طيوب عربية

حوار شفيف مع الفنانة التشكيلية إيمان عبوبي

الفنانة التشكيلية إيمان عبوبي – تازة -المغرب – واحدة من أمهر رسامي البورتريه ولها قدرة بالغة في محاكاة الصورة الواقعية ونقلها بشكل دقيق حتى تصبح طبق الأصل.

أعد الحوار وقدم له: عزيز باكوش | المغرب

فن البورتريه، مجال شاسع وإقليم الأكثر رحابة للاطلاع على أبرز محطات نظرة الإنسان إلى ذاته وإلى الآخرين على مر العصور.  نظرة صقيلة تتسم بالجمال والجاذبية، تشد الروح بأدق التفاصيل.  ترسم وجوها كونية، أكانوا شعراء أو ملوكا كتابا أو علماء، فلاسفة أو سيدات مجتمع. نظرة إنسية محاكية إلى الواقف أمامها، تتسم بالجمال، تتطور وتزدهر من عهد الإغريق مرورا بالعصور الوسطى حتى القرن الواحد والعشرين. لوحات ورسوم لفراعنة مصر أباطرة الصين قياصرة من روسيا والصين والأناضول وبلاد فارس وجزيرة العرب. ويمكن أن نجد من بين هذه الملامح فنانين كتابا وأدباء وفلاسفة وعلماء وأطفالا.. إنه فن البورتريه بمعناه الأولي، فن الرسم والنحت والتصوير وتخليد كل أثر جميل. 

تعتبر الفنانة التشكيلية إيمان عبوبي -تازة -المغرب – واحدة من أمهر رسامي البورتريه في الحاضرة التازية. وليس غريبا ولا مفاجئا أن تتصدر رسوماتها الصقيلة ولوحاتها الدقيقة الملامح مختلف السهرات وحفلات التكريمات بمسرح تازة العليا وغيره من الفضاءات. لأنها صقلت هذه الموهبة بالتجريب والممارسة وبالدراسة العلمية والمواكبة اللصيقة للأنترنيت بخصوص مستجدات هذا النوع من الفنون الجميلة منذ ما قبل الميلاد مرورا بحضارة الرافدين والحضارة الفرعونية والرومانية والإسلام حتى القرن 21. وتعتبر والدتها من أقوى الداعمين والمشجعين لتجربتها الفنية، ما يمنحها القدرة على الاستمرار والابتكار في عوالم مدهشة. إيمان عبوبي تستحضر بكبرياء الدور الداعم والمشجع الذي لعبه أصدقاؤها المبدعون والفنانون بالحاضرة التازية. وتخص بالذكر هنا ثلة من الفنانين التشكيليين الكبار مصطفى الزوين والفنان العالمي أحمد قريفلة، والناقد الفني الدكتور بوجمعة العوفي، الدكتور فؤاد البهلاوي، صلاح الطيبي، محمد شهيد، ومصمم الديكور عادل الزبادي الذين تستشيرهم في كل أعمالها، ولولا دعمهم جميعا ووقوفهم بجانبها، لما استطاعت الوصول إلى ما هي عليه اليوم.

التقيت إيمان عبوبي الحاصلة على شهادة الماستر جغرافيا تخصص بيئة بجامعة سيدي محمد بن عبد الله سايس فاس. والطالبة الباحثة في سلك الدكتوراه بكلية ظهر المهراز فاس. وأجريت معها الحوار التالي:

1.متى وكيف تسللت إيمان عبوبي إلى عالم البورتريه؟

مند طفولتي كنت أميل إلى رسم ملامح الوجوه من وحي الخيال، بعد ذلك حاولت نقل هذه التجربة من الخيال إلى الواقع بمحاولة رسم وجوه وملامح لأشخاص حقيقية، وبحثا عن صقل هذه الموهبة بشكل دقيق ذهبت أبحث عن مختلف التقنيات والأدوات التي يستعملها المتخصصون في هذا النوع من الفن وذلك عن طريق شبكة الأنترنت، حينها تدرجت من مستوى مبتدأ إلى مستوى أفضل في سبيل البحث في أغوار وخبايا هذا الفن. وأستطيع القول إن شغفي الأول هو رسم الوجوه والشخصيات “البورتريه” بالإضافة إلى مجموعة من اللوحات الفنية بالصباغة “الزيتية”و “الأكرليك”. ومشاركة ومؤطرة لورشات فنية وحاضرة ضمن لجن تحكيم في العديد من المهرجانات الوطنية والدولية. 

2. أصبح البورتريه ملازما للمناسبات وحفلات التكريمات، هل هكذا كان في بداية نشأته؟

بعد تمكني من مجموعة من الأدوات والتقنيات المستعملة في رسم البورتريه. بدأت أشارك بعض أعمالي على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، ونظرا للإعجاب الذي نالته هذه الأعمال من طرف فئة عريضة من الناس منهم أصدقاء ومتخصصين في هذا الفن، حينها بدأت أتلقى عروضا في رسم مجموعة من البورتريهات وخصوصا الشخصيات التي يتم تكريمها في بعض المحافل والمهرجانات.

