أولاً: مصادر الادب الليبي
الأدب الليبي المفهوم:
الأدب: قيل:- بأن ” الأدب وجمعه آداب ومصدره أدب، وايضاً يعني الجميل من نتاج الكتاب نظماً ونثراً “…. وقيل بأن الأدبي هو”
” 1- المنسوب الى الأدب.
2- ما كان معنوياً غير مادي.
3- مركز أدبي. قيمة أدبية. ” (1)
من خلال ما تقدم نستنتج بان الأدب كل انتاج جميل من نتاج الكتاب نظماً ونثراً وهو معنوي غير مادي.
اذن الأدب الليبيهو ذلك الأدب الذي تشكل ونظم على هيئة شعر وقصة وحكايات واسطورة ومثل ولغز، وهو انتاج معنوي برز من البيئة الليبية بكافة خصائصها وبكافة تنوع مكوناتها واقاليمها ومدنها.
قيل بأن الأدب في مفهومه المعاصر هو ” فكرة وأسلوب، مضمون وشكل.. هو فكرة من واقع المجتمع أو من أحلامه، وهو أسلوب فيه براعة، وجاذبية، ورشاقة، وموسيقى، يتكوّن من ذلك كله أدب أمة وأدب شعب. وإذا قلنا: أدب العرب، وأدب الهنود، وأدب الانكليز تجمّع لدينا مفهوم دقيق واحد، هو مجمل الآثار الكتابية التي يقدّمها أديب هذه الأمة، معبّراً بها عن طموحها، وأحلامها، وآمالها”(2).
وكل آداب الاقاليم والمكونات الليبية تعبر عن فكرها وأسلوبها وأدبها وأحلامها وطموحها وآمالها، اضافة الى انه يمتاز بالحياة وحياته انشط من أي ادب آخر وهو ليس جامد.
يقول البعض بان ادب المكونات والاقاليم هو ادب شعبي رغم ان كل الادب هو شعبي من صميم هموم واحاسيس الشعب فالروائي بالعربية يكتب بأحاسيس وهموم الشعب وكذلك الشاعر. وقد قيل عن الأدب الشعبي ” هو المرآة التي تعكس الصورة الحقيقية لحياة مجتمع من المجتمعات، وهو شكل من أشكال الإبداع الشعبي المتعددة، فهو جزء من كل، هناك الموسيقى الشعبية، والرقص الشعبي، والفن التشكيلي الشعبي…، إلى جانب الأدب “….. وقد عرف الأدب الشعبي من قبل المستشرق الايطالي جوفاني كانوفا بانه ” هو الأدب الشائع في الطبقات التي تسمى عادة بشعب أو عامة، وله ميزات خاصة به في بعض الأحيان ومشابهات مع الأدب (الكلاسيكي)، ويستعمل اللهجة المحلية أو لغة شبه فصيحة، سهلة فيها تعابير كثيرة باللغة العامية “. وقيل كذلك هو ” ابن البيئة التي ينشأ فيها، وهو حصيلة ما يكسبه الأفراد من تلك البيئة ومن الجماعات التي يتعايشون معها، وهو الإشعاع الحساس الذي يصور حياة المجتمع، وينفذ إلى أعماقه “(3).
عند النظر الى هذه التعريفات نجد ان الادب الليبي هو ادب امة وشعب ولا يقل اهمية عن ادب الشعوب والامم الاخرى وهو متنوع.
قيل بأن الأدب العربي ” هو مجموع الأعمال باللغة العربية، ويشمل الأدب النثر والشعر المكتوبين بالعربية وكذلك يشمل الأدب القصص والرواية والمسرح والنقد ” (4).
اذن هنا نجد أن الادب الليبي كله هو مجموع الاعمال التي كتبها والفها الليبيون باللغة العربية، واضافة ما كتب باللهجات ولغات المكونات.
من خلال ذلك فان هذه الدراسة سوف تكون مختلفة عما سبقتها من دراسات للكثير مما تناولت دراساتهم الادب الليبي والذين ركزوا على جزء بسيط في ذكر بعض مقومات الادب الليبي ككل دون ان يتعمقوا في الادب الليبي وما يشكل ويكون الادب الليبي الحقيقي، فالشعر الصادر من ليبي بالعربية الفصحى وكذلك القصة والرواية حقيقة لا يمثل الادب الليبي ككل انما هو يشكل جزء من الأدب الليبي ولهذا فان الأدب الليبي الذي يمثل الهوية الليبية الأن لا يمثل كل الأدب الليبي.هناك في ليبيا اكثر من مصدر ومقوم يشكل الأدب فيها حسب الاقليم والمكون الذي تتكون منه ليبيا، وهو يختلف في بعض الاشياء البسيطة خاصة في اللغات واللهجات فليبيا كما هو معلوم بها عدة مكونات لها عدة لغات ولهجات ومن خلال هذه اللهجات واللغات يتشكل ويتكون الأدب الليبي مع اتحاد هذه المكونات في أدب واحد.ومثلما هناك تاريخ للأقاليم والمدن والمناطق والمكونات الليبية فان هناك أدب لهذه الأقاليم والمناطق والمدن والمكونات وهي تعبر عما في احاسيسها واحاسيس بيئتها ولهجتها ولغتها، ومن هذا المنطلق فان الأدب في ليبيا الحقيقي يتشكل من عدة آداب متنوعة وهو بذلك متشكل ومتكون من آداب هذه الأقاليم والمكونات بإحساس من ينتمي اليها ومن ألهام بيئتها وبلهجتها ولغتها، وليس كل ما يبرز سكان تلك الاقاليم والمناطق والمدن والمكونات بالعربية الفصحى هو في الحقيقة أدب ليبي انما هو جزء من الادب الليبي. فعندما نأتي الى الأمثال نجد انها تتنوع وتختلف من اقليم الى اخر ومن مكون الى اخر فالمثال التباوي الليبي الذي يقول:-” قونيهي قوندونو كورنيهي هوناكتونو” جاء باللغة التباوية وعند تعريبه نجده يقول:-لا تستطيع ان تنحنى على ظهر الجمل ولا تستطيع ان تخفى اثار اقدامك على الرمل “، هو مثل تباوي الليبي من الادب التباوي الليبي مستلهم من البيئة التباوية وولد من رحم اللغة التباوية وهو لا مثيل له في أي مكان ولا يمكن أن نستبعده من الادب الليبي.
ومن هذا المنطلق فان الادب الليبي الحقيقي يتكون من عدة مصادر ومقومات وهي التي تكونه وتشكله، قد تكون هناك مصادر ومقومات مستبعدة لأسباب سياسية أو اجتماعية، من تلك المصادر والمقومات نذكر الاتي:-
- الادب العربي: هو الادب الذي الف وتشكل من اللغة العربية الفصحى.
- الادب التباوي: هو الادب الذي الف وتشكل باللغة التباوية واحساس المكون التباوي.
- الادب الأمازيغي: هو الادب الذي الف وتشكل باللغة الامازيغية واحساس المكون الامازيغي.
- الادب التارقي:هو الادب الذي الف وتشكل باللغة التارقية واحساس المكون التارقي.
- الادب المختلط: هو الادب الذي تكون من المكونات الليبية من اوروبا ومن افريقيا ومن اسيا.
- ادب المناطق: الادب الذي تشكل وتكون من لهجة وبيئة واحساس المناطق.
- ادب الاقاليم: هو الادب الذي تشكل وتكون بلهجة وبيئة واحساس الاقاليم.
- ادب اقليم فزان: هو الادب الذي تشكل وتكون باللهجة الفزانية.
- ادب اقليم برقة: هو الادب الذي تشكل بالأحاسيس والمشاعر واللهجة وتفوح فيه البيئة البرقاوية.
- ادب اقليم طرابلس الغرب: وهو الادب الذي تشكل بأحاسيس ومشاعر ولهجة طرابلسية.
في ليبيا ووفق تركيبتها السكانية وموقعها الجغرافي تنوعت مصادر الادب فيها وشكلت ادب ليبي يعبر عن احاسيس ومشاعر وقضايا كل الليبيين، كل تركيبة عبرت بلغتها ولهجتها وفق ما تفيض به أحاسيسها ومشاعرها وبيئتها وشخوصها، ومن خلال النظر إلى التركيبة السكانية لليبيا نجد أن هناك تنوع في هذه التركيبة ساهم في تنوع مصادر الادب فيها وفق التركيبات السكنية والبيئة الجغرافية وحسب لغتها ولهجتها حيث كان هناك الادب التباوية، والادب التارقية، والأدب الامازيغية، وكان هناك الأدب البرقاوي، والأدب الطرابلسي وغيرها وهذا ساهم في تنوع وتعدد مصادر الأدب الليبي وكانت مجمل هذه المصادر من احد مقومات الهوية الثقافية الليبية التي تحويها الهوية الاجتماعية الليبية عامة.
الادب الليبي هو الادب الذي يعبر عن المجتمع الليبي بكافة تركيباته ومكوناته، وهو الذي يأتي بكلمات وألفاظ ليبية، وهو يتشكل من خليط عدة آداب محلية لمكونات وأقاليم. تتنوع في الادب الكلمات والألفاظ كتنوع اللهجات واللغات المحلية. حقيقة الادب الليبي شبكة معقدة من الآداب المحلية في الألفاظ واللهجات واللغات المشكلة والمكونة لهذا الأدب ويصعب فهم بعضه من بعض الليبيين. لقد تنوع الأدب الليبي بتنوع أقاليمه ومكوناته وكل إقليم ومكون له خصوصيته ورؤيته وهويته الداخلية وجاءت كلماته وموضوعاته من البيئة فكان للبحر دور في صبغ طبعته عليه وكذلك كانت الصحراء والجبل والسهل ووادي، نجد فيه أدب البيئة البحرية يستلهم بعض مفرداته من البحر والفلك التي تبحر فيه والنسمات التي تهب منه. وهو يتفرع الى ادب شفوي يتمثل في الحكايات والاساطير والخرافات الشعبية والامثال الشعبية والاغاني والاشعار الشعبية، وادب مكتوب يتمثل في كتب لأعمال درامية لكتاب واشعار وقصائد واغاني مقالات ادبية، فعند النظر الى الأدب البنغازي الذي افرزته البيئة في بنغازي نجد انه يختلف عن الأدب الطرابلسي الذي افرزته طرابلس فعند النظر الى العمل الادب البنغازي الذي تشكل على صورة اغنية بنغازية والتي تقول:- ” هبت ريح علي جليانة…” واغنية ” يا ريح هدي مركبي ميالة ” نجد هنا ان الأدب يمثل مدينة بنغازي ويوحي انه من هذه المدينة ؛لأنه ذكر علامات تدل على هوية المدينة مثل اللهجة والمفردات، كما نجد ان الأدب في البيئة الجبلية يختلف على الأدب في البيئة البحرية حيث نجد ان فيه اختلاف من ناحية التعابير عن الاحاسيس والكلمات حيث نجده في العادة يغازل الجبل وما عليه ونجد ان اشعاره عالية الارتفاع فكلما أداءها مؤدي تحتاج إلى ان يعلوا في صوته ليطغى الصوت على الريح، أما الأشعار في البيئة الصحراوية تتميز عن الأشعار في البيئة البحرية والبيئة الجبلية من ناحية ان كلماتها والاحاسيس تعبر عن الصحراء وما عليها وهي في الغالب تؤدى متواصلة تسير متسلسلة مثل تضاريس بيئتها، وهي اقرب إلى الإفريقية، والأمر لا يتوقف عند هذا التصنيف بل ان بعض فروع الأدب من البيئة البحرية والبيئة الجبلية قد تكون بطعم وإحساس عربي أو امازيغي، أما اشعار البيئة الصحراوية قد تكون بإحساس تباوي أو تارقي مع تنوعها في المدن الكبيرة. حقيقة الأدب الليبي يتنوع بتنوع البيئة الليبية وأقاليمها ومكوناتها المختلفة ومدنها فمن ناحية اللغة واللهجة منها ما يتمشى مع اللغة الرسمية للدولة الليبية وهو الذي يعتقد الكثير بانه الادب الليبي، ومنها ما يتمشى مع لهجات ولغات المكونات والاقاليم الليبية وهي تنبع من البيئة الليبية وطقسها وتضاريسها ومن أحاسيس أقاليمها الثلاث ومكوناتها ومدنها وقراها وعليه ومن خلال النظر إلى هذه الأدب نجده أنواع متعددة منها الحضري، ومنها البدوي، ومنها الصحراوي، ومنها الجبلي، ومنها الساحلي إضافة إلى ان كل من هذه الأنواع تتفرع إلى شعب وصنوف منها الطرابلسي ومنها المرزوقي ومنها العربي ومنها التارقي ومنها التباوي ومنها الامازيغي، والأمر لا يتوقف عند هذا الحد بل أنها تتشعب وتتفرع داخل المدن إلى الإحياء والمناطق وفق اللهجات والألفاظ والمصطلحات في الكلمات، فالأشعار البرقاوية مثلاً تتفرع إلى فروع كثيرة وهي تختلف من منطقة إلى أخرى ومن حي إلى آخر سواء في الأداء أو حتى اللهجة فأشعار الاغنية الشعبية البنغازية مثلاً تختلف عن اشعار الأغنية الشعبية الدرناوية وهكذا.
