمد طحيش، والعقيد خالد عبدالقادر، والدكتور محمد الطاهر الجراري، والمهندس عبدالعزيز شعبان الفنادي وكذلك إلى بناته وأسرته، معلناً في ختام مقدمته ترحيبه وقبوله بأية ملاحظات أو تصويبات أو معلومات إضافية تثري عمله التوثيقي.
وقد وفق المؤلف كثيراً في اختيار سيادة العقيد الركن المتقاعد/ جمعة علي أبوحلقة آمر الكلية العسكرية الليبية الأسبق لتقديم كتابه التخصصي بكلمة قصيرة أشاد فيها بهذا الجهد التوثيقي وقال (قدم الباحث فيه جانباً مهماً من تاريخ تلك الكلية العسكرية الليبية، فاتحاً المجال أمام الباحثين والمختصين لأجل استكمال حلقات البحث في هذا التاريخ … ونزولاً عند رغبته، وعشقاً لهذه المؤسسة التعليمية العسكرية العريقة، والتي هي بلا شك فرع من أفرع المؤسسة العسكرية الليبية الكبرى “الجيش الليبي”، فقد استجبتُ لطلبه، ولا يسعني في هذا المقام إلاّ أن أتقدم بجزيل الشكر وعظيم الامتنان للسيد الكاتب على هذا الجهد الذي بذله، وعلى هذا الشتات الذي جمعه بعد أن كاد ينسى.)
وقد تناول الإصدار الحديث الضخم مرحلة تأسيس الكلية العسكرية الليبية وتضمن قوائم أسماء ضباط الدفعات الذين خرجتهم منذ الدفعة الأولى سنة 1959م وحتى الدفعة الحادية عشرة سنة 1969م وجاء في مجلد واحد مقسم إلى جزئين. يحتوي الجزء الأول الذي جاء في 521 صفحة من الحجم الكبير على ثلاثة أبواب كالتالي: الباب الأول بعنوان (إعداد الضباط قبل تأسيس الكلية العسكرية عام 1957م) ويشتمل هذا الباب على ثلاثة فصول كالتالي: الفصل الأول (لمحة مختصرة عن قيام دولة الاستقلال في ليبيا، والجهود التي بذلت في ذلك)، والفصل الثاني بعنوان (خاطرة سريعة عن التكوين الأول للجيش الليبي) أما الفصل الثالث فظهر بعنوان (إعداد الضباط قبل تأسيس الكلية العسكرية). وقد اشتمل هذا الفصل “الثالث” على ثلاثة مباحث هي (الإعداد الداخلي “مدرسة الزاوية العسكرية نموذجاً”) و(الإعداد الخارجي “الكلية العسكرية العراقية نموذجاً) و(البعثات العسكرية الأجنبية ودورها في إعداد الضباط “البعثة العسكرية العراقية نموذجاً”).
أما الباب الثاني فظهر بعنوان (إعداد الضباط بالكلية العسكرية الليبية 1957-1969م) واشتمل على ستة فصول هي: (الكلية العسكرية الليبية: النشأة والتكوين)، (قانون إنشاء وتنظيم الكلية العسكرية الليبية وتعديلاته)، (مقر الكلية العسكرية الليبية وتطورية)، (آمرو الكلية العسكرية الليبية)، (الهيئات التعليمية بالكلية العسكرية الليبية)، (مناهج الكلية العسكرية ودورها في تكوين شخصية الضباط).
وجاء الفصل الثالث والأخير بعنوان (خريجو الكلية العسكرية الليبية 1959-1969م ودورهم في الحياة العامة) وقد اشتمل على ستة فصول هي (الخريجون وفق الدفعات، تعليق عام على مشتمل الدفعات)، (ضباط الكلية العسكرية المنقولون إلى وزارة الوحدة والخارجية، ودورهم في إثراءها)، (ضباط الكلية العسكرية المنقولون إلى الخدمة المدنية، ودورهم في رفع كفاية المصالح المنسبين إليها، (ضباط الكلية العسكرية المنقولون إلى قطاع الشرطة، ودورهم في دعمه)، (ضباط الكلية العسكرية الذين ساهموا في نشأة وتطوير القوات الجوية)، (ضباط الكلية العسكرية الذين ساهموا في تكوين نواة قوات الدفاع الجوي).
واقتصر الجزء الثاني من المجلد الأول الذي جاء في 368 صفحة من الحجم الكبير على الباب الرابع الذي جاء بعنوان (نماذج من السير الذاتية لخريجي الكلية 1959-1969م) واشتمل على إحدى عشرة فصلاً تسلسلت كالتالي (السير الذاتية لخريجي الدفعة الأولى 1959م)، (السير الذاتية نماذج مختارة للدفعة الثانية 1960م)، (نماذج مختارة الدفعة الثالثة 1961م)، (نماذج مختارة الدفعة الرابعة 1962م)، (نماذج مختارة الدفعة الخامسة 1963م)، (نماذج مختارة الدفعة السادسة 1964م)، (نماذج مختارة الدفعة السابعة 1965م)، (نماذج مختارة الدفعة الثامنة 1966م)، (نماذج مختارة الدفعة التاسعة 1967م)، (نماذج مختارة الدفعة العاشرة 1968م)، (نماذج مختارة الدفعة الحادية عشرة 1969م). كما تضمن هذا الجزء مراجع الكتاب وملحقاً بعدد من الوثائق والصور التاريخية.
يظل كتاب الأستاذ صلاح الدين محمد الفنادي الصادر حديثاً (الكلية العسكرية الليبية) يمثل إضافة مهمة طال انتظارها لإبراز تاريخ ودور المؤسسة العسكرية في بناء الدولة، وأهميتها في إعداد العسكر وتنشئته بما يخدم حماية الوطن والرقي به في مصاف الدولة المتقدمة.
إن هذا الكتاب جديرٌ بأن يكون منهجاً دراسياً ضمن مناهج الكليات العسكرية في بلادنا، ومرجعاً لمراكز البحوث والدراسات كافةً، لما يتضمنه من معلومات توثيقية وبيانات وسير عسكرية وتواريخ وشهادت ومواقف وأحداث تمثل ركناً مهماً في تاريخنا الوطني.
إن كتاب (الكلية العسكرية الليبية) هو كتاب وطني بامتياز ويستحق مؤلفه كل التقديم والتكريم والاعتزاز على جهده المضني الذي استغرق حوالي 25 سنة في إعداده .. فله أرفع القبعة وهو يستحق الكثير… وفي الوقت الذي أبارك فيه هذا الجهد الوطني التوثيقي المهم، وأزف التهاني لأستاذنا الفاضل صلاح الدين محمد الفنادي فإننا نحي فيه هذا العشق التاريخي لمؤسسات الوطن سواء كانت العسكرية أو المدنية التعليمية التي نترقب إصداراته حول سير المعلمين والأساتذة الأفاضل الذي تركوا بصمات واضحة في الحياة التعليمية والمجتمعية كافةً، وكذلك تاريخ المؤسسات التعليمية ومكاتب التعليم في بلادنا.