عبد المجيد العكاري
رغم إننا لسنا في شارع المتنبي بالعراق ولا بجانب سور الأزبكية في القاهرة، إلا أننا تمثلنا بذلك ونحن من وقت لآخر نعبر ذلك الشارع المحتضن لمكتبة سميت (المعارف)، وهي فعلا حاولت أن تكون معرضاً لمختلف المعارف، ومعارفها تأتى بكل ما هو جديد خصوصا فيما يتعلق بالصحف والمجلات والمطبوعات الورقية..
كانت لنا (محطة) كلما أخذتنا الأقدام إلى هناك حيث الجزء العلوي من شارع (المقريف) والقريب جداً من ميدان الجزائر بطرابلس، ولا يذكر المرء ولو مرة انه اخطأ الطريق إليها فهي علامة من علامات المنطقة تلك، وملتقى عديد القراء والصحفيين وكل من له هواية متابعة الصحافة العربية بأحجامها وأسمائها المتعددة وكذلك المجلات التي كثيرا ما جذبت القارئ بعناوينها وصورها ولعل أبرزها (مجلة العربي) فقد كان الكثيرون يلتقطونها قبل أن ينتهى الحاج من وضعها على واجهة معرضه أحياناً، كيف لا وهي مع مجموعة أخرى من المجلات المتخصصة في شؤون المرأة والطفل، ومختلف الفنون تشكل وجبة يحتاجها قارئ ذلك الزمان..
وما إن يدلف المرء إلى عتباتها حتى يواجه ذلك الرجل الوقور، وهو يأخذ مكاناً له لا يتغير وسط كل تلك التشكيلة من عالم الصحافة مزدانة بعناوين مختلفة من روائع الكتب في الدين والعلوم والحياة.. وفى أحيان كثيره ونظرا لروادها المتحلقين حول المعروضات قد لا يتمكن المرء من التفحص فيما عرض ليعود مرة أخرى، فالحاج متواجد دائما بجلسته تلك بل بوقفته المعتادة ينتظر رواد مكتبته، وهم كما أشرنا من الصحفيين ومن هواة القراءة، والاطلاع على ذلك العالم الورقي، في زمن لم تكن فيه الصحافة الرقمية ولا النت ولا عالم الإلكترون بشكله الحديث متواجدا..
ولكن الجميع كان سعيدا بذلك وهو يتأبط صحيفة أو مجلة ليعود بها إلى بيته منتشيا بما حمل، ومتوقعا إحساسا بمتعة متابعتها وتصفحها صحبة فنجان قهوة مسائي، أو نغم يأتي من مذياع قريب.. ولأن (الحاج) كان صديقا للجميع فغالبا ما تجد بعض الوجوه المحيطة به من الاصدقاء والمعارف يتصفحون شيئا من معروضاته في ركن من المكتبة أو حتى على بابها..
هكذا كان الزمن وهكذا كان (الحاج رجب) سنوات وسنوات مرت وهو متواجد هناك، تجده في أيام الشتاء الباردة والممطرة كما تلقاه في ظهيرة صيف قائظ.. وقلما يتغيب لساعة أو ساعتين للغذاء أو الصلاة، ومع ذلك فسيظل المعرض ميسرا للقراء برعاية أبنائه المعروفين أيضا.. ونحن نتحدث عن الحاج (رجب) فقد كانت لنا معه بعض اللقاءات عبر الإذاعة وبرامجها تحدث فيها عن المكتبة والقراء وما يرغبون وما يقرؤون ويتابعون.
أما هواة الرياضة وكرة القدم على وجه الخصوص فهم من المبرزين في الحضور إلى تلك المكتبة فكثيرا ما كانت هناك نقاشات تجرى بين هؤلاء وهم يتابعون ما كتب عن المباريات في الدوري المحلى أو العربي والأوروبي، وكل منهم يتشبث برأيه، ليأتي الحاج بعد ذلك (بجملة قد تقنع وتريح الجميع) ليعود كل إلى تصفحه ومتابعته للعناوين..
تلك إذا هي (مكتبة المعارف) الركن الذي به أنس الجميع ولا يغادره إنسان إلا وقد نال شيئاً من المعارف الصحفية والأدبية والاجتماعية والرياضية، أو على الأقل قد شاهد ما طرح من عناوين محلية وعالميه وفى مختلف شؤون الحياة والناس..
والآن، من لكل أولئكم الرواد من بعد مغادرة ورحيل صاحبنا (الحاج رجب) الرجل الطيب والخلوق والمبتسم والهادئ، من الذى سيملأ مكانا كان يشغله ومقعدا ارتبط به، وإجابة شافية منه عن وصول العدد الاخير من مجلة أو صحيفة معروفه، هل يمكننا أن نمر من هناك ولا نرى صاحبنا الذى تعودنا أن نجده حاضرا دائما..
لله ذر كل من كان ملتصقا وزائرا لذلك الفضاء بعد رحيل صاحبه محاطا بكل عناوين الدنيا، وكل ما أخرجته المطابع ولكن لنا ثقة في أولاده من بعده وأنهم سيواصلون حمل الشعلة المعرفية لمكتبة المعارف رغم تغير الزمان وأدوات الزمان وليس بإمكاننا أن نقول للزمان ارجع يا زمان وحتى وإن قلنا فلمجرد (التنفيس عما يعترينا) من ومن ومن حنين إلى ما مضى..
ولأننا علمنا برحيل عمنا (الحاج رجب) ولم نتشرف بزيارة مكتبته لأمد طويل، فقد آلمنا ذلك وقادنا هذا الفقد إلى استعادة الذكرى والترحم على روحه الطاهرة، فقد كان الأخ الأكبر للجميع وهو يمد إليهم يده بصحيفة او مجلة او مطبوعة مع ابتسامة تحمل كل الود..
رحم الله تعالى (الحاج رجب الوحيشى) وأسكنه فسيح الجنان وألهم أهله وأسرته وأبناءه جميل الصبر والسلوان وإنا لله وإنا إليه راجعون.