يقول خليفة التليسي في الشعر الشعبي الليبي غير المعبر بالفصحى وهو الذي يمثل نوع من الادب الليبي اضافة الى الشعر بالفصحى:- ” وأنه لمن المؤسف حقاً أن تجد الشعر الشعبي أكثر أداء عن أنفسنا ولو قدر له أن يجمع. لأمكن في يسر استخراج صورة هذا الشعب. في جهاده العنيف ضد الطغيان والاستعمار، في فلسفته الفطرية الشاحبة وتأملاته اللطيفة، وفي روحه المؤمنة الرضية، في فروسيته وفي لهوه البرئ. في مجونه وعبثه. وأنت واجد فوق ذلك أساليب طريفة من الاداء كالحوار الذي يكون بين رجل وامرأة أو بين خصمين متنافسين، وواجد فيه هذه الأمثال والتشبيهات المنتزعة من صميم البيئة المحلية. أما في شعرنا الفصيح فانك واجد أخبار المواليد والأموات، ,أنباء الزفاف والطلاق والقدوم والسفر. لا يا سادتنا الشعراء ليس السير في ركاب المناسبات هو كل شيء في الشعر، هناك آفاق مجهولة ساحرة يستطيع الشاعر منكم أن يشبع بما يكتشفه منها – طموحنا الى الجمال، ويطفئ ما تحسه من عطش روحي الى الحقيقة الخالدة ” (5).
نجد في ما ذكره التليسي ما يؤكد اهمية الادب الليبي المتكون من الاقاليم والمكونات والمناطق والذي يطلق عليه الادب الشعبي رغم انه ادب ليبي وما يطلقون عليه ادب ليبي هو ادب عربي يخوض اشعاره على منوال شعراء العرب الاولين،أما شعر الاقاليم والمناطق والمكونات الليبية فهو ادب ليبي صافي متشكل من كل مصادر الادب الليبي. لقد مثل الادب الذي انتجته الاقاليم والمناطق والمدن والمكونات الليبية الادب الليبي وهو ما يطلق عليه الادب الشعبي الذي ظهر منذ ان ظهرت تلك الاقاليم والمناطق والمكونات، وتأكيداً لذلك فقد اشير بان الادب الشعبي قد حمل راية التعبير عن شخصية المواطن الليبي خلال العهد العثماني الاول والثاني والعهد القرمانلي، يقول خليفة التليسي في ذلك:- ” ومنذ تلك العصور حمل الأدب الشعبي راية التعبير عن شخصية المواطن الاصيل ” (6).
لقد غلب على الأدب الليبي بالفصحى النزعة الفقهية التصوفية اثناء العهدين العثماني وما بينهما ولم تنجب ليبيا في شعر الفصحى شعراء يضاهون شعراء المشرق وفي هذا يقول التليسي:- ” وقد لاحظ الدارسون ان الطابع العام الذي يميز الحياة الفكرية في المغرب العربي منذ الفتح الاسلامي هو سيطرة النزعة الفقهية التصوفيه عليه. فلم ينجب المغرب شاعراً يرتقي الى مستوى الشعراء العظام الذين انجبتهم البيئة في المشرق في مختلف العصور ” (7).
وهذا بسبب نسج القصائد والأشعار على المنوال الذي ينسج به شعراء الشرق دون أن يتم ادراج شعر الذي نسج بلغة المكونات ولهجة الاقاليم الليبية ضمن الأدب الليبي.
اكتسب الادب الليبي من الحضارات المجاورة والحضارات التي توسعت في الاراضي الليبية مثل الاغريقية والرومانية والفارسية والبيزنطية وما كسبوه من حضارات شعوب الاوروبية في شمال البحر الابيض وما تركه الاحتلال الاوروبي من بعض تأثيرات لغوية ومصطلحات وكلمات كالعثمانية والايطالية والانجليزية وفرنسية.
مثلما سجل جزء من تاريخ ليبيا من افواه ورواة واشعار الاقاليم والمكونات فيجب ان يسجل الادب الليبي ويوثق من هذه الاقاليم والمكونات. فكل الادب اليوناني لم يكتب ويؤلف باللغة اليونانية الحالية انما كتب والف من اللاتينية الاغريقية القديمة.
عندما نتحدث عن الادب الليبي نجده يضم ادب لمكونات متنوعة واقاليم ومناطق وحتى أنها تأثرت بمذاهب منبثقة من الدين حيث تأثر الكثير من الليبيين بالتراث الفاطمي فترة من الزمن دون أن يتعمقوا فيه وهذا ترك بصمة لازالت إلى الآن كالاحتفال بإشعال القناديل والمصابيح الزيتية في المولد النبوي والاحتفال بعاشوراء وتعليق الأعلام الخضراء على الأضرحة والتقرب منها والمتشائم من الافراح في شهر صفر، إضافة إلى أن هناك من تجاوب مع الاباضية، كما اثر الليبيون اليهود في الادب الليبي وكان منهم شعراء امثال بوحليقة.
البيئة وطبيعة الأرض هي الاخرى ساهمت في تنوع مصادر الادب الليبي فالتضاريس والمناخ تعد عوامل من العوامل التي تساهم في تنوع الادب حيث نجد أن هناك خلاف في الجمل والكلمات والألفاظ تكثر في ادب أهل الصحراء وهي تعتبر مخالفة لجمل وعبارات وألفاظ لأدب أهل الساحل والجبل فكل من الادبين يعبر عن ثقافة وآداب مجموعة تعيش في مكان له ميزاته وصفاته الخاصة من تضاريس ومناخ فكل منهما يعبر عن أدبه بما تظهره له طبيعة بيئته ومكانه فنحن مثلاً نجد ان أهل الساحل الليبي يستلهمون اغلب أمثالهم وحكمهم من بيئتهم وكائناتها فالمثل الذي يقول:- ” رقد الريح تنبح عليه كلاب السبخة ” يوحي إلينا بالبيئة ولهجة سكانها، كما أن المثل الذي يقول: –
“الرجل والكرسوى لابد من الاحمرار” يوحي لنا بالبيئة ولغة المكون الذي استلهم منها المثل وهي بيئة صحراوية فالكرسوى شجرة تنبت بجنوب الصحراء الليبية خاصة بالمناطق التي يعيش فيها التبو مثل ربيانة، وهذه الشجرة تحمر من وقت لآخر أي أن الرجل البسيط والضعيف يمكن في يوم من الأيام ان يصبح رجل مهم كما تتغير شجرة الكرسوى وتحمر.
في اواخر العهد العثماني الاخير بدأت ملامح ادبية في الظهور من خلال ما ظهر من صحف ومجلات فقد صدرت وصار هناك صحافة تنشر فيها بعض الاعمال الادبية وقد مرت هذه المؤسسة بكثير من الازمات والتي حاولت ان تطفئ شعلتها التي اشتعلت منذ ان ظهرت الطباعة وصارت هناك صحف ومجلات في كافة انحاء العالم، وكانت ليبيا في مقدمة الدول التي تفتخر بانها ظهرت فيها الصحافة مع بروزها في الكثير من الدول المتقدمة. لقد عصفت بالصحافة التي كانت تصدر في الاقاليم التي شكلت ليبيا فيما بعد وبمن يمتهنونها ويمولها الكثير من العواصف حيث صار لها اعداء الى جانب المحبين الكثر ابان العهد العثماني والذي ظهرت فيه عام 1827م، ثم حدثت لها اهتزازات بدخول الاستعمار الايطالي لليبيا عام 1912م فصارت الصحافة بين اعين المستعمرات الايطالية وحجمت الآراء والافكار بعدد من القرارات (8).
ظل الأدب الذي يخرج بلهجات الاقاليم والمناطق والمدن ولغات المكونات الليبية هو السائد والمعبر الحقيقي عن المواطن الليبي وتأكيداً لذلك يقول التليسي:- ” ورغم هذا الجهد الذي بذله الشعر لتأكيد ذاته والخروج من دائرته القديمة فقد ظل بعيداً عن الوجدان الشعبي الذي وجد في شعره ما يغنيه وما يعبر عن تجاربه بصدق واخلاص “(9).
ثانياً: أدب المكونات الليبية
حقيقة في ليبيا تتعدد المكونات التي تكون ليبيا المصاحبة بلغات مختلفة إضافة إلى تعدد اللهجات حتى داخل المدينة الواحدة، وهذا ابرز تنوع في الادب واظهر أحاسيس وقضايا وهوية تلك المكونات، والحقيقة ان اللهجات في ليبيا تعبر عن كل ليبيا خاصة في المدن الكبيرة فهي يعرفها كل من المدينة سواء كان عربي أو امازيغي أو تارقي أو تباوي وغيره وحتى من مكونات أخرى والتي عاشت وولدت في هذه المدن كالأقلية اليهودية التي عاشت في ليبيا حيث كان لها دور في بروز أدب برز منه فن الأغنية الشعبية في بنغازي المعروف بالمرسكاوي.
بالأمثال والحكايات والاشعار الكل يعبر عن بيئته وما يشعر به في تلك البيئة، فهناك بيئة تحتاج إلى أدب مستوحى من البيئة الجبلية أدبه يعبر يغلب عليه البيئة الجبلية ويرمز اليها، هناك البيئة الصحراوية يعبر فيها الأدب على البيئة الصحراوية وغيره، فهناك أشعار تفرضها البيئة كذلك مثل أشعار العلم أو غناوة العلم فهي تحتاج إلى صوت عالي لسمعها البعيد والقريب خاصة عندما يكون مضمونها في الغزل ليسمعها من يتغزل به، وهي من الأشعار البرقاوية الخالصة قد يتفنن في أداءها أشخاص من عدة مكونات شريطة ان يكونوا قد عاشوا في البيئة البرقاوية خاصة الجبلية، ولم يقف الحد عند مثل هذه الأشعار. فعند النظر الى الالغاز في ليبية والتي تعتبر من مقومات الأدب الليبي نجد انها تختلف من مكان الى آخر حيث نجد ان اللغز البرقاوي يختلف عن اللغز الطرابلسي والفزاني وان اللغز العربي والامازيغي والتارقي والتباوي فمثلاً عند الاطلاع على اللغز البرقاوي الذي يقول:-
“متحزمة تحزيم التركي وطبى الطريق وتبكي”
فيه شبه البرقاوي المزمار بامرأة تلف على خصرها قماش مثل ما يفعل الأتراك وتسير على الطريق وتبكي. وهذا البرقاوي قد يكون من اي مكون او اقليم ولد وعاش في البيئة التي اظهر فيها هذا اللغز ورغم ذلك فالبيئة والتي ساهمت في ابراز لهجة معينة هي التي اجبرت ذلك البرقاوي ان يخرج اللغز بهذا الشكل والذي كلماته من اللهجة البرقاوية ومن البيئة البرقاوية والذي اخذ من زي تركي عرف في هذه البيئة عندما كان الاتراك يحكمون هذا الاقليم وهو ربط حزام على الخسر تشبيه لما عليه الة المزمار البرقاوية.
الأدب الليبي بالعربية:
وهو الأدب الذي ابتدعت كلماته من مصطلحات اللغة العربية الفصحى كالقصائد والأشعار والأناشيد العربية والقصص والروايات وهو الأدب الرسمي لليبيا وهي من الهوية الوطنية الليبية أي الهوية السياسية، اضافة الى أنه من أبداع كل المكونات والأقاليم والمدن والأحياء؛ لأنه جاء باللغة الرسمية للدولة الليبية مثل قصيدة (بلد الطيوب) للشاعر علي صدقي عبد القادر والتي التي تتغنى بالوطن، والتي يقول مطلعها:-
بلدي وما بلدي سوى حقق الطيوب
ومواقع الاقدام للشمس اللعوب
أيام كانت طفلة الدنيا الطروب
فالحب والأشعار في بلدي دروب
والياسمين يكاد من له يذوب ولا يتوب “
في بلد الطيوب نجد رائحة الوطن، نجد الكلمات العربية وهي الأخرى تتغنى بالوطن، إضافة إلى أننا نجد كلمات القصيدة خارجة من المصطلحات العربية، وهي تمثل احد مقومات الهوية الوطنية الليبية وقد ساهمت في إثراء الهوية الثقافية الليبية وهي تمثل الادب الليبي المزخرف بكلمات عربية جميلة (10).
وكذلك مثل قصيدة (ليبيا يا نغما في خاطر) للشاعر مصطفى الهنقاري،وهي الأخرى رائعة من روائع الادب الليبي بالعربية، والتي يقول مطلعها:-
“ليبيا يا نغماً في خاطري
بك أشدو رافعاً رأس الإباء
أتغنى باسمك العذب
على مسمع الدنيا وباسم الشهداء “
جاءت كلماتها من مصطلحات اللغة العربية والتي تعتبر احد مقومات الهوية الوطنية الرسمية الليبية،وهي كقصيدة بلد الطيوب وغيرها من القصائد التي قدمت بالكلمات العربية زادت من التنوع الادبي الليبي وكان لها اثر في إثراء الادب الليبي (11).
ونستطيع ان نقول بان هذه القصائد عربية بإحساس ليبي شعبي وقد جاء الإحساس والذي طبع على القصيدة بالطابع الليبي من خلال الأدب الليبي العربي.
