المكالمة واضحة والقصد جليّ، لابد من إخفاء عازبات المدينة المحاصرة، الفرار بهن، أو تَشْويههنَّ، أو حتى وأدهنَّ إذا لزِمَ الأمر، فالقتال على تخوم المدينة شرسٌ بين الطرفين المتقاتلين لأجل تحريرها!! والصور المنقولة من المعارك لا تنبىء بخير في حال دخول أحدهما إليها!
انتشر البرّاحون في الأزقة والساحات، حالة من الهلع استعمرت قلوب الفتيات، واستنفدتْ فيها الأمهات كل وسيلة لإقناع الحكماء عن التراجع، يموج الشارع في الفوضى، ويتخبط الشباب في الحيرة، فالأمر متعلق بالشرف، اُعْتبِر اقتراح أحد النجباء الزواج السريع كحلٍ لِلَمْلَمة الموضوع معجزة إلهية وذكاء خارقا ومنجّيا من الوأد وعواقب الفرار، تلتمس “سُعدىَ” المصدومة، في عيني أخيها الاعتذار والألم، فـ “سُعدى” ليستْ عازبة وحسب، هي مشروع محامية فذّة، وأبرز جميلات المدينة ومليحاتها، وتُكنى “بأم جَديلة”، ولابدّ من النأي بها لفتحٍ حَلال، قبل وصول أحد المحررين الشرسين، فأغلب قريناتها هُربنَ أو شُوهنَ.
بيدين مرتعشتين شقت “سعدى” صدرها، دفنت به رغبة، وبأصابع يأس أحرقتْ “سُعدى” قصاصاتها التنويرية، ووريقات خواطرها الملتهبة، وبقايا أفكار مسروقة، غصّتْ بعبرة وهي تحذف اسم صديقها “سلوى” ورسالته القصيرة (وغدا تأتلق الجنة أنهارا وظلا.. وغدا ننسى فلا نأسى على ماضٍ تولّى).
تطور البراحون، صاروا أبواق أثير، وركبَ فرسان الحرب خيلَ حديدٍ وغَباء.
ها هي “سعدة” أمام المرآة، تشكو لصديقتها القديمة، قصة اغتصابها المشروع، كل ليلة منذ تلك الليلة.
جَلمتْ “سعدة” جَديلتها من منبتها، عندما صدمتْها صديقتُها المنعكسة، بأنها أفضل حالًا من مدينتها، فالقتال بين الطرفين المحرّرين فوق حزامها ومنذ تلك الليلة..