إنني أتذكر تلك اللحظة التي استيقظت فيها برعب يخطف الأنفاس بنبض مرتعش كعصفور مبتل تحت المطر….
كان حلماً… كان حلماً.. بشفتين باردتين أتمتم… كنت أغوص في الحلم رأيت في المنام إنني وحيدة في صحراء برتقالية وثلاث مرايا تطاردني…
ثلاث مرايا تحاصرني تلحق بي أينما ذهبت كنت أركض في كل اتجاه وقدماي تغوصان في الرمال الحريرية….
كانت المرايا تشدني إليها تجرني إلى النظر في انعكاس صورة لبقايا وجه طفلة وليس وجهي….
كنت أرى تلك الخدوش العميقة على وجهها وكانت تبتسم لي رغم نزيف الدمع من عينيها….
والتشققات التي حفرت على وجنتيها عود نبت يتنفس ويخرج من تلك التشققات العميقة…..
أحاول أن أختبئ بيدي من صورة المرايا ومن ملامح وجه صغير تستيقظ الضحكات في حدود ثغرها والكحل الأسود يسيل كالنهر على طول خديها….
أحاول أن أشيح بوجهي وفزعي من تلاحق الصور أمامي ذاك الوجه الملائكي الصغير الذي تكاثر فيه الخراب حتى بدأ يتهاوى شيئا فشيئاً ولا يستند إلا بتلك الضحكات الباردة على شفاه جافه….
أحاول أن أنتشل نفسي من ذاك الحلم وصور المرايا التي حبست ببرواز حديدي أسود كالختم….
أحاول أن أجدف بعداد عمري حتى أطفو فوق سطح الحياة وأنسلخ من تجاعيد حلم….
وجدت قارب من الورق الأبيض وعليه شراع مثبت بعمود قلم وصعدت عليه على موج هائج أبحث عن مرسى وكلما تمددت المسافات بيني وبين ذاك الحلم أرى اختفاء المرايا الثلاث وتلاشي الصور وتتضاءل ملامح الوجه الصغير…