سارة سليم | الجزائر
قرأت الأعمال الستة عشر التي وصلت إلى قائمة جائزة بوكر العالمية في طبعتها العربية، و أحببت من وجهة نظري الخاصة من الأعمال التي وصلت للقائمة القصيرة، أربعة، لن أقول بنفس الدرجة، إذ إن لكل واحدة منها فرداتها وأسلوبها وهي كالتالي: ماكيت القاهرة التي جاءت مختلفة تماماً من ناحية التقنيات والأسلوب وحتى طريقة العرض، تشعر أن طارق إمام استعار عالما غريبا عنا، كي يكتب فيه روايته، ليعود إلى عالمنا هذا بهذه الرواية التي تقول أنه مهما اختلفت القصص، فإن لكل واحد منا قصته، وتلك القصة هي التي تصنع له وجوده بهذه الحياة، طبعاً إلى جانب كل ما تقوله عن القاهرة، الحياة، الإنسان، الفن، والكثير من المواضيع التي جاءت بالتوازي مع الموضوع الأصل.
إن وضحت ماكيت القاهرة شيء ما إنما توضح أنها رواية وليست كلام عادي يمكن أن يقوله أي كان ويصدق فوق ذلك أنه رواية، وقد قلت لطارق إمام رأيي فيها قبل 10 أشهر من الآن، الوقت الذي قرأتها فيه وكتبت مقالي عنها، أي قبل ترشحها أصلا، أن هذه الرواية رواية بوكر، أتمنى أن ينال بلياردو بوكر. وإن لم تنجح، فهي كسبت ما هو أهم من الجائزة، المقروئية الواسعة، إذ إنها شقت طريقها نحو القارئ بكل ثبات.
تأتي بعدها بنفس الدرجة المحبة، وليس نفس درجة التلقي
إذ لا يجوز مقارنة رواية بأخرى، فلكل واحدة خصوصيتها التي تجعلها مميزة ومختلفة، رواية “أسير البرتغاليين” للروائي محسن الوكيلي ،كنت أيضا قرأتها قبل ترشحها بأشهر بفضل الناشرة التي أهدتني حينها نسخة، ونصحتني بها، هذه الرواية بصدق ممتازة، من ناحية السرد، وكذلك الطريقة المدهشة التي عالج بها الوكيلي كل المواضيع في أسير البرتغاليين دون أن تخسر الرواية قدرتها على الإمتاع، إذ إنه ببساطة حكاء ممتاز، يجيد المسك بكل شيء روائيا دون أن يفلت منه السرد، هذه الرواية إلى جانب كل ما تقوله عن الاحتلال البرتغالي للمغرب والمواضيع التي طرحت بها، فهي من وجهة نظري تقول أننا جميعنا أسرى لشيء ما، عندما ندركه نعرف الكثير عن أنفسنا قبل الآخرين، ،محسن الوكيلي كاتب مميز على الصعيد الأدبي والإنساني، نفتخر بوجود أمثاله في مشهدنا العربي.
أشهد أيضا كم اجتهدت الناشرة أسيا علي موسى لأجل أن توصل هذه الرواية لأكبر قدر من القراء، برغم كل مل يواجهه النشر بالجزائر من صعوبات، فإن نجحت هذه الرواية فسيكون انتصارا للأدب الجيد وانتصارا لهذه الناشرة التي كل مرة تتفوق على نفسها من أجل تقديم الأفضل للكتاب.)
أتمنى أن ينجو “الناجي ” ببوكر فهو يستحق.
بالنسبة للعمل الثالث الذي أحببته بالتوازي مع العملين السابقين، رواية خبز على طاولة الخال ميلاد للروائي الليبي محمد النعاس، و إن كنت ممتنة لبوكر على شيء ما، فالأكيد ممتنة لها على هذا العمل الذي اكتشفته بفضلها، هذه الرواية ببساطة شديدة يمكن تسميتها عمل أدبي دون خجل، وواضح متعوب عليها من كل النواحي، وواضح أيضا احترام الكاتب لمهنة الكتابة، النعاس روائي حقيقي، وصاحب رؤية في ما يخص الكتابة ، التي كما يقول عنها ريكاردو بيجليا “تكثف التجربة وتجعلها ممكنة” روايته من ناحية الأسلوب السرد وطريقة دمجه للخبز مع مفاصل حياة ميلاد مدهشة، في كتابة النعاس الحرفة التي نفتقدها في أغلب ما ينشر الآن.
بصراحة خبز على طاولة الخال ميلاد من الروايات الجميلة التي قرأتها هذه السنة وسأعيد قراءتها مجددا، أتمنى أن ينال الخال ميلاد بوكر.
العمل الرابع الذي أحببته وممتنة كذلك لبوكر على ترشيحه، هو رواية دلشاد، إن كان لدلشاد ميزة روائية جميلة تختلف عن الباقي، فهي قدرة بشرى خلفان على توريط قارئها وشده من أول صفحة لآخر صفحة دون أن يشعر بالوقت، وطبعا الطريقة التي تناولت بها بشرى النسيج العمراني، الاقتصادي، والاجتماعي لمدينة مسقط مميزة
هذه الرواية من أجمل ما قرأت في الأدب العماني، وبشرى خلفان قلم مميز، نتمنى له كل النجاح بما يتجاوز الجائزة.
أتمنى أن يسعد دلشاد مسقط بالنجاح في بوكر، كما أتمنى أن تترجم الرواية ليعرف الآخر بفضله سيرة مسقط.
استمتعت جداً بالروايات الأربعة التي ذكرت، وأتمنى بصدق أن تنجح إحداها، لأنني بالأخير أنتمي للكتب، لا عالم الكتاب والجوائز، لكن لو خيرت أن أذكر عملا دون غيره فلا شك سأختار ماكيت القاهرة.
سأستمر مثل الدونكيشوت في الحياة ولا سلاح لي سوى القراءة.
(أعتذر عن عدم وجود صورة رواية دلشاد لأنني أعرتها، وسأضع صورة التقطتها قبل أيام).