حوارات

الشاعرة مرام المصري: الكتابة ليست سهلة هي التنفس بشكل آخر

حاورها / مهنّد سليمان

الشاعرة السورية “مرام المصري”

تُشرع نوافذها وتتسلل بفنجان قهوتها من البيت نحو شارع يُزعج جنة الحب نحو أفق يحقق لها شرط الطيران بعيدا، حالما تُلقي بظلال خطوها تجاه الأشياء من حولها تتحول الأرصفة القاسية لدفء حميمي يعقبه المطر، مرام المصري شاعرة تكتب بدم روحها فلا تكفيها الدفاتر فما يمور بأغوارها شعر أكثر من الشعر، ذاك الصوت الذي يمتلأ عطشا لله وللمشرّدين وأبناء السبيل، يُحرر لغتها من حقائب السفر ليتكرر سؤال الشعر الوجودي هل تعكس القصيدة حجم الكون في داخل الشاعر ؟ لتؤكد لنا مرام المصري بأن للقصيدة وجوه متعددة أبرزها سموا توقف حرب ما حرية سجين قُبلة عاشقين إنتظرا العطش من عيون الضوء…عبر هذه السانحة نلتقي على ضفاف شاعرة تسبق قصيدتها بضحكة، (ثمة عيون لا ترى الضوء، ثمة ذكريات لا تذكر )

إذا رفع لي العالم ذراعيه)
وأبان لي أجنحته
غاباته
وقصائده
إذن
لعبرته كالسهم
لا أميز مروري).

كيف تعانقين الكون بقصيدتك ؟
نعم القصيدة هي ذراع وحضن كتف وظهر . بها أعانق الكون بها أمسح له شعره وأربِّت على ظهره، بها أفتح أبوابه المغلقة ونوافذه المغبرة . أراقب نمله وغباره اضم بها اليتامى وامسح دموع الأمهات أفكك طلاسمه أوسع جدرانه إن لم أحطمها .

هل يمكن إختزال العالم في نشوة الشعر ؟
لا أدري فيما إذا كنت توافقني بأن الشعر ليس فقط بكتابة قصيدة ؟ يُختزل العالم أيضا بلقاء العشاق بالحرية عندما يخرج السجين بالنجاح بقبلة بسقوط الدكتاتور بتوقف الحرب بالشعر إذ إنه ليس فقط مصنوع من كلمات بل هو ما يجعل من كل شي حيا جميلا وإنسانيا حتى الألم.


ماهو دافعك لممارسة فعل الهروب ومتى تستشعرين بأن نصك قد تحول إلى ثقل وجب التخلص منه؟
بالفعل أهرب لأن حوت الواجبات يأكلني، لأن الكتابة ليست سهلة لأنها التنفس بشكل آخر والنظر بشكل آخر والنوم بشكل آخر واليقظة بشكل آخر، بقدر ما هي كرم بقدر ما هي أنانية تأخذك من كل شيء، تضع الصمغ في أذنيك لكي لا تلبي نداء الحياة والعجيب أنها تبلعك كالرمال المتحركة، في الوقت الآن نفسه هي أيضا حياة حياة داخل حياة كأن تكون في مطعم ماكدونالد والسيارات تعبر الباص وسط الناس وصخب الأطفال وأنت بهدوء تكتب قصيدة أو تجمع أفكارك، هي الغرفة التي تدخلها لوحدك وأنت محاط بكل هذا تصبح ثقلا عندما تجد نفسك وجها لوجه أمامها تحاصرك وتأمرك حتى أن تكتب.

تشهد بلدك الأم -سوريا- نزاعًا مسلحًا منذ ما يربو عن العشرة سنوات مالذي استخلصته من تجربة الحرب ؟
سورية واقعة منذ ١١ سنة في أتون الحرب حرب شنيعة مدمرة لا قانون فيها سوى القتل وإختراع ما هو أقسى وأصعب، حرب شهدت موت أطفالها شبابها رجالها نسائها أحرقت وأعدمت جوَّعت وعطلت وعذّبت وإغتصبت سجنت، كيف يُمكن لنا وصف الحرب في سورية ؟ لا شيء يشبهها، رئيس يقتل شعبه يُدمر مقدراته عن بكرة أبيه يغتال المستقبل والأمل، وما أستخلص هو كل ما ذكرته من قبل وبأن علينا نحن من نحمل راية السلام والجمال والعدالة أن نعمل بدأب أكبر لإنقاذ ما تبقى وإعادة ترتيب العالم.

العزلة حاجة والوحدة شبح، ما هي المسافة التي تعيشينها ما بين العزلة والوحدة ؟
المسافة بين العزلة والوحدة قصيرة وملغومة، العزلة فعل اختياري بينما الوحدة هي الإحساس، غامض أن تموت فلا تجد نظرة مُحب تنظر إليك، جميعنا من وقت لآخر يشعر بالوحدة لا أدري فيما إذا كان الجميع يفهمها، هل الرُعاة يترجمونها كما يترجمها المثقفون هل العمال والفلاحون ومن ليس لهم وقت يفكرون بها ؟


إلى أي مدى يُمكن للوجع أن يُنضج شخصيتك ؟
لماذا الوجع فقط ؟ شخصيتنا تحتاج للأفراح أيضا لكي تنضج المسألة خليط بين الاثنين يجعلنا متوازنين، صحيح بأننا نُعزي نضجنا للمآسي التي تمر بنا وكأننا أزهار والأوجاع ماؤنا، لكن ما ينضجنا هي المشاع هي القراءة هي الكتابة هو تفاعلنا مع ما يجري في العالم هي التجارب.