الأدب الليبي بالعربية هو الأدب الرسمي لليبيا وهو يمثل مقوم من مقومات الهوية الوطنية السياسية الليبية عكس أدب المكونات سواء كانت عربية أو تباوية أو أمازيغية أو تارقية وغيرها من المكونات سواء كانت افريقية أو أوروبية أو أسيوية. عندما ننظر الى أدب الأقاليم والمناطق والمدن والمكونات الليبية نجد ان هذا الأدب هو جزء من الأدب الليبي ومعظمه مترجم من الآداب التي تكون الأدب الليبي والتي ذكرت فالروايات التي تتحدث في نطاق جغرافي وبيئة تارقية ترجمت احاسيس شخصياتها ولغتهم في الحدث الدرامي الى العربية وهذا هو الحال في بعض روايات الكوني والتي لم تعط الكثير من شخصياته الانطلاق في التعبير واكتف ببعض الاحاسيس والمشاعر، ولم يطرح قضايا البيئة التي يكتب فيها بالشكل الصحيح ربما هو بعده عن هذه البيئة او انه محكوم باعتبارات سياسية أخرى فلم نجده يناقش قضايا مكون الطوارق والذي جل شخصياته والبيئة التي تتحرك فيها شخصياته هي من الطوارق لم نجد من الطوارق الا الصحراء والترفاس وبعض الاسماء وبعض الاساطير التارقية القديمة وتناست هموم الطوارق وقضاياهم المصرية خاصة التي تمس حقوقهم المدنية.
من الأدب الليبي الشعبي الخالص أدب المكونات الليبية الأخرى، وهي تكاد تكون مخفية بسبب وبأسباب كثيرة منها الطمس من الدولة ومنها ما هو من المكون نفسه الذي لم يستطيع إخراجها للساحة من تلك نذكر:-
1- الأدب الليبي التباوي:
هو نوع من أنواع الأدب الليبي وهو شفوي غير مكتوب ظهر من رحم اللغة التباوية، وهو ممتلئ بالمشاعر والكلمات تباوية، نجد ان الأدب التباوي متأثرة ببيئة معينة هي البيئة الصحراوية والجبلية الصحراوية وهو يعتبر جزء من الأدب الليبي، نجد أنه يختلف عن باقي أدب المكونات الأخرى والأحاسيس الصحراوية الجافة التي تفوح منها حرارة الشمس وصقيع الصحراء، كلماته قد تبتعد عن العشق والحب وتعبر عن الشجاعة والبطولة والكرم بسبب العرف الاجتماعي. في الأدب التباوي نجد الأشعار تتميز عن غيرها من أشعار المكونات الليبية الأخرى تعبر عما في جوف قلب الشاعر من عواطف وأحاسيس سواء كانت حزينة أو سعيدة. من الأشعار التباوية ما تغنت بها المرأة التباوية وشكلت أغنية اطلق عليها التبو ” همي ” وهي من الأشعار التي كانت تغنى في الأفراح حيث تغنيها النساء الشابات، وفيها يتم غناء الأشعار العاطفية والغزلية وكثير من هذه الأشعار كانت تمجد الشخص صاحب المناسبة وأجداده، وكذلك هناك أشعار تؤدى في العادة كأغنية وهي أشعار أغنية اطلق عليها ” شالا “، وهي التي تغنيها العجائز في العادة ويتم فيها ذكر أمجاد أجداد صاحب المناسبة ومدحه ومدح إسلافه، وكذلك هناك أشعار تؤدى أغنية يطلق عليها التبو ” دبان ” وهي من الأشعار التي تغنى من قبل الرجال والنساء في الكثير من المناسبات، كان التبو يحبونها كثيراً ويتمتعون بالاستماع إليها والتغني بها كذلك.، ومن الأشعار المشهور التي هي من الادب الليبي التباوي الشعر الذي يقول بالتباوي:-
“يوقا شير دوني برقا قوغو أي ” عندما زرع الشعير صارت مزرعته كأنها برقة
يوقا تيني ديني تازرقوغو عندما زرع النخيل صارت مزرعته كأنها الكفرة
يوقا نماهيي دويني مورشا قوغو ” عندما زرع القصب صارت مزرعته كأنها مورشا “
لقد شبه الشاعر ما زرعه الممدوح من شعير بشعير منطقة برقة في شرق ليبيا على ساحل البحر الأبيض المتوسط حيث اشتهرت برقة في القرون الماضية بوفرة الشعير وكثر إنتاجيته، وشبه ما زرعه الممدوح من نخيل بنخيل مدينة الكفرة في الجنوب الشرقي من ليبيا حيث اشتهرت تازر “الكفرة”، بالنخيل الجيد في الماضي، كما شبه ما زرعه الممدوح من قصب بالقصب الذي تنتجه مدينة مورشا وهي مدينة بتشاد الآن اشتهرت بإنتاجها للقصب، كما كان التبو قديماً يؤدون طقوساً لإنهاء حالة خسوف القمر وكسوف الشمس بغناء اشعارهم حيث كانوا يخرجون في الظلام ويتغنون بأشعار خاصة لمدح القمر أو الشمس في حالة حدوث خسوف أو كسوف وذلك اعتقاداً منهم بأن هذا المديح بالشعر والغناء سوف ينهي الخسوف أو الكسوف، وهم يعتقدون إذا لم يتم الغناء للقمر أو للشمس في حالة الخسوف والكسوف فأن السماء سوف تبقى مظلمة إلى الأبد ويعم الظلام.
الأدب التباوي يجمع الكثير من الأمثال والحكايات والخرافات والاساطير والألغاز والاشعار، وجميعه شفوي يعبر عن المكون التباوي الليبي وهو جزء من الأدب الليبي.
لقد مثل الأدب التباوية احد مقومات الهوية الاجتماعية التباوية والتي تضم في أحضانها الهوية الثقافية التباوية وهي بالتالي جزء من الهوية الاجتماعية الليبية والتي تحوي هي الأخرى الهوية الثقافية الليبية والتي تضم كل الهويات الاجتماعية والثقافية للمكونات والأقاليم والمدن والمناطق والأحياء الليبية الأخرى وكل واحدة من تلك الآداب له خصوصيته تميزه عن غيره وبالتالي فهي تمثل جزء من التنوع الادبي في ليبيا الذي يساهم في إثراء الأدب والهوية الثقافية الليبية عامة.
تعتبر الأساطير والحكايات والخرافات جزء من الادب ومن التراث لأي شعب وفي هذا يقول احد المصادر:-” التراث الشعبي بحر زاخر، بتنوع المكان، ويزداد ثراء مع الزمان، ومن مصادر الدراما في هذا التراث: الأساطير، الحكايات الخرافية، السير الشعبية، الحكايات المرتبطة بالأمثال، الحكايات المرتبطة بالألغاز، المواويل القصصية ” (12).
الحكاية وفق ما جاء في المعجم اللغوي (رائد الطلاب) هي:-
” ما يقص من حادثة حقيقية أو خيالية، كتابة أو شفاها ” (13).
وللأدب التباوي حكاية فكثيراً ما كان التباوي يسرد على أسرته وأصدقائه الحكايات التي حدثت له في الخلاء خاصة من الرعاة والصيادين والمحاربين، من تلك الحكايات حكاية (الكذاب والجمجمة) وهي حكاية تباوية تحكي حكاية شخص كذاب كان كذبه وجمجمة سبباً في قتله. في الحكاية التباوية قد تكون الشخصيات من الحيوانات والطيور المتواجدة بالبيئة التباوية كحكاية (الحمار والهدهد)، حكاية (التيس والأسد)،حكاية (الثعلب والأسد)،حكاية (الأسد والذئب والثعلب)،حكاية (ميثاق الغابة)،حكاية (النصائح الثلاث)، حكاية (حوار المجانين)،حكاية (يوم قتل الشيطان)،وأسطورة (نانادي)،وحكاية (الكذبة التي أعجزت السلطان)،حكاية (المرأة والجمل) وهي لا تختلف عن الحكايات في الآداب الهندية والإغريقية التي جاءت شخصياتها من الحيوانات والطيور وكونت الأدب في تلك الحضارات. كما يمكن أن تكون شخصيات الحكاية بين إنسان وحيوان مثل حكاية (التمساح والرجل) أو بين إنسان وجن مثل حكاية (موشي والشاب والشيخ)، وأسطورة كازوراء موشي والجنية التي تضرب الأطفال وتدخل البيوت بدون أستاذان (14).
الحكاية التباوية هي حكاية هادفة القصد منها إعداد مناهج للتنشئة الاجتماعية للمستهدفين بالتنشئة خاصة الصغار، ليس كل الحكايات التباوية للصغار بل أن أول ما يتداولها الكبار ويتم تهذيبها وإعدادها بشكل يتناسب مع قدرة الصغار في الفهم وهي تمثل جزء من الادب التباوي الليبي خاصة والادب الليبي عامة.
كما هناك ما شكل الادب التباوي الاساطير والتي يعرفها احد المصادر بأنها:- ” هي المسئولة عن ملاحم العالم القديم الإلياذة، الادويسة، جلجاميش، المهابهارتا وهي المسئولة عن معظم المسرحيات اليونانية، وكل المسرحيات الدينية ” (15).
مصطلح الأسطورة وكما يشير عدد من الباحثين هي قصة مقدسة تعمل كدستور للطقوس الدينية وهي فكرة أو مجموعة أفكار يستعملها الأتباع، لكسب طاعة الأتباع، وهي قصة تحفظ منزلة الأفراد أو الجماعات. أسطورة الخلق هي التي تصف العالم والإنسان، الأسطورة الأصل هي الأسطورة التي تصف المجتمع وتكوين مؤسساته المختلفة. وعن الأساطير قيل بأنها حكايات أو تقاليد تحاول تفسير منزلة الإنسان في الكون وطبيعة المجتمع والعلاقة القائمة بين الفرد والعالم الذي يعلمه ويدركه ومعنى الأحداث في الطبيعة وهكذا عرفت الأساطير من قبل الكثير، وللأدب التباوي كذلك اساطير تشكل جزء من تراثه الادبي.
كما عرفت الأسطورة كذلك بأنها:- ” 1- القصة أو الحكاية تمتزج فيها مبتدعات الخيال بالتقاليد الشعبية والواقع. 2- الحديث الذي لا أصل له ” (16).
وأحداث التاريخ المعاصر قد تنقلب إلى أساطير كما حدث للقصيدة الانجلوسكسونية ” معركة مالدون” التي تحكي قصة معركة ضد الدنمركيين عام 991م، كما كنت قصيدة ” بيوولف” (700-1000م) كوثيقة خطية عن ملحمة قديمة تدور أحداثها على قتل التنين غرانديل (17).
الأسطورة حكاية عن شيء بعض شخصياتها غريبة كالعنزة نافته النار والتي قيل بأنها تعبر عن قوة البراكين التي تعيش فيها، من أبطال الأساطير الشهيرة أبو الهول، الفرس المجنح، وسربيرس المثلث الرؤوس، والتنين، والتارأ سكوهو حصان بقرن، والعقاب الآسيوي الأصهب، وجنيات البحر، والقنطورس وهو نصف رجل ونصف حصان جاء في خيالة تساليا المشاهير، الحصان البحري، وحورية الماء، ولاما سو بابل المجنح(18).
الأساطير قيل بأنها تدلي بالأسباب والعلل وتجيب عن سؤالي كيف ولماذا حول الكون. الأسطورة في التراث الادبي التباوي الليبي يغلب عليها طابع الصراع بين الإنسان التباوي البسيط وبين الجن أو موشي الذي يتربص بالتباوي منفرداً وهو في العادة لا يخرج إلا إذا كان التباوي منعزلاً عن أهله في احد الأودية أو في وسط الصحراء، وموشي هذا كان يخرج على هيئة إنسان بملابس إنسان ويتحدث بلسان إنسان وهو شخصية عدوانية يمكنه أن يقطع عشرات الكيلو مترات في لحظات بسيطة حيث قيل بان الجن أو موشي في قديم الزمان تعود أن يزو بعض القبائل بالصحراء الليبية من تلك القبائل كانوا التبو، فقد كان يأتيهم في عديد المناسبات، حيث يحكى بأن فرد من الجن أو موشي كان يقطن بمكان بمنطقة تيبستي يطلقون عليها ” جوبا كأي” طالما صادف أناساً وأفزعهم في الصحراء، وكان يفتخر بذهابه وإيابه من مكانه، فكان يقول:
– إنني امضي من جوبا كأي ثم إلى دوزني قوجي إلى موزي حيث اطبخ قربة لي بدوزني قوجي ثم امضي إلى موزي.
أي أنه يخرج من المكان الذي يعيش فيه في جوبا كأي إلى منطقة دوزني قوجي حيث يشعل النار ويضع قدره لكي يدبغ قربته بعد ذلك يمضي للقاء صديق له من جنسه في موزي (ربيانة)، وهذه المسافة تقدر بعشرات الكيلومترات، يقطعها الإنسان في أيام أما موشي أو الجن يقطعها في لحظات حيث كان يخرج من مكانه في الصباح ويرجع وقت المبيت.
