قصة

سوق الجمعة

من أعمال التشكيلي عبدالرحمن الزوي

1

تجلت الشمس معلنة بدء نهار آخر.. اتضحت معالم السوق في طرف المدينة.. وانتعشت أوصاله بحركة القادمين.. حملت الكواهل كل ما يمكن حمله.. أفرغت البضائع من مؤخرات السيارات.. ودائرة الزحام بدأت تزداد اتساعاً.

أصوات الباعة تتصاعد (أقربوا يا شراية.. القطعة بدينار)..

(فرحوا العويلة البدلة بدينارين بس..) مزاد يفتتح حول قطع أثاث قديمة.. مساومات.. تحايل على الأسعار.. ثمة أكشاك متنقلة تناثرت لبيع المرطبات.. أكتاف تتزاحم.. عيون شاخصة تمسح المكان بفضول.. مواد غذائية.. كتب ومجلات اصفرت أوراقها..

قطع غيار تسرب إليها الصدأ.. مفروشات انسلت بعض خيوطها.. مواد كهربائية.. ثلاجات وأفران مستهلكة.. صحون هوائية.

في الجانب الآخر أقيمت بورصة الخبز اليابس.. تتكدس أكياس الدقيق المرصوصة بقطع خبز يابسة.. يتجمع (موالة السعي).. وتجري مجادلات حول الأسعار.

يتقدم (بوشوال) بسيارة تنفث سحائب دخان أبيض.. ينتحي جانباً من السوق.. ترجل وفتح الباب الخلفي لعرض بضاعته.. فرك يديده.. تفحص المكان والوجوه.. وشرع ينادي بصوت جهوري:

(أقربوا يا شراية.. افتحوا الباب..).

2

على مسمع من أذن الليل قالت (نوارة) توصي بعلها (بو شوال) قبل أن يهجع إلى فراشه:

(عمران ما عندش سروال يمشي بيه للمدرسة.. ونجية تبي كندرة جديدة.. وسالم يبي بدلة رياضة وكاويش.. بيش بكرة اتجيب لهم كراسات وأقلام..)

3

تجمع سماسرة السوق حول (بو شوال).. يفتتح المزاد.. تبدأ المزايدات.. وبعض الوجوه تنم عن خبث مبطن.. تتصاعد الأصوات.. نداءات باعة.. ثغاء خرفان.. نباح كلاب.. صياح ديكة.. يزداد المكان صخباً بموسيقى الأغاني الشعبية وأغاني الفيديو كليب المنبعثة من أجهزة التسجيل.

استمرت المزايدات.. وقرص الشمس يزداد توهجاً.. استجمع (بو شوال) كل ما لديه من فطنه وذكاء.. تزايدت دائرة الوجوه حوله..

– قال الرجل ذو النظارة الشمسية:

خمسون دينار.. وصمت برهة.. توقفت المزايدات 

4

(راك تنسى اتجيب معاك خضرة.. الثلاجة فاضية.. والصغير يبي كوافيل وحليب.. وجيب امعاك دجاجة للغدا.. انسيت ما قلت لكش البارح)

– أردفت (نوارة) توصي (بو شوال) قبل خروجه من المنزل.

5

لحظات أعلنت فيها حواسه حالة الاستنفار.. وفي نفسه موجتان من قبول وتردد.. مسح الوجوه المحيطة به..

– ردد الرجل ذو النظارة الشمسية: خمسون دينار

لم يزايد أحد.. أعلن (بو شوال) موافقته.. وقبض الثمن.

6

وسط غابة الأجساد.. شوهد (بو شوال) يتحسس جيوبه الخاوية.. وحبات العرق تتقاطر من أعلى جبهته لتستقر عند ذقنه.. كان أثر موسى حلاقة قد أحدث شقاً في جيب سترته.

مقالات ذات علاقة

حضن شاغر

المشرف العام

قصص قصيرة

غالية الذرعاني

حالة انتظار

عزة المقهور

اترك تعليق