3. بمن تأثرت في هذا الصنف من الفنون التشكيلية؟

من خلال تتبعي لأعمال مجموعة من الفنانين خاصة الأوربيين منهم عبر صفحات الأنترنت بدأت أتأثر بشكل كبير بالتقنيات الخاصة التي يستعملها هؤلاء الفنانين في أعمالهم، على سبيل المثال لا الحصرSelvie Mahdal, Kristina Branisheuskay, Charles Laveso…

4.كيف تقرئين راهن فن البورتريه بالمغرب؟

فن البورتريه في المغرب عرف قفزة مهمة وذلك من خلال ما أصبحنا نشاهده عبر وسائل التواصل الاجتماعي منها وباقي وسائل الإعلام الأخرى (المرئية، المسموعة والمقروءة). وهذا ما لامسته من خلال علاقتي مع مجموعة من الأصدقاء والزملاء الذين لديهم نفس التوجه وبذلك أصبحت دائرة هذا الفن تتوسع يوما بعد يوم.

5. كيف يحضر فن البورتريه كجنس له ميزة خاصة في المنظومة الإعلامية الوطنية وفي معاهد الفنون؟ وماهي أنواعه؟

بدأ فن البورتريه يفرض نفسه ويأخذ مكانة وحيزا في المنظومة الإعلامية الوطنية من خلال ما نشاهده في بعض الروبورتاجات واللقاءات مع فنانين يمارسون هذا الفن عبر مختلف وسائل الإعلام. وفي هذا الباب فقد سبق لي أن قمت بمجموعة من اللقاءات عبر بعض الجرائد. أما فيما يخص معاهد الفنون فهو مدرج ضمن باقي المواد التي تدرس. وحسب الأدوات والتقنيات التي يستعملها الفنان تختلف طريقة رسم البورتريه لتعطي مجموعة من الأنواع منها: البورتريه الشخصي أي أن الفنان يرسم نفسه بنفسه أسسه الفنان “ألبرخت دورر”، هناك نوع اخر أسسه الفنان “كازمير ماليفتش” عرف بمزج البورتريه بمربعات ومستطيلات وخطوط هندسية، هناك أيضا البورتريهات الحائطية الكبيرة اشتهر بهذا النوع الفنان “ميكيلا نجيلو”…

6. ما علامات التفوق والنجاح في هذا الفن الراقي جدا؟

علامات التفوق والنجاح في هذا الفن تعتمد على مدى قدرة الفنان في محاكاة الصورة الواقعية ونقل بشكل دقيق لمختلف تفاصيل الصورة الأم حتى تصبح طبق الأصل.

7.هناك تطبيقات وبرمجيات تشتغل على بروفايل الأشخاص بمؤثرات تقنية كيف تقرئين هذا المحاكاة؟

لعل من أهم مظاهر الثورة التقنية والتكنولوجية وآثاره الهائل على شتى المجالات ومن ضمنها الميدان الفني هو اقتحام الفن المعاصر لعالم التقنية أو اكتساح هذا الأخير لعالم الفن وبدوره عرف فن البورتريه هذا الاقتحام من خلال مجموعة من البرمجيات التي تحاكي فن الصورة و البورتريه بل أن بعض شركات إنتاج الحواسيب والبرمجيات مثل Microsoft أنتجت مؤخرا حاسوب مطور يتوفر على برمجيات خاصة بفن الرسم. ولعل من أبرز المخلفات التي أحدثها اقتحام هذه البرمجيات عالم الفن ومن بينها فن البورتريه هو إحداث شرخ بين الفن الكلاسيكي وما آلة إليه بعد دخول التكنولوجيا هذا الفن حتى امتزج الجمالي باللاجمالي وانصهر الفن باللافن وبالتالي لم يعد التمييز ممكن بين الأصيل والهجين والمستنسخ.

8. يرى الكثيرون إلى فن البورتريه باعتباره أحد الفنون المعقدة لكونها تعتمد بالأساس على ملامح الوجه وقسماته؟

البورتريه (portrait) هي كلمة أصلها فرنسي و تستخدم للتعبير عن تصوير وجوه الأشخاص و هدفها هو إظهار ملامح الوجه و تعبيراته، كان “بول سيزان” يقول: “إن ذروة الفن كله في رسم الوجه البشري”، لذلك كان التشكيليون يتهيبون من رسم البورتريه، للتعقيدات الملازمة لهذا الفن و أعتقد أن صعوبة رسم البورتريه تكمن في مدى قدرة الفنان في إبراز هذه الملامح و التعبيرات التي توحي بها الصورة بشكل دقيق، فتشابه البورتريه مع الصورة الأصل واحد من الشروط الأساسية لرسم البورتريه و إبداع الفنان يبرز بشكل دقيق في إعطاء دينامية و حيوية و دقة تجعل من الصورة تبعث بمشاعر تعكس صاحب الصورة.