إن الأسطورة تولد ببساطة ثم تنمو تدريجياً وتتطور وهي تتميز بالإعادة والتكرار في الأسلوب فيمكن اختصار الكثير منها في معان بسيطة ؛ لأنها لها تاريخ خاص، وكذلك هي الأسطورة في الأدب التباوي حيث أنها تبدأ ببساطة بحكاية ما أسرع أن تنتشر وتتضخم وتصبح في الأخير أسطورة وهي في العادة تسرد بطرق مختلفة وبأساليب متعددة، كما أنها أي الأسطورة تولد ولا تخلق بل تتطور تدريجياً من حكاية بسيطة، هناك من ربطها بالطقوس، وهناك من ربطها بعادات القبيلة، وهناك من ربطها لمحاولات الإنسان البدائي لاستكشاف الكون المحيط به، كما أشار مالثوفسكي ( عالم الانثروبولوجيا ) الشهير الذي هاجم لجيمس فريزر وكتب “إن الأسطورة تنتمي للعالم الواقعي وتهدف لهدف معين قد نشأت من اجل ترسيخ عادات قبلية معينة أو لتدعيم سيطرة عشيرة ما أو مساندة نظام اجتماعي قائم”(19).
اذن الادب التباوي والذي هو جزء من الادب الليبي غني بالحكايات والاساطير التي تعد جزء من الادب الليبي ككل وهي غير موجودة في الادب الليبي وغير معروفة محلياً واقليمياً ودولياً وهي معرضة للسرقة من ثقافات من خارج ليبيا لتنسبها لنفسها خاصة وانها غير موثقة ومسجلة محلياً واقليمياً ودولياً، بسبب التجاهل.
وكذلك تمثل الخرافة جزء من الادب التباوي الليبي الغير موجودة في خارطة الادب الليبي المكتوب والمعترف به والمشجع للكتابة فيه. قيل بان الخرافة هي:-
” 1- الحديث المضحك المكذوب. 2- في الأدب: قصة قصيرة تسرد حادثة تدور على حياة الحيوانات وألسنتها وتمثل في ثوبها اخرافة.المموه واقعاً انسانياً ” (20).
عن مصطلح الخرافة تقول العرب ” حديث خرافة ” وهو مثل عربي قديم استلهم من قصة شخص اسمه خرافة. خرافة هذا وكما جاء في قصص وحكايات العرب الأولين خرج من حيه لأداء مهمة ما تخصه، وتقول العرب تعمق في الصحراء، وانتظره أهله ليعود فلم يعد حيث مر أسبوع وشهر وسنة وأخرى ولم يعد. تقول العرب بان خرافة هذا رجع ذات يوم بعد سنين من خروجه من حيه. استقبله أهله وأهل حيه. صار يحكي لهم حكايات عن أشخاص لم يروها أو يسمعوا عنها من قبل. كان خرافة قد ضاع في الصحراء وعاش بين جماعة من الجن ولهذا فانه كان يصف أشكالهم وشكل غذاءهم وعاداتهم، إلا أن أهل حيه اعتبروه يهذي وان عقله قد هاجمه الجنون. وهذا مر به التباوي الذي كان يحكي إلى أهل قريته ما كان يحدث له خلال ترحاله.من سفره الذي يتعمق خلاله في الصحراء حيث قد يصادف كائنات غريبة كالجن أو ما يطلق عليه التبو موشي ويحدث معه صراع كأنقري الذي صادف موشي أو الجن في احد الليالي في وادي كانت القوافل لا تتجرأ دخوله ليلاً ؛ لان ذلك يعني ظهور موشي الذي قد يتسبب في إيذائهم واختفاء جمالهم وأحمالها.هذه الحكايات أو الأساطير والخرافات أثرت في التراث الأدبي.
نجد أن الحكاية والأسطورة والخرافة التباوية لا تختلف عن الحكاية العربية والحكاية واليونانية واللتان تهتمان بالأحداث لا بالأبطال وهي تقارب الحكاية العربية لإبرازها الرجل كبطل وكذلك تقارب الحكاية اليونانية القديمة التي تحاول ابراز دور المرأة البطولي (21).
الحكاية والأسطورة والخرافة التباوية أبطالها يتمتعون بالكرم والقوة والشجاعة وهذه الصفات هي سر وجودهم كمكون منذ قبل الميلاد في ليبيا، وهي تهتم بتصوير الأشخاص مع إبراز الصحراء والجمل والجن”موشي ” وبعض الحيوانات البرية. فيها صديق البطل ورفيقه جمله وسلاحه الروحي الذي يطلق عليه التباوي السلاح الروحي للتبو أو المزرى. نهاية الحكاية أو الدراما التباوية القصصية نهاية سعيدة فيها انتصار لبطل أو أبطال الحكاية أو الأسطورة أو الخرافة.الحكاية والأسطورة والخرافة التباوية بها شخصيات غير بشرية تصاحب بطل العمل الدرامي من حيوانات كالجمال، ومن الجن أو موشي.
في مسألة الحب والقدر الذي يطارد بعض الأحيان بعض أبطال القصص من حضارات أخرى مثلما يحدث لقصص ألف ليلة وليلة، والحكايات اليونانية هناك بعض التشابه مع الحكاية والأسطورة والخرافة التباوية في ذلك إلا أن ذلك ليس بالكثرة بحيث تكون القصص الغرامية في الحكاية التباوية نادرة وذلك لعدة أسباب منها النظام الاجتماعي الذي يحكم المجتمع التباوي ؛ ولان ذلك يعد خرقاً للنظم الاجتماعية التباوية التي تحد الزواج في نطاق الأسرة والعائلة والقبيلة حتى الدرجة السابعة لأعتبرهم كأخوة. وهذا التميز في الادب التباوي الليبي يساهم في اثراء الادب الليبي عامة.
وعموما فالأدب التباوي الليبي غير معروف لدى الكثير من الليبيين حتى من أبناء التبو أنفسهم خاصة الذين عاشوا في المدن الساحلية وتعمقوا بالبيئة الساحلية وصارت هي التي تؤثر عليهم إضافة إلى ان الانظمة الحاكمة لم تنظر إليها ولم ترعها أية اهتمام في إجحاف لمقوم من مقومات الهوية التباوية خاصة والليبية عامة لكون الهوية التباوية جزء من الهوية الليبية وادبها هو ادب ليبيا ككل.
2- الأدب التارقي الليبي:
ونأتي إلى أدب ليبي آخر هو الأدب التارقي والذي قال في قصائده وأغانيه نائب فزان العثماني عبد القادر جامي:- ” إن أغنية التوارق اضبط لحناً وأكثر تناسقا من الأغنية البدوية العربية” (22).
من أهم الأشعار التي كانت تغنى به في العادة النسوة في الماضي الأشعار وهي جزء من الأدب التارقي، تقول احد الأشعار:-
” سرنا للدويرات للغزو
قطعنا الفيافي وطرق الصحاري
وجدنا الإبل ترعى في مراعيها
سقناها في اتجاه الوطن
هذه المجازفة قمنا بها من اجل المقيمة في غات… “
نلاحظ بان هذا الشعر قيل أبان كان الغزو مشروعاً في الأعراف القبلية وفي هذا الشعر ملامح من الادب التارقي يصور هذا الشعر لوحة فنية من الإبداع حيث تستطيع ان تشاهد فيه منظر ومشهد جميل يمثل الصحراء وجموع من الفرسان تسير على رمال تلك الصحراء وتقطع مسالك وطرق وتشاهد الإبل ترعى في احد الأودية ثم تشاهد مشهد آخر للفرسان وهم يسوقون الإبل نحو قراهم وهو معرب تعريباً جيداً من التارقية، وطبعاً هذا إبداع الادبي التارقي يساهم في تكوين الادب الليبي ككل إثراء الهوية الثقافية الليبية.
وكذلك من أمثلة الأشعار التارقية، ما جاء في الشعر الذي يقول:-
” موماغبات ” البيضاء كالجبن
ماذا يكون لو عرضها أخوها للدلالين
لكنت ادفع ألف بقرة وألف ناقة مهرا لها
غرام كنوا في صدري
يحرق كطعنة رمح
وأي رمح رمح في يد خصم لدود (23).
ابيات الشعر الأول نلاحظ أنها توضح مدى المعاناة على الحصول على من سيتم الاقتران بها، أما الثاني فهي بها أحساس وشعور رقيق اتجاه من سيتم الاقتران بها، وهذه الأشعار لها أكثر من قرن من الزمان يتطلب توثيقها ليبيا وإقليماً ودولياً للحفاظ عليها وهي من الادب التارقي والأدب الليبي عامة.
نجد ابراهيم الكوني يعرج على الادب التارقي ويدخل حكاية من حكايته لتجميل احد روايته تلك الحكاية هي حكاية تانس واطلانتس وهي شبيه لحكاية من حكايات الادب البرقاوي وهي حكاية نقارش، قام إبراهيم الكوني بتوظيفها في رباعيته الروائية الخسوف في رواية البئر، يقول إبراهيم الكوني في سرده الروائي:- ” كانت تانس مع أخيها اطلانتس ضمن الفتيات الثلاث اللاتي ابتلعهن الخلاء وضعن في الصحراء مع أخواتهن في ذلك الزمان القديم…” (24).
ويضيف قائلا:- ” بحث الأهل عنهن وعن أشقائهن الصغار شهوراً كاملة فلم يعثروا على اثر. عندما يئسوا لملموا خيامهم ورحلوا…” (25).
وتقول الخرافة أو الأسطورة وكما جاء في سرد الكوني:- “.. ولكن الفتيات اهتدين إلى البيوت بصحبة أشقائهن فلم يعثروا إلا على الرماد. فآثار الرحل في الصحراء لا يمكن الاهتدا إليها إلا ببقايا الرماد. جلست الفتيات بين بقايا الرماد يندبن ويبكين أياماً كاملة….” ويضيف في سرده قائلاً: –
” انطلق في الصحراء الهائلة حتى قيد الجوع أرجلهن وأعمى بصرهن فاقترحت اماريس همساً حتى لا يسمع أخواتهن الصغار:
- لم اعد أقوى على المشي، لابد أن نسد رمقنا بشيء. ليس أمامنا إلا نذبح أخوتنا..”
وهذا جاء في خرافة نقارش البرقاوية عندما اقترحت احد الفتيات رفيقات نقارش واللاتي وجدن نجعهن بعد أن هربن من العجوز المتوحشة أو الغولة دمار وأمهاتهن أموات حيث بقرت كل منهن بطن أمها وأخذن ما في بطونهن من مواليد كان جميعهم من الإناث إلا واحد ذكر هو شقيق نقارش.
يضيف إبراهيم الكوني في رواية البئر:- “.. وافقتها تالا، ورفضت تانس. قالت:
- أموت جوعاً ولا اذبح اطلانتس.
عندما هجم الليل قبلته في رأسه، واحتضنته بين ذراعها وحاولت أن تنام عندما سمعت حشرجة مكتومة، نهضت مفزعة فرات اماريس تقف وفي يدها سكين يلمع تحت ضوء القمر فعرفت أنها قد نحرت شقيقها. ثم قامت تالا وتناولت السكين وهمت بنحر شقيقها الذي جثا على ركبتيه أمامها وسمعته يقول متضرعاً: لا تذبحيني. انتظري سوف نبلغ الواحة. ربما أدركنا أهلنا قريباً. سوف نشبع من لحم الغزلان والودان والطيور البرية..”..
وتقول الخرافة أو الأسطورة وحسب ما جاءت في سرد الكوني في رواية البئر:- ” ولكن تالا أسكتته بان وضعت السكين في رقبته فاصدر أنيناً طويلاً أليماً. أسرعت تانس تلتصق باطلانتس وتحيطه بجسدها كأنها تحميه من السكين.. ” (26).
وتستمر خرافة تانس واطلانتس حيث تحاك ضد تانس المؤامرات بعد أن أنقذت وخلصت أخيها من الموت وساهمت في تربيته ووفرت له كل المتطلبات. تتعرض تانس بمكيدة من امرأة كانت تحقد على تانس، وهذا جاء في خرافة نقارش البرقاوية. تقول خرافة تانس وفق ما جاء في سرد الكوني في رواية البئر:- ” فهرع الناس يتقدمهم الأمير إلى الوادي. وخلصوا تانس من أسرها ونجا اطلانتس من حكم الموت. وضع الناس الحكم على المرأة المجرمة في يد تانس فاتت بجوادين يركبهما معتوهان شدت رجل المرأة اليمنى إلى جواد، ورجلها اليسرى إلى الجواد الآخر. وانطلق الجوادان في اتجاهين متعاكسين فتمزقت المرأة إلى نصفين.” (27).
قد يقول الدارسون بان للأدب بان رباعية الكوني هي من الادب الليبي دون ان يشيرون بان يتعمقوا فيها ليجدوا صنوف من الادب التارقي ذكر الكتاب لنوع من الادب التارقي الليبي وهي حكاية تانس واطلانتس وغير ذلك كبعض المفردات والاسماء ومقومات من الهوية التارقية.
ورغم كل ذلك نستطيع ان نقول بان معظم اعمال ابراهيم الكوني مستلهمة من الادب التارقي الليبي بل ان الكوني ترجم الاسطورة والحكاية التارقية الى عربية بل يمكن ان نقول بان اعمال الكوني هي تارقية قد عربت الى العربية.
