شعر

في براح الحقول

من أعمال التشكيلي المغربي خليل بوبكري (الصورة: عبدالمجيد رشيدي-المغرب)

لم تكن
في بيتنا مكتبة ..
كانت قبضة
من القمح
معلقة على جدار الكوخ ..
لم تكن
في قريتنا جامعة ولا كتّاب
ولا حتى مدرسة..
كانت العكاكيز المباركة
تنير لنا دروب الحياة
بمشاعل التجربة ..
لم يكن ثمة مخبز
كانت الرحى
قابعة بالجوار
تبدأ رحلة الرغيف
منذ أول القمح ..
لم يكن ثمة سوق
كان دكان وحيد
يبيع البضائع والخضار
ويبيع الملابس والأحذية
ويبيع الزيت والكيروسين
ويجلس أمامه مدير المدرسة
فإذا ما رصدته
أعيننا المتلصصة
عدنا بلا طلبات !..
لم تكن
نقطة شرطة
كان فقط
قانون صارم اسمه العيب
يردع وحيدًا
كل من يحاول المخالفة ..
لم يكن ثمة طبيب
كانت أيادي
الأمهات المباركات
تزرع الشفاء
في الأجساد السقيمة ..
لم تكن أنابيب مياه
كانت الآبار والعيون ،
ملتقى الورَّادين والعشاق
ومواسم البوح المخاتل ..
لم تكن مصابيح
كانت السُرجُ
تبث نورها الخافت
في زوايا البيوت ..
لم تكن طرقٌ معبّدة
كانت نحورًا
في جسد الأرض
ترسمها الخطا الطيبة
كانت علامات
تفيض بالذكريات
ومواطن لقاءات و وِداعات ..
لم يكن ساعي بريد
و لم تكن ثمة هواتف
تحرق بهجة المفاجأة
كانت الأحداث
تولد هكذا طازجة ..
لم تكن ثمة
عربات مسرعة
ولا ضجيجًا يأكل
هدأة المساءات البهيجة ..
كانت مزامير الرعاة
تبث رسائلها المضمخة
بالعشق والحنين ..
لم نكن نستمطر أحلامنا
من غيوم الآخرين ..
ولا كنّا نتوسل قوتنا
من أمزجة القوافل ..
كنا كلمّا
هممنا بالمحاريث
اهتزت الأرض وربت
فتغنت المناجل
في براح الحقول ..

مقالات ذات علاقة

أيها الولد

محمد بن لامين

يا جار غزة

خالد مرغم

هِيَ دَارُ أُنْسِ الرُّوحِ

جمعة الفاخري

اترك تعليق