إذن الصورة الفنية هي منتوج إبداعي يوظف فيها الفنان كل إمكاناته الإبداعية تعكس كل أشكالها التعبيرية. فهي تمثل في الأخير ذاتية الفنان الذي أنجزها من جهة وإرضاء صاحبها من جهة تانية، خاصة وأن الصورة الشخصية يتم إنجازها بواسطة وسيلة وحيدة وهي قلم الرصاص بعيدا عن الألوان، لتجعل من خطوط هذا الأخير حاملا سحرا لتقاسيم الوجه، وطبعا كلما ازدادت مهارات الفنان زادت دقة رسمه باحثا عن الشخص المقصود الكامن في الصورة الأم مستعملا كل مهاراته وموهبته اللتين يستنبط بواسطتهما الملامح الأساسية المقصودة بأسلوبه الخاص وقناعته الجمالية.

9.حفزت قصص الإنجيل والأساطير الكونية المشتركة على رسم الوجوه “بورتريهات ” بما في ذلك السيدة مريم العذراء والسيد المسيح مباشرة وبوضوح برأيك لماذا تأخرنا كعرب في ركوب هذه الموجة؟

البدايات الأولى لفن البورتريه تعود إلى الألفية الثالثة قبل الميلاد في بلاد مصر الفرعونية، ثم بعد ذلك ظهرت في حضارة بلاد الرافدين التماثيل البشرية الحجرية والخشبية وكذا البورتريه بهدف التوثيق للأحداث والشخصيات المهمة، أما عند الإغريق فقد حضر البورتريه بقوة مند الألف الأولى قبل الميلاد وكانت حريتهم في التعبير أوسع مما كان حالها في مصر، وشمل على وجه الخصوص الفلاسفة والكتاب الكبار والشعراء. كما عرفت الصين القديمة شيئا من هذا الفن خاصة فيما يتعلق برسم الإمبراطور. وبالنسبة لصورة مريم العذراء وعيسى عليه السلام فهناك من ينسبها إلى القديس “لوقا” وهو من تلاميذ المسيح والذي كان قد عرف عنه بأنه رسام ماهر. أما بخصوص تأخر فن البورتريه عند العرب والمسلمين فربما يعود ذلك لدوافع دينية بالأساس فالإسلام يحضر تصوير البشر أو الحيوانات، لذلك لا توجد منحوتات ذات دافع ديني داخل الثقافة الإسلامية. ولكن بعد انفتاح الحضارة الإسلامية على باقي الحضارات الإنسانية وخاصة الحضارة اليونانية في شتى الميادين بما في ذلك الجانب الفني، مما شجع المسلمين في التعاطي لهذا الفن.

10. يرجع المؤرخون تاريخ ظهور فن تصوير الوجه أو “البورتريه” إلى القرن الثاني الميلادي، لكننا نجد عند الفراعنة أقنعة المومياوات والأقنعة الجنائزية التي تحمل صورة وجه المتوفى، حاملة ملامح وقسمات الوجه الفعلية، ما رسالة البورتريه عند الفراعنة؟

 قدس المصريون القدماء فن البورتريه بجميع أشكاله، إذ رأوا فيه صورة حقيقة خالدة للإنسان، فأبدعوا في إخراجه معتقدين أن الأرواح تتعرف على أصحابها عن طريق الملامح.  وتعود النواة الأولى لفن البورتريه إلى مصر الفرعونية في الألف الثالث قبل الميلاد. وكان الدافع إلى رسم البورتريه أو نحته هو المعتقد الديني والإيمان بالعودة إلى الحياة بعد الموت.

والفنانة إيمان عبوبي عضو لجنة تحكيم مسابقة التشكيل للمرة الثانية ضمن فعاليات جائزة التميز في دورتها الرابعة، نظمها نادي المسرح والسينما بشراكة مع المديرية الإقليمية للتعليم وبدعم من جماعة تازة (2022) ومشاركة في العديد من التظاهرات الفنية والمهرجانات منذ2012

مقالات ذات علاقة

تدللي

فريدة عدنان (المغرب)

باحثتان تدرسان قصص سناء الشعلان في جامعة محمد بوضياف

المشرف العام

التوكتوك عصفور ترابي

المشرف العام

2 تعليقات

عزيز باكوش 19 يوليو, 2022 at 16:59

ليمض طيوب قدما في تميزه عربيا في الفن والأدب

رد
المشرف العام 19 يوليو, 2022 at 17:09

مودتي أخي

رد

اترك رداً على عزيز باكوش