3- الأدب الامازيغي الليبي:
يعتبر الأدب الامازيغي الليبي جزء لا يتجزأ من الأدب الليبي وهو غير معروفة بشكل واسع في ليبيا إلا من القليل وهؤلاء يتمركزون في نواحي من جبال نفوسة مثل نالوت وفي منطقة ازوارة حيث كان هذا الجزء من الأدب الليبي من ضمن الأدب الذي حجب عنه الإعلام الليبي بشان اهتمامه بقضايا أخرى تخص النظام. من أشهر فروع الادب في الادب الأمازيغي الأشعار الامازيغية التي انتشرت منها ما ظهر بعد 17 فبراير لكل الليبيين مثل اشعار لأغنية ( ازول… ازول ) (سلام إلى الثوار ) وهي بكلمات أمازيغية، وكذلك اشعار أغنية ( اقراولي انغ يقام اخفاون انغ ) ( إلى أم الشهيد ) (28).
ومن الأشعار الامازيغية التي غنيت بالامازيغية نذكر أشعار بعنوان (تاكراولا اللي ) بمعنى الثورة بالعربية يقول مقطع منها:-
” اسفرو ووه اوريختيد ايولتما بمعنى ” الشعر هذا كتبته لأختي
الا توشا تساس اتكروالا اللي عطت كبيدتها للثورة
مميس اسو ديتري كوجنا ولدها اليوم نجم في السماء
ديخساس اكوول يغزا ” وحبه في القلب حفر “
وكذلك المقطع الذي يقول:-
” تكراولي ايترس انغ بمعنى ” التأثر نجمنا
ايقام ايخفاونغ رفع رؤوسنا
اتفسويت اتنلي يا ربيع الحرية
تفويت ناراشن انغ ” شمس شباكنا ودارنا ” (29).
وطبعاً الأدب الأمازيغي سواء كان شعر او حكاية او قصة او امثال أتت من البيئة الريفية الامازيغية خاصة من الجبال الأطلسية التي تمتد إلى المغرب وهي تختلف حسب كل منطقة بسبب اللهجة مثل ما عند أخوتهم من الشلوح وسوس وتاريفيت، وقصائدها في الغالب ارتجالية، وهذه الأشعار عادة تعبر عن الفرح والسرور والسعادة وبعضها يروي جهادهم ضد الغزاة، وقد أشير بان الأدب الامازيغي بعضه متأثر بالأدب الإفريقية خاصة في الاشعار الغنائية. في العادة الأشعار الامازيغية تسرد بالكثير من نواحي حياة وتجارب المجتمع الامازيغي الليبي منها الغزلية ومنها النقدية، تعتمد الأشعار الامازيغية على القصائد الارتجالية، يعد الادب الامازيغي احد مقومات هويتهم الاجتماعية وهي تعبر عن ارثهم الحضاري وبالتالي فهي تساهم في إثراء الادب الليبي ككل والهوية الثقافية الليبية عامة (30).
والادب الليبي الامازيغي هو الاخر من الآداب الليبية المجهولة وغير معروفة من قبل الكثير من الليبيين لنفس الاسباب التي جعلت آداب الاقاليم والمكونات جامدة غير معترف بها رسمياً رغم انها تعد مقوم هام في اثراء الادب الليبي عامة.
لو نظرنا إلى الأشعار الشعبية الامازيغية الليبية نجدها تعبر عن وجدان الامازيغي الليبي بلغته ولهجته التي فرضتها البيئة عليه، وهو يعبر في أشعاره عما يشعر به من إحساس إضافة إلى طريقة إخراجه للكلمات من معجم لغته الامازيغية ولهجته التي جاءت من البيئة التي يعيش فيها فالأمازيغي على الساحل في ازوارة لهجته حتما تختلف عن الامازيغي في الجبل في نالوت أو يفرن أو جادو وغيرها، كل يخرج ما اوحته له بيئته من أفكار والحان ومشاعر وما في مخزونه من الثقافة الامازيغية الليبية التي تتشكل منها الثقافة الليبية عامة وما تكونه من مقومات للهوية الامازيغية الليبية وما تكونه من مقومات الهوية الثقافية الليبية والاجتماعية عامة وهي بالتالي تساهم في إثراء الادب الليبي و الهوية الثقافية الليبية عموماً.
ثالثاً أدب الأقاليم والمدن الليبية
المعروف ان ليبيا تكونت من ثلاث أقاليم وهي طرابلس الغرب في الغرب، وبرقة في الشرق، وفزان في الجنوب وهذه الأقاليم تختلف فيها البيئة والتضاريس وتتنوع، ولهذا نجد لكل منها لهجتها وتعبيرها الذي يناغهم البيئة التي يعيش فيها سكانها بمختلف مكوناتهم وتركيباتهم الاجتماعية، ومن هذا الاختلاف في تنوع البيئة نجد هناك تنوع أدبي وثقافي يساهم في إثراء الادب الليبي والهوية الثقافية الليبية.
ووفق لخارطة البيئة الليبية نستطيع ان نقسم الأدب الليبي حسب الأقاليم وداخل كل إقليم.
1-الأدب الليبي البرقاوي:
تتعدد انواعه ويوجد فيها اختلاف بسيط في اقليم برقة حسب كل مدينة ومنطقة وحتى الأحياء كل يؤلفه بلهجته ومصطلحاته الكلامية الخاصة التي فرضتها البيئة وبما في هذه اللهجة من مصطلحات قد تكون من عدة امم وشعوب وقبائل عاشت في هذه البيئة. والأدب الليبي البرقاوي يتنوع واغلبه بدء شفوياً وهو يتمثل في الحكايات والاساطير والخرافات مثل نقارش وأحميده بن السلطان وغيرها وكذلك هناك أغنية العلم أو غناوة العلم والتي تؤدي بدون الآلات موسيقية في العادة وهي لا تتعد عن سبع كلمات، وهناك ضمة قشة والمجرودة وهي طويلة، والشتاوى وهي قصيرة، وعادة يستخدم فيها ضرب الكفوف يزيد الإحساس بنغماتها، كل هذا من الادب الليبي الحقيقي الذي يعبر عن جزء من المجتمع الليبي.
من أدب الاقاليم والمناطق والمدن والمكونات الليبية برز ادب يمكننا ان نطلق عليه ادب المعتقلات ففي اواخر العشرينات وبداية الثلاثينات من القرن العشرين قامت قوات الاحتلال الايطالي بإقامة معسكرات اعتقال لسكان برقة منها معتقل سلوق والعقيلة وكانت هذه المعتقلات مطوقة ومحاصرة من الخارج بأسلاك شائكة ” الشبردق ” كما يطلقون عليه ومن الداخل نصبت فيها ألاف الخيام لعشرات القبائل المتواجدة في منطقة برقة الحمراء وعدد أخرى من قبائل برقة البيضاء، وقد سميت هذه المعتقلات بأسماء المناطق التي أقيمت فيها فمعتقل سلوق في منطقة سلوق ومعتقل العقيلة في منطقة العقيلة، وكان في كل معتقل شعراء وكان هؤلاء الشعراء يرسمون في أشعارهم حالة أبناء الشعب وذلك في لوحة شعرية بالكلمات العامية واللهجات المختلفة الجميلة فهم يصورون في أشعارهم حالة البؤس والشقاء والاضطهاد الذي يعانيه الشعب من شيوخ وأطفال ونساء، ويصورون كذلك طرق تعذيب النساء وعمليات الشنق الجماعية في المعتقلات حيث يقول احد الشعراء وهو الشاعر الفقية رجب بوحويش وهو من شعراء معتقل العقيلة:-
ما بي مرض غير دار العقيلة وحبس القبيلة
وبعد الجبا من بلاد الوصيلة
مابي مرض غير فقد الرجال فنية المال
وحبسة نساوينا والعيال
والفارس اللي كان يقدع المال نهارت جفيلة
طايع لهم كيف طوع الحليله
طايع لهم كيف الوليه ان كانت خطيه
نرمي الطاعه صباح و عشيه
نشيل في الحطب و الوسخ و الميه معيشه رزيله
مفيت ربنا يفزع يفك النحيله
إلى أخر القصيدة المعروفة والتي تصف معتقل العقيلة والمعتقلين الذين به بكل دقة.
وهذه قصيدة أخرى استلهمت في احد المعتقلات حيث يقول الشاعر:-
بعد مراضها في عفادير بدري شموس و العالم خايب
عفا بغو طالق بهارير نواره مسوي ضبايب
شماريخ روسن بعاثير و هن تقول فلات رايب
اللي تجيه تنساه و تحير ع اللي حذاه لاخر يعايب
و تلقى الخلف فيه الخواوير علي غراه شايل صلايب
تقول فوق منه كوادير غارقات فيه الجنايب
و تلقى فيه هش المواخير تيار ثديها تقول عايب
جشي حنينها في التقاذير على حوارها بالرجايب
نواقيس ضرب النقاقير اجراس فيشطة يوم نايب
يبقن الوانها فيه تصوير تفصيل لونها بالخضايب
البيض كيف قلب الجمامير اللي نشو باثمار طايب “
إلى آخر القصيدة التي يصل فيها إلي الخاتمة بالدعاء وهو تقليد متبع لدي كثير من الشعراء
يقول الشاعر في أخر أبيات القصيدة:-
” و اللي عاد جر المقادير و لكل شي جاعل سبايب
نعن غمامها طل و يطير بعون من رياح الهبايب
و صلاتي بعدها التفكير علي شفيع يوم العتايب “.
ومن الأدب المعتقلي لإقليم برقة كذلك ما جاء على لسان احد الشباب الذين عاشوا قبل الغزو الايطالي حياة شبابية بها المرح والحب والانطلاق نحو حرية الشباب وبعد الغزو الايطالي تم اعتقاله في احد المعتقلات وعانى ما عانه من عذاب، وبعد هزيمة ايطاليا مع ألمانيا في الحرب العالمية الثانية، وسنوات وبينما كان جالسا في بيته إذ بزوجته تدخل عليه متوترة فهم قائلاً:-
” هدي ارمامك عالوطا لا تاوى
لا كابو فيلا و لا بنداوى “
مع ملاحظة أن ” كابو فيلا ” هو المسؤول المكلف بمراقبة المعتقلين، ” البنداوي ” هو احد رجال البندا، وهم جيش من المخبرين سخرهم الايطاليين بجمع الأخبار.
كما نجد شاعراً اخر مما اعتقلوا في احد المعتقلات التي اكثرت ايطاليا من إقامتها، والذي لاقى العذاب فيه مع أفراد قبيلته يقول مناجياً المكلف بمراقبة المعتقلين ” الكابو فيلا “:-
– ” يا كابو فيلا قعدت ابطولك
علي كل اتيقا قسموا مفعولك
قسموا فيلانك… اورب في الوجود
اللي خذا باراتك
يا طول ما سوطت في جاراتك
شر الشبردق يلحقك وايدولك “
وهذا موروث شعبي من الادب البرقاوي الليبي استلهم في احد المعتقلات يقول:-
” يا جاقرما يا بأواع بلول البرمة
يا اللي ما با يستسمى حتى و الغوش دما ياك
اخزي مردك الله لا يدفن يدك امعاك
يا جاقرما يا صواط صبيا عما “
مع ملاحظة أن جاقرما: اسم شخص عديم الأخلاق طاغي……..باواع: أي ينظر….. بلول: الماء الذي زيد به الطبخة التي تصنع في البرمة…..اخزي: يا عديم الأخلاق
يستسمي: يتحشم……. الغوش: النجع……… دماياك: اهلك
وهذا موروث ادبي آخر استلهم في المعتقل يقول:-
” يكهر فيا منعول افريطيعت بيا
حل المست مع الشخشير وحل تكارير البدعيه “
مع ملاحظة أن افريطيعت أي الانف، المست أي حذاء طويل، الشخشير أي الجوارب، تكارير أي الازرار، البدعيه أي الصدرة.
2- الأدب البنغازي الليبي:
وهو نوع من الأدب البرقاوي وقد يكون في أشعار بكلمات اللهجة البنغازية وفق كلمات كانت تتوارد بين سكان مدينة بنغازي، ورددت من سكان بنغازي في الماضي مثل ” الصابر عرجون الفل..الصابري زين على زين”، “يا عين يا ليل بين البركة وسيدي حسين”، كما أبدع شعراء من بنغازي بتقديم كلمات باللهجة والمفردات البنغازية مثل شعر أغنية ” يا ريح هدي مركبي مياله ” والتي يقول مطلعها:-
” يا ريح هدي مركبي مياله
موج البحر داير معاها حاله “
بجاه خالقي بالله ماتزيديها…
هدي.. ما تخلي العدم يطويها…
نين يرجع الريس ويرمي حباله “
ومن الأشعار البنغازية التي ساهمت في إثراء الادب والهوية الثقافية الليبية قصيدة ” سافر مازال ” التي كتبها عبد الحميد الشاعري والتي يقول مطلعها:-
” سافر مازال عينى تريده ,
,حياتي زهيدة,
بعد ناس شالوه لوطانا بعيدة,
وكذلك الشعر البنغازي التي أحيكت كلماتها باللهجة البنغازية على شكل أغنية ” ايش درتلا ” وهي من كلمات السيد بومدين يقول مطلها:
” ايش درتلا جافي قديم الغية
بلا عيب تارك ما يسال عليا ” (31).
وكذلك من الادب البنغازي البرقاوي مما جاء في شعر قصائد احمد رفيق المهدوي والمشهور بإدخال مصطلحات وكلمات بنغازية في بعض قصائده قصيدة يصف فيها بطيخة وهي التي يطلق عليها العديد من الليبيين اسم الدلاعة خاصة البنغازيين:-
ما غرني من شكلها الغريب
الا اخضرار لونها العجيب
كأنها من منبت خصيب
عظيمة تشبه بالتقريب
بطنا لذات الوضع في القريب
دفعت فيها كل ما في جيبي
شريتها من بختي العطيب
للفطر كى تطفيء من لهيبي
وشهوة الصيام عند الشيب
ضعف قد استعصى على التطبيب
وضعتها في الثلج والضريب
من مطلع الشمس الى المغيب
وحينما ظفرت بالحبيب
رشمتها وقلت يا نصيبي
وخفق القلب لدى التقليب
وصار كاليويو من الوجيب
فانفلقت بيضاء كالمشيب
او كبياض البؤبؤ المعيب
او مثل لون البرص المريب
بذورها كالبعر في الحليب
او كاختلاط الملح بالزبيب
حامضة تدعو الى التقطيب
كالشب والحصرم في تركيب
مع ملاحظة ان المقصود الضريب هو الثلج والصقيع، اليويو هو احد لعب الاطفال التي تتحرك اشتهرت في الزمن الذي قيلت فيه القصيدة، والوجيب هو الخفتان.
مع الاشارة الى ورود كلمتين عاميتين الاولى العطيب بمعنى السيء، والرشم بمعنى الثقب، نجد أن هذه القصيدة غير مدرجة في الادب الليبي وغير معترف بها لأنها جاءت بإحساس ومصطلحات من لهجة بنغازية وفي المقابل هناك اهتمام بما الفه بالفصحى حتى وأن كانت لا تعطي علامات اكيدة عن الادب في ليبيا.
إضافة إلى هذه الأشعار كانت قبلها نهضة شعرية جاءت باللهجة البرقاوية لعدة مناطق كالمرج والبيضاء ودرنة وطبرق وبنغازي وظهر شعراء.
نجد في الأشعار النبغازية باللهجة بالبنغازية والإحساس البنغازي والبيئة البنغازية وهي تصور أزقة وشوارع بنغازي القديمة وهي من مقومات الهوية البنغازية وأدبها التي تساهم في إثراء الادب الليبي والهوية الثقافية الليبية.
كما ظهر عدد من الشعراء يهود يألفون اشعارهم باللهجة البرقاوية مثل الشاعر بوحليقة ” أربيب كليمنتي ” وهو من يهود ليبيا والذي من أشهر قصائده قصيدة بالشعر العكنسي يقول مقطعها:-
بيضا لبست زرنقي… جت ترشنقي… حكم ويراطن بغلنقي
بيضا لبست ثوب ازرق… جت ترشق… قدمها دوبه لرض يطلق
تخف اللي عقله واثق… يتم سلنقي… مجروح وجرحه بعشنقي (32).
ومن ضمن الأشعار الليبية ما جاء بإحساس يهودي ليبي كذلك كانت هناك كلمات الشاعر اربيب كليمنتي (بوحليقة) قصيدة (لابس جديد الرنة ) والتي يقول مقطعها:-
” ذبلهن غلا لابس جديد الرنة…. سامرات ما نوم العرب ذاقنة
ما نحسبك تنسيني……….. في قولتك في بوي تسوى عيني
ديني علي دينك ودينك ديني…. نمشي امعاك للنيران دون الجنة “
بمعنى ذبلهن حب الذي يرتدي خلخل جديد اسهرن ما نوم الناس تمتعن به، أنا لم أتوقع ان تنساني من قولك لي في أبي تساوي عيني، ويقصد بمن ذبل العيون وما يحس به. وهو هنا يعبر في شعره عن المعاناة التي تعرضت له حواسه خاصة العيون من تعب في السهر والتي لم تأخذ وقت للنوم مثل كل الناس بسبب النسيان وتجاهل حبه رغم العهد بان لا ينساه حبه (33).
نجد ان مقطع قصيدة ” لا بس جديد الرنة ” لاربيب والذي يقول فيه: ” ديني على دينك ودينك ديني ” يتكرر في الكثير من قصائد الشعر الشعبي الليبي وحتى النبطي في الخليج.
انتشرت الكثير من الاشعار اليهودية باللهجة البرقاوية المرجوية والبنغازية وهي من الأدب البرقاوي الليبي، وكان أشهرها في بنغازي شعر غنائي يقول مطلعه:-
أنت يا غريفة فيك الضي *** وفيك ازويل ايعز علي
بمعنى أنت يا غريفة فيك الضوء وفيك شخص اعتز به وارتح له، فيها مدح للمكان لأنه فيه من يحب ويرتح له.
وآخر يقول مطلعه:- ” يا سيدي عمران الوافي لايم بيني وبين اولافي “
بمعنى يا سيدي عمران الوافي اجمع بيني وبين أحبابي، فيها دعاء بان يجمعه الولي الصالح بمن يحب (34).
وأشير بان دور اليهود في الادب الليبي خاصة في الاشعار الغنائية استمر إلى عام 1967م وقد سبقت شهرت أولئك الكثير(35).
وهناك أدب لمدن أخرى ومناطق برقاوية تختلف آدابها حسب اللهجة كل منها فيها كلمات من لهجة مدينتها أو منطقتها اضافة الى البيئة التي لها دور في ابراز الكثير من المصطلحات مثل الأدب الدرناوي وهو الذي تكون بإحساس ولهجة درناوية وغيره.
3- الأدب الطرابلسي الليبي:
من مصادر وفروع الأدب الليبي الأدب الطرابلسي الذي يتمثل في الأشعار والحكايات والألغاز والأمثال وغيرها من أنواع الأدب. أشتهر هذا الأدب بان مصطلحات كلماته ولهجته بالمصطلحات والكلمات الطرابلسية من البيئة والاحساس الطرابلسي مثل شعر قصيدة (طرابلس يا بر الزهر والحنة) والتي أدتها الفنان التونسية شافية رشدي عام 1949، وبعد استقلال ليبيا صارت (ليبيا يا بر الزهر والحنة )، هذا الأشعار ينبعث منها الإحساس والنغم الراقي الذي يخلق الانتماء إلى الوطن والوطنية وتشعرك بالاعتزاز بالوطن والمجتمع الذي تعيش فيه، تكونت هذه الأشعار من اللهجة الطرابلسية لمدينة طرابلس القديمة وضواحيها، وهي تعبر عن البيئة الطرابلسية، ويعتبر شعر ” يا طرابلس بر الزهر والحنة ” من أشهر الأشعار الطرابلسية والتي تحولت إلى “يا ليبيا يا بر الزهر والحنة “، يقول مطلعها:
” يا ليبيا يا بر الزهر والحنة
يجعلك ترابك من تراب الجنة
يا مجملها
يا زهارها وأشجارها ونخلها
تقولش عروسه زانها محفلها
يا ليبيا من جاء قداك تهنا….”
إلى أخر الأغنية الذي يقول:-
” واهديتلك باشعرباقة فني
ان شاء الله ديمة عليك نغني
شعبك الغالي نال ما يتمنى “
أشعار ادبية تمجد الوطن والمواطن لا غبار عليها ومن ألفها وهو شخص ذاب في الوطن والمواطن وصارت تنسب للوطن ومواطنيه انه لإبداع الذي يذوب في الوطن ويسجل نفسه رغماً عن كل السدود وهي بدون شك ساهمت في إثراء الأدب الطرابلسي خاصة والأدب الليبي عامة وكذلك ساهمت في اثراء الهوية الثقافية الليبية(36).
ومن الأشعار الطرابلسية كذلك نذكر شعر ” القلب ما ينساكم ” وهي من كلمات احمد النويري يقول مطلعها:
يا غاليين القلب ما ينساكم
و يخطر عليا كل يوم غلاكم
وكذلك أشعار ” نفسي عزيزة ما تروم الجافي ” وهي الأدب الطرابلسي القديم يقول مطلعها:
نفسي عزيزة ما تروم الجافى
ما تلين كانش للحبيب الصافي “
نجد هنا مصطلحات من اللهجة الطرابلسية مثل كانش بمعنى إلا وغيره (37).
وكذلك من الأدب الطرابلسي الليبي الشعر ” خسارة راح توارى ” وهي من كلمات احمد الحريري يقول مطلعها:-
خسارة راح توارى
ما قالنا وين ديارة
وكذلك ” الشرشارة ” وهي من شعر محمد حقيق والتي يقول مطلع منها:
جلسة مع الأحباب في الشرشارة
تفرج علي اللي ضايقات افكاره (38).
وكذلك ” يا طرابلس ” وهي من شعر محمد بن لامين والتي يقول مطلع منها:-
” يا طرابلس فيك العزاء و الزفة
و فيك القرنفل فوق حنة كفه
ربي معاك روحي معاك قلبي معاك
يا طرابلس يا مدينة
ياللي وشامك فوق حاجب عينه
من قال بنغازي تغيب علينا
و جنوبنا يشيله الجمل في خفه
ربي معاك روحي معاك قلبي معاك (39).
وأيضا شعر محمد الورفلي ” حبيب خاطري ” والذي يقول مطلع منه:
” حبيب خاطري و القلب راضي عنه
لا يهوني و لا عيب ريته منه ” (40).
وكذلك شعر ” غزالات فاتوا ” وهو للشاعر عبد السلام خزام ويقول مطلع منه:
غزالات فاتـــــــــوا ريتهم بعيونـى
خدوا العقل منى بزينهم سحرونــى
مشوا قدامى
ومن زينهم ما رويت قاعد ضامى
وكذلك العمل الادبي الطرابلسي ” فتنا النخل والديس” التي أعدها احمد الحريري في شعر غنائي عن موروث للشعر الشعبي القديم، وهي تعبر عن البيئة التي خرجت منها حيث هناك علامات ودلالات عن تلك البيئة وهي وجود النخل والديس، يقول مطلعها:
” فتنا النخل و الديس و تعدينا
لحقنا الندم يا ريتنا ولينا ” (41).
نجد في هذه الأشعار الأدب الطرابلسي الذي فيه الكثير من اللهجة الطرابلسية وعند نطلع عليه نحس باطرابلس وبمشاعر الكثير من سكانها، وهي تعد من مقومات الهوية الثقافية الطرابلسية وهي بدون أدنى شك تساهم في إثراء الادب الليبي عامة وايضا تساهم في اثراء الهوية الثقافية الليبية ككل بمقومات جميلة للهوية، إضافة إلى ذلك هناك الأدب السرتاوي والمصراتي والغرياني وغيرها وهي تخرج بلهجات المدن والأحياء، إضافة الى الأدب الطرابلسي هناك الأدب الغدامسي والتي أشير بأنه دائما مصاحب لدورة حياة الإنسان من استقبال مولود إلى الزواج وتجده في الكثير من المناسبات الاجتماعية من أعراس وطهارى وفي المناسبات الدينية وهو لازال يواكب العصر وهو يتمشى مع الصغير والكبير وجميعه يساهم في إثراء الادب الليبي عامة واثراء الهوية الثقافية الليبية عامة (42).
4– الأدب الفزاني:
الأدب الفزاني هو الآخر يمثل البيئة الفزانية ولهجت سكانها وهو كذلك يتفرع منها الأدب المرزوقي والأدب الشاطئي والأدب الغاتي.
5-الأدب المرزوقي:
في مرزق هناك أنواع من كافة انواع وصنوف الأدب الليبي من أمثال وحكايات وقصص وأشعار واللغاز (43).
ومن ضمن الأدب الليبي كذلك الموشحات والتي نظمت على غرار الموشحات الأندلسية وهي في الأساس إسلامية قبل ان تكون عربية أو ليبية فهي وافدة من ضمن اللاجئين الذين أتوا إلى ليبيا بعد سقوط الأندلس حيث جاء ملتصقة بمن نجا من مذابح الإسبان، كما يساهم الأدب للأقاليم والمكونات والمناطق الليبية الجادة والمشتركة بين عدة لهجات داخل وخارج ليبيا في إثراء الادب الليبي وبالتالي يساهم في اثراء الهوية الثقافية الليبية إضافة إلى إثراء الهوية.
في ادب المدن او الاقاليم والمكونات الليبية والذي يمثل الادب الليبي الحقيقي نجد ان كل ادب يبرز بيئته واحاسيس سكانه فعند الاطلاع على شعر مسعود بشون والذي بعنوان (قمري ياما كل ليلة يطلع) نجد ان الكلمات تبرز مصطلحات للهجة البنغازية كما تبرز مناظر للمدينة من زنق وشوارع بنغازي القديمة تعرب عن الهوية الثقافية البنغازية وتفوح منها رائحة مدينة بنغازي القديمة وهو يعتبر جزء من نوع الأدب الليبي.
إذن من خلال ما تقدم نجد ان مجمل الأدب للأقاليم والمكونات والمدن والمناطق والأحياء الليبية تشكل الأدب الليبي الخاص الحقيقي وليس كما يعتقد البعض بان الأدب الليبي هو كل ما ظهر بالعربية الفصحى وتلك الآداب هي كذلك جزء من مقومات الهوية الاجتماعية الليبية والتي تحوي الهوية الثقافية الليبية إذا قلنا بان الهوية الليبية الاجتماعية هي مجموع هويات المكونات والأقاليم والمدن والمناطق والأحياء والتي من جزء مقوماتها الأدب وبالتالي يمكننا ان نعرف الأدب الليبي بأنه مجموع الأدب للأقاليم والمكونات والمدن والمناطق والأحياء في ليبيا وهو يتنوع في اللهجات واللغات.
إذن نستطيع ان نقول بان الأدب الليبي هو تنوع من الآداب الليبية يساهم في إثراء الهوية الثقافية الليبية.
الخلاصة نلاحظ بان للبيئة والمكونات الليبية دور في إبراز مصادر الادب الليبي فاللهجات في الجنوب ليست مثل الشمال والادب في طرابلس ليست كما هو الأدب في بنغازي وكل منها بلهجته ووفق ما في بيئته من أشياء، وان الأدب الليبي تتنوع مصادره وفروعه حسب المكونات والاقاليم التي تكون ليبيا ويتفرع إلى أدب مناطق حيث هناك أدب ليبي بالنكهة التباوية وهناك أدب ليبي بالنكهة التارقية وأدب ليبي بالنكهة البرقاوية وأدب ليبي امازيغي وأدب ليبي اطرابلسي ومرزقي ودرناوي وبنغازي وغدامسي وجفراوي وغيرها، وهذا يساهم في اثراء الأدب الليبي عامة وكذلك اثراء مقومات الهوية الثقافية الليبية ويساهم في التنوع الادبي الثقافي، كما إن تعريف الأدب الليبي يعد صعباً فكل ما تم ذكره من دراسات سابقة لم نجد فيه توضيح للأدب الليبي الخالص.
وأخيراً يتطلب من الباحثين في مجال الادب ان يحاولون تجميع ما كتب والف من ادب الاقاليم والمناطق والمكونات الليبية وتبويبه كل حسب نوعه وبناء أدب الليبي وليس ما نطلق عليه أدب ليبي وهو مترجم من احاسيس ولغات ولهجات عدة. كما يتطلب من المؤسسات التي تعنى بالثقافة والأدب وخاصة مؤسسة الثقافة المتمثلة في وزارة الإعلام والثقافة ان توثق تسجل هذه الأدب وتجمع ما صدر منه في كتب وتسجيلها محلياً وإقليمياً ودولياً في المنظمات ذات العلاقة بالفنون والثقافة مثل اليونسكو والمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم ومنظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة وذلك حتى تضيع مثل هذه الآداب.
من خلال تتبع أدب المكونات والأقاليم والمدن والمناطق والأحياء الليبية نجد ان هناك تنوع في هذا الأدب كل أدب له مميزاته الخاصة به يعرف بها وبهويته من ناحية الكلمات والألفاظ واللغة واللهجة.
رابعاً اسباب غياب الادب الليبي محلياً وعربيا ودولياً
تعددت الاسباب التي حالت دون وصول الأدب الليبي ككل الى كافة المناطق والاقاليم والمكونات الليبية وكذلك الى الناطقين بالعربية في كل مكان والى العالمية للناطقين بغير العربية والتي عادة يكتب بها الأدب الليبي المتكون من عدة آداب.
أ- اسباب غياب الادب الليبي محلياً:
من أهم الأسباب التي غيبت الأدب الليبي عن الليبيين هو عدم اعتراف الدولة الليبية بالأدب الذي شكلته المجتمع الليبي والذي ابدعه شعراء وكتاب وروات اضافة الى الأدب الشفوي للمجتمع الليبي المتنوع والمتكون من عدة آداب محلية ساهمت في تنوع هذا الأدب غير المعروف عند معظم الليبيين، واهتمام الدولة على الأدب المكتوب باللغة الرسمية للدولة. الأدب الليبي لم يوحد ولم يدرج في موسوعة واحدة معرفة به وبمن كونه وشكله، لم نجد الأمثال والخرافات والقصص والاساطير والاشعار الأمازيغية الليبية والتي تمثل الأدب الأمازيغي الليبي وتلك التي تكون الأدب التباوي الليبي والتارقي الليبي والبرقاوي والطرابلسي والفزاني والمرزوقي والتي تمثل ابداع الاقاليم والمكونات الليبية وتدل على البيئة الليبية في الاقاليم والمكونات الليبية. في الدراسات الاكاديمية بالجامعات الليبية نجد ان جل الدراسات الأدبية تجرى على آداب غير ليبية سواء كانت في الشعر او القصة او الرواية او المسرحية وغيره من ألوان الأدب، وحتى وأن كانت هناك دراسات لبعض من الباحثين ليبيين الا انها لم تتعمق في الأدب الليبي وتحاول دراستها دراسة وفق دراسة الآداب العربية. قد يقول البعض بان دراسة مؤلفات ابراهيم الكوني هو دراسة للأدب التارقي الا ان ذلك لم يحدث وليس به ما يذكر الا في بعض مقومات الهوية التارقية غير المعروفة لدى الكثير من القارئ والدارسين والباحثين.
ب- أسباب غياب الأدب الليبي عربياً:
من ضمن ما ابعد غياب الأدب الليبي عن المجتمع العربي هو غياب تشجيع الدولة للكتاب في طبع كتب بعضهم، وعدم دعمهم في المشاركة في معارض الكتب العربية، وعدم اقامة مؤتمرات محلية ودولية أهدافها تعزيز والاهتمام بالأدب الليبي وإبراز هويته والتعريف به، اضافة الى عدم اهتمام الكثير من كتاب السيناريو من أخذ أعمال درامية من قصص وروايات الكتاب الليبيين واعتماد المخرجين والممثلين على ما يستوحونه من أفلام ومسلسلات عربية اجنبية، اضافة الى كتابتهم لأعمالهم بأنفسهم والتي كانت رديه لعدم تقديم الجيد، فعند النظر الى الأعمال الدرامية التليفزيونية الليبية نجدها منسوخة من أعمال غير ليبية حتى وان كان الحوار فيها باللهجة او اللهجات ليبية.
ث- أسباب غياب الادب الليبي عالمياً:
تمثل الترجمة احد انتشار الآداب عالمياً وهو ما يعد معدوماً في ليبيا ولهذا فان الأدب الليبي لم يبرز بشكل واضح عالمياً الا من خلال أعمال بعض الكتاب الرواية مثل بعض أعمال الكوني التي ترجمة الى عدة لغات الا أنها لم تنتشر بشكل كبير وانتشارها محدود لشرائح بسيطة بين بعض النخب الثقافية والأدبية ولكنها غير منتشرة بين عامة الناس عالمياً مثل ما حظيت به أعمال اجنبية مترجمة من والى لغات أخرى مثل أعمال ارنتست همنغواى وفكتر هيجوا وشارلز دكنس وشكسبير وافلاطون وارسطو وشو ودكارت ونجيب محفوظ وغيرهم، اضافة الى اعمال الكوني لم تأت باللغة التارقية وهي تعد ناقصة وهي مترجمة من احاسيس وافكار وبيئة تارقية فقط.
اضافة الى عدم وجود ترجمة قلة الأعمال الدرامية السينمائية والتليفزيونية المأخوذة من الأدب الليبي المكتوب فالأعمال الدرامية الليبية السينمائية والتليفزيونية المترجمة تساهم في انتشار الأدب وهذا ما اظهره فيلم عمر المختار الذي اظهر جزء من البيئة الليبية وجزء من تاريخ ليبيا حتى وأن كان بسيطًا وبه بعض التجاوزات والاخفاقات من ناحية تشويه بعض الشخوص وطمس أخرى.
فالأسطورة البرقاوية التي يطلقون عليها اسم النغاقة لا تقل اهمية عن اسطورة ماري الدموية الانجليزية والتي تحولت الى فيلم سينمائي وهي في نفس الوقت معترف بها بانها جزء من الادب الانجليزي وكل من الاسطورتين مشابه للآخر. اخذت الاسطورة الانجليزية طريقها الى العالمية عندما تم الاهتمام بها، أما الاسطورة البرقاوية الليبية ظلت عند البعض في مخيلاتهم دون ان توثق وتسجل ويتم الاهتمام بها (44).
خامساً أهم التحديات التي تواجه أدب الأقاليم والمكونات:
يعاني أدب الأقاليم والمكونات الليبية والذي مجمله يشكل ويكون الأدب الليبي الحقيقي النابع من وجدان المجتمع الليبي ككل الكثير من المشاكل، من أهم تلك المشاكل الآتي:-
أ-عدم وجود مصادر مكتوبة لها:
بمعنى عدم وجود كتب ومخطوطات مدون فيها ادب الاقاليم والمكونات الليبية من الحكايات والأساطير والخرافات الاشعار والالغاز والأمثال وغيرها من أنواع الدب يعد مشكلة من المشاكل التي تعاني منها أدب الاقاليم والمكونات فوجود مصادر مكتوبة على هيئة كتب ووثائق يعد إثبات لأدب وثقافة امة ويحمي هذا الأدب وهذا الموروث الثقافي من التزوير والسرقة والاندثار. وهذه المشكلة مرت بها الكثير من الأمم مثل الأمة الألمانية حيث يقول أحد المصادر:- ” في البدء، تحدرت أساطير الألمان والسكندينافيين القدماء وملامحهم وأدبهم الشعبي شفهياً عن طريق التلاوة في قاعات مآدب العظماء. كان تدوينها خطياً من الأمور النادرة. وهذا ما يحول دون معرفة تطورها وأصولها بدقة ” (45).
ب-عدم وجود مراكز تهتم بجمع أدب الاقاليم والمكونات:
إن عدم وجود مراكز تهتم بتجميع كافة أنواع الأدب والذي هو تراث وأدب وثقافة امة وشعب يعد مشكلة من المشاكل التي تهدد ادب الاقاليم والمكونات الليبية الذي بمجمله يكون ويشكل الأدب الليبي ؛ لان عدم وجود مثل هذا المراكز سوف يساهم في سرقة هذا الأدب، كما يساهم في اندثار ما الف منه.
ت-عدم اعتراف الدولة بأدب الأقاليم والمكونات:
من المشاكل التي يعاني منها الأدب الليبي الحقيقي عدم نظر الدولة الليبية لهذا الادب والاهتمام به، وعدم الاعتراف به كأدب وثقافة شعب وهذا التجاهل من الدولة الليبية يجعل عدة انواع من هذا الأدب في خطر من حيث الاندثار والسرقة. نجد أن المهتمين بالشأن الأدبي في مؤسسات الدولة خاصة التعليمية تم تركيزهم على الأدب بالفصحى دون العامية، واضافة الى أن الدولة تحاول أن تبعد هذا الأدب عن الساحة الأدبية حيث نجدها تطلق عليه الأدب بالشعبي بالرغم بان الأدب بالفصحى هو الآخر شعبي نابع من احاسيس الشعب وآلامه.
ث-عدم وجود التوثيق:
عدم توثيق لآداب المكونات والاقاليم والمناطق كالحكايات والأساطير والخرافات والامثال والاشعار الشعبية الليبية عامة سواء كان محلياً أو إقليمياً أو دولياً يعد مشكلة من المشاكل التي تواجه الأدب الليبي الحقيقي خاصة الأدب القديم الذي يطلق عليه البحث موروث ؛لأن عدم التوثيق يعني ضياعه سواء بالسرقة أو اندثار ما الف منه.
ج-عدم وجود مؤسسات اكاديمية تعنى بالأدب الليبي:
عدم وجود مؤسسات اكاديمية تعنى بأدب الاقاليم والمدن والمكونات الليبية يعد تحدي يواجه الأدب الليبي الحقيقي.
ح-عدم اهتمام المؤسسات التعليمية والثقافية بالأدب الليبي:
يعد عدم اهتمام المؤسسات التعليمية الجامعية والثقافية بأدب الاقاليم والمدن والمكونات الليبية من احد التحديات التي تواجه الأدب الليبي الحقيقي عكس الأدب الرسمي الذي هو عبارة عن استنساخ قوالب من الأدب العربي ووضع فيه ما كتب بالفصحى مع التلميح في بعض النصوص ببعض العلامات الدالة على البيئة الليبية، فعندما يطلع قارئ على قصيدة عمر المختار لأحمد شوقي وهو لا يعرف شوقي فانه سيقول بان هذه القصيدة من الادب الليبي لأنها باللغة التي تكتب بها القصيدة الليبية اضافة الى انها تعطي علامات من ليبية في بعض المفاهيم والكلمات والاسماء مثل عمر المختار وبرقة.
سادساً النتائج والتوصيات
هذا الكم الهائل من مصادر الأدب في ليبيا لم يوظف بإضافته الى الأدب الليبي والذي يطلق عليه البعض الأدب الرسمي والذي به تشارك ليبيا في المحافل الاقليمية والدولية دون الالتفاف الى أدب الاقاليم والمناطق والمكونات والذي يعد هو الأدب الحقيقي لليبيا ؛ لأنه نابع من صميم البيئة الليبية ومن وجدان ولغة ولهجة المواطن الليبي، أضافة الى أنه أدب غني بكافة انواع الأدب من شعر وحكاية واسطورة وخرافة ولغز وأمثال ليبية حقيقية وليس أمثال مكتسب ومترجمة من شعوب أخرى تعبر عن بيئة تلك الشعوب والذي نجده في الحكايات والاشعار والأمثال. من خلال ما تقدم نجد ان هذا التنوع في الأدب الليبي يساهم في تنوع واثراء الأدب الليبي ويظهر لنا تنوع في الأدب من حيث الأشعار والحكايات والقصة والأمثال وحتى في المصطلحات اللغوية وفي الكلمات، فالأدب البرقاوي والأدب الطرابلسي كل أدب فيهما يختلف عن الأخرى في الكلمات والمصطلحات اللغوية كل يعبر بلهجته وبمفردات كلمات بيئته، وهذا اوجد تنوع في الأدب الليبي يساهم في إثراء الأدب الليبي، كما أنه يساهم في إثراء مقومات الهوية الاجتماعية الليبية. لو انه تم اطلاق العنان للكاتب والشاعر الليبي لامكن ان يقدم افضل مما ابدعه بعشرات المرات الا ان الشاعر والكاتب الليبي ظل سجين توجهات وايديولوجيات الانظمة التي حكمت ليبيا والتي كانت تستبعد الأدب الليبي المستلهم من المكونات والأقاليم الليبية لأسباب سياسية، وهذا جعل الكثير من الكتاب والشعراء في ليبيا من التخوف بالاصطدام مع النظام، خاصة للذين كان يوفر لبعضهم بعض الماديات ولهذا نجدهم بعيدين عن التعبير عما يشكل الأدب الليبي، فلم نجد كاتباً يكتب عن الحياة التي تعيشها المكونات من قضايا اجتماعية حياتية خاصة الصحراوية، لم نجد الكوني يكتب عن القضايا الحقيقية للمجتمع التارقي الداخلي لم نجده يعطي الكثير عما تملكه الثقافة والحضارة التارقية الا لأشياء بسيطة وكأنه قد حدد له ان يكتب عند شيء معين ويتوقف، لم يكتب عن الحياة اليومية الحديثة التي يعيشها الانسان التارقي الليبي المعاصر من سوء الخدمات والتهميش وما ينطبق على الكوني ينطبق على عدد كبير من الشعراء والكتاب في كافة المكونات، الذين نسوا أن الأدب الليبي هو أدب واسع تمثله كافة الاقاليم والمناطق والمكونات. ومن خلال ما تقدم فان الدراسة استنتجت عدة تحديات ونتائج وقدمت لها عدد من الحلول من خلال عدد من التوصيات.
النتائج:
من خلال الدراسة اتضح الآتي:-
- إن الأدب بالفصحى حقيقة لا يبرز الأدب الليبي الحقيقي وانما يبرز جزء بسيط جداً وبعضه متصنع مصنوع ومركب من كلمات ربما انتقاءها الكاتب او الشاعر انتقاءا دون ان يخرج من احاسيسه ومن مصطلحات وكلمات ومفاهيم بيئته ولغته.
- إن أدب الأقاليم والمكونات الليبية هو ما يمكننا ان نطلق عليه ادب ليبي شامل وحقيقي لأنه يحتوي على جميع الآداب التي تمثل وتشكل الأقاليم والمكونات الليبية.
- عدم وجود المقومات التي تشكل الأدب الليبي في أدب ليبي موحد.
- الأدب الليبي غني بالفروع الأدبية المختلفة التي بالإمكان ان يكون أدبها عالمياً حيث لديها ما يضاهي الأدب دول أخرى خاصة انه يحوي آداب عدة شعوب وامم تكون ليبيا اضافة الى شعوب وامم عاشت واندثرت كالإغريق والرمان وغيرها.
- إن إهمال مقومات الأدب الليبي ككل للمكونات التي تشكل ليبيا سوف يؤدي إلى إضعاف الوطنية ويفكك الدولة ويساهم بالتالي في قلة المخزون الثقافي للهوية الثقافية الليبية والأدب الليبي.
- إن الأدب الليبي يعيش في مرحلة جمود ويتعرض لتهديد من الثقافات الخارجية سواء كانت إقليمية أو دولية ؛لأن الأدب الليبي حقيقة غير واضحة، والبارز منه شيء بسيط خاصة بعد أن صارت تهمش بعض مقومات الهوية نتيجة ظروف طبيعية، وهذا له تأثير سلبي على الأدب الليبي.
- إن التنوع الثقافي الأدبي في ليبيا يساهم في تنوع الأدب الليبي وبالتالي يساهم في إثراء الهوية الثقافية الليبية والأدب الليبي.
- إن الأشعار الشعبية الليبية غير معروفة المعالم بسبب الكم الهائل من الأدب الليبي.
- إن الأدب الليبي معظمه يعبر عن المكونات والأقاليم والمدن والمناطق والأحياء الليبية غير معروف عند معظم الليبيين.
- إن الأدب الليبي يسبح في الفضاء الثقافي دون تأمين وحراسة قانونية ولهذا فأنه يواكب العصر بدون سند قانوني يحمي هويتها.
- إن الأدب الليبي ما هو إلا مجموع ما تمتلكه الأقاليم والمكونات والمدن والأحياء الليبية من آداب.
- إن الأدب الليبي حقيقة لم يعرف ويصنف بالشكل المطلوب.
- إن الأدب الليبي هو مزيج وتشابك من الأدب الشعبي للأقاليم والمكونات والمدن والمناطق والأحياء الليبية.
- إن الأدب الليبي باللغة العربية هو ليبي يتمشى مع الهوية السياسية للدولة الليبية التي تعد اللغة العربية لغة الدولة وما يريده النظام.
التوصيات:
عليه ومن خلال ما ظهر من تحديات ونتائج فان الدراسة توصي بالاتي:-
- يتطلب أن يتم الاعتراف بأدب المكونات والاقاليم والمناطق والمدن الليبية كافة.
- ضرورة ان يتم حصر وتوثيق أدب الأقاليم والمكونات الليبية وتسجيلها محلياً وإقليمياً ودولياً.
- إقامة مهرجان سنوي لشتى فروع الأدب الليبي والتي تمثل كل الأقاليم والمكونات الليبية.
- إقامة مؤتمرات محلية ودولية باستمرار من اجل تحديد وتصنيف الأدب الليبي ترجمته.
- ضرورة ان يتم وضع ضوابط وشروط لإبراز الأدب الليبي لكافة الأقاليم والمكونات.
- ان يتم تأسيس لجنة للأمن الثقافي يكون من مهامها حماية الموروث الثقافي الليبي ككل بما فيه الأدب الشعبي الليبي.
- ضرورة ان تعمل وزارة الثقافة على اصدار معاجم لغوية لمفردات اللغات واللهجات الليبية كمرحلة اولى في ابراز الادب الليبي.
- ضرورة الاهتمام بكافة المكونات الليبية وتجميع تاريخها وامثالها واشعارها وحكاياتها واساطيرها وخرافاتها وتدوينها ضمن الادب الليبي وتسجيلها وتوثيقها محلياً وإقليميا ودولياً والتعريف به ؛ لأن الأدب الليبي ناقص وغير واضح والوجه الظاهر من الادب الليبي هو أجزاء من الأدب العربي التي جلها ممسوخة بالآداب الواردة من الخارج خاصة في ظل العولمة وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي والقنوات الفضائية.
- ضرورة تدريس ادب كل المكونات الليبية في مدارس المراحل المختلفة من الابتدائي إلى الجامعة على اساس انه الأدب الليبي عامةً.
- كما يتطلب من المفكرين والمثقفين والباحثين وأساتذة الجامعات أن يتعمقوا في دراسة أدب المكونات الليبية وتاريخها والتي تعتبر مجتمعة هي التي تشكل وتكون الأدب الليبي خالصاً والهوية الليبية؛ لأن غض النظر عن أي أدب من آداب المكونات الليبية يعتبر ظلم ومحاولة طمس وإخفاء تاريخ وحضارة ذلك المكون إضافة إلى أن ذلك سوف يؤثر على الهوية الثقافية الليبية وعلى الوطنية.
الهوامش
- جبران مسعود، رائد الطلاب، بيروت – لبنان: دار العلم للملايين، ط1، 1967، ص 48.
- محمد التونجي، المعجم المفصل في الادب، بيروت – لبنان: دار الكتب العلمية، ط2،1999/ ص48.
- الأدب الشعبي: الماهية والموضوع،. https://www.folkculturebh.org/ar/index.php?issue=30&page=showarticle&id=561، اطلع عليه 9/8/2022.
- أدب عربي،https://ar.wikipedia>org/wiki، اطلع عليه بتاريخ 8/8/2022.
- خليفة التليسي، رحلة عبر الكلمات، طرابلس – ليبيا: الشركة العامة للنشر والتوزيع والاعلان ط2، 1979، ص، ص 65، 66.
- المرجع السابق، ص247.
- المرجع السابق، ص249.
- احمد محمد عاشور راكس، مدخل الى اعلام عربي ليبي، طرابلس – ليبيا: دار الفرجاني، ط2، 1975،ص 14.
- خليفة التليسي، مرجع سابق، ص251.
- https://www.youtube.com/watch?v=GXjcbSpjYDA7، اطلع عليه بتاريخ 21/5/2021.
- 11- ” ليبيا يا نغما في خاطري “،(12/3/2012)، http://layaley-alwatan.blogspot.com/2012/03/blog-post_3513.html
- محمد السيد عيد , (2008). كيف تكتب السيناريو ؟. مطابع أخبار اليوم، القاهرة، مصر، ص67.
- جبران مسعود، (1967)، رائد الطلاب، ط1، دار العلم للملايين، بيروت، لبنان، ص 375.
- بركة احمد بركة، ( ابريل 2015) ” أسطورة كازوراء موشي “، مجلة تبو، العدد السادس، مركز الدراسات التباوية، ص 20.
- محمد السيد عيد، مرجع سابق، ص 97.
- جبران مسعود، مرجع سابق، ص 84.
- مجموعة أساتذة، (1974)، مسيرة الحضارة، مجلد ثان، المجموعة الثانية 4، الشركة العامة للنشر والتوزيع والإعلان، طرابلس، ليبيا، ص89.
- محمد السيد عيد، مرجع سابق، ص، ص 36، 37.
- مجموعة أساتذة، (1974)، مسيرة الحضارة، مجلد ثان، المجموعة الثانية 4، الشركة العامة للنشر والتوزيع والإعلان، طرابلس، ليبيا، ص 88.
- جبران مسعود، مرجع سابق، ص 396.
- احسان عباس، (1977)، ملامح يونانية في الأدب العربي، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، لبنان، ص183.
- عبد القادر جامي، (1974)، من طرابلس الغرب إلى الصحراء الكبرى، ط1، ترجمة محمد الأسطى، دار المصراتي، طرابلس، ليبيا، ص 182.
- المرجع السابق، ص184.
- إبراهيم الكوني،الجزء الأول من رباعية الخسوف البئر،(قبرص: تاسلي للنشر والإعلام، ط2، 1991)، ص460.
- المرجع السابق، ص 461.
- 26- المرجع السابق، ص470.
- المرجع السابق، ص520.
- 20/2/2012 https://www.sama3y.net/forum/archive/index.php/t-95181.html، اطلع عليه بتاريخ 13/5/2021.
- https://www.facebook.com/LionsZuwara/posts/172393509514584، اطلع عليه بتاريخ 12/5/2021.
- 30- “هل سمعت هذا اللون من الموسيقى ؟ تعرف إلى الأغنية الامازيغية “، http://www.hafryat.com/ar/blog/?language content entity=ar، 13/5/2021.
- https://www.youtube.com/watch?v=Eg99PLrV6UM&feature=youtu.be، اطلع عليه بتاريخ 14/5/2021.
- https://ttsaadtt.yoo7.com/t8-topic، اطلع عليه بتاريخ 20/5/2021.
- https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=413681، اطلع عليه بتاريخ 13/5/2021.
- المرجع السابق.
- المرجع السابق.
- 36- . https://www.facebook.com/100009828886219/videos/409196096084683، اطلع عليه بتاريخ 30/4/2021.
- https://www.youtube.com/watch?v=MtPbXUaR0yA&feature=youtu.be، اطلع عليه بتاريخ 10/5/2021.
- https://www.youtube.com/watch?v=vVpNqMjhDQI، اطلع عليه بتاريخ 28/4/2021.
- https://www.youtube.com/watch?v=0OB5KFDJheo&feature=youtu.be، اطلع عليه بتاريخ 16/5/2021.
- https://www.youtube.com/watch?v=A-f0KIn2ETY&feature=youtu.be، اطلع عليه 17/5/2021.
- https://www.youtube.com/watch?v=ncz5Tr1dnww&feature=youtu.be، اطلع عليه بتاريخ 12/5/2021.
- ابو دربالة، رمضان العجيلي، مشرف، عباس سليمان السباعي، الأغنية الشعبية في منطقة غدامس ـ ليبيا: دراسة تحليلية في الموروث الموسيقي” أبودرباله, رمضان العجيلي; مشرف، عباس سليمان السباعي،1/1/2009، http://repository.sustech.edu/handle/123456789/6228، اطلع عليه بتاريخ 15/5/2021.
- عبد القادر جامي، مرجع سابق، ص، ص 126، 127.
- 44- “ماري_الدموية_(أسطورة) “، https://ar.wikipedia.org/wiki/، تاريخ الاطلاع عليه بتاريخ 30/8/2021
- محمد السيد عيد , مرجع سابق، ص97.