ألديكِ طقوس معينة تتجاوزين بها محنة الذاكرة ؟
طبعا لدي طقوسي للنسيان وللذاكرة أيضاـ تتمثل في الكتابة ففي الكتابة نضع كل حياتنا قصص حبنا أحلامنا خيباتنا فعندما أتحدث عن كتبي لا أستطيع إلا أن أتحدث عن حياتي وما مررت به فكل كتاب هو مفرق أخذني لطريق آخر لمفرق آخر كدرجة من سلم يقودني إلى آخر، وكأنني أوثق حياتي في كتبي لربما أضحي بي بان أفضح نفسي وأعرضها لجميع الذين أعرف بأن من الممكن أن تكون نظرتهم قاسية، وبعد كل قراءة أعود وأتساءل لماذا أتعرى هكذا ؟ ما هو مرامي ؟ بالطبع أريد أن أحب ولكن أكثر من ذلك أريد أن أضيء زاوية معتمة أو مهملة لفهم الحياة فأنا أعتقد بأن الأدب يرقى بنا ويجعلنا أفضل، إنما الآداب والفنون الرقص والرسم والغناء هم الوجه الحضاري لإنسانيتنا من خلالهم نكسر الحاجز الذي يحيط بنا ليسهل التعارف والعيش بشكل أفضل.


هل الكتابة هامش تعويض بالنسبة للمبدع ؟
أظن بأنها تعويض لفقدان وطن أو حبيب إلخ، نحن نكتب لنقول بأننا موجودين بأننا أحياء وبأننا فعّالين مع الموج والريح مع الشمس والقمر، نحن من يريد تجميل العالم النسّاجون لأقمشته الحالمون بجماله.


باريس مدينة تغنى وهتف بها كبارالشعراء والكتّاب في متونهم الإبداعية مالذي استطعتِ انتزاعه من باريس وما هي طبيعة الأثر الذي تركته باريس في جيوب ذاكرتك ؟
باريس تظل باريس، مدينة النور كما يسمونها عاصمة الأناقة عاصمة الحب، مدينة غامضة غنية بالمفأجاة مدينة تحت جناحيها يوجد عشرون مدينة صغيرة، كل مدينة أو مقاطعة تضج بالحياة وبالتاريخ، آخر ديوان لي هو عن المترو الباريسي فالحياة تحت الأرض شريان باريس الذي يربط البشر والشوارع.

تكتبين عادة بقدمين حافيتين وقلب عارٍ كأنك تتعمدين إضاعة مفاتيح العودة للمنزل، أتخشين العودة ذات يوم ؟
أتذكر كم من مرة وددت أن أفقد الذاكرة وأنسى طريق عودتي إلى المنزل ؟! كنت أجلس على أي مقعد يصادفني في الشارع وأفكر بتلفيق كذبة كي لا أعود إلى منزل طُردت منه، ولكن ليس هنالك مكان آخر يحويني، نعم أحيانا أتمنى النسيان ولكن يا لهول الضياع إذا نسينا، أحيانا الذكريات هي مَن تصنعنا .


للجسد حيّز رحب في أثاث شعرك، هل ينبغي للغة الجسد التحلي بقيم معينة ؟
نعم أحتفي بالجسد كما أحتفي بالروح وأفكك طلاسهما، الجسد منزل الروح أحيانا تهجره وأحيانا يضيق بها وأحيانا أخرى يخونها وتخونه، هو الذي يتحول ويتغير ويفنى وتبقى هي خالدة.

ديوان (كرزة حمراء على بلاط أبيض)

ألديك طريقة ما تتصالحين بها مع غزارة جسدك ؟
فقط أن أحبه وأحترمه وأكتبه، أحيانا أشعر بـنني لا أعطيه الوقت الذي يستحقه فليس لدي وقت للرياضة، لا أخضع لرجيم خاص أحيانا أطلب منه المعذرة لمّا أتعبه، به أحب وأحلم وأرقص وأغني أحيانا أشفق عليه من التعب الذي ألحق به وكم أحسد النساء اللواتي يجلسن في صالون التجميل للعناية بأقدامهن وبأيديهن وبوجههن وبشعرهن.
خانني مرة فأصابني بسرطان لا أدري فيما لو كان هو السبب أو أن روحي التي تتعذب مع المساجين مع المضطهدين مع المظلومين مع الشعب السوري واليمني والليبي والمصري وكل الفاقدين لبيوتهم هي التي خانتني، إلى متى سيُنظر إلى الجسد نطرة استعلائية ؟ وكأن من يكتب عنه سيدخل جهنم وبئس المصير أحيانا أنظر إليه في تحولاته أظن أن غزارة روحي هي ما تروي عطش جسدي والعكس صحيح.

وصفك الشاعر الكبير “أدونيس” بأنكِ تكسين أنوثتك ببذخ لغوي، ويُحيلنا هذا لجدلية علاقة المبدع بنصه، هل ينعكس نصك الشعري على سلوك حياتك ؟
الكتابة هي سلوك أيضا لا أستطيع ان افرق بين السلوك الحياتي والكتابي، الكتابة هي إعادة تشكيل للأشياء وأحيانا هدمها وأحيانا نكشف ذاتنا عبر النص الذي نكتبه ونصبحه بشكل ما، لا أكتب شيئا لم أعشه وإن كتبت ما لم أعش لأصبحت كمن يكسي الحقائق بالغبار.

ديوان (أنظر إليك)


هنالك من يقول إن النص الإبداعي متى ما حقق أغراضه الجمالية والفنية استوفى شروط جدواه، في رأيك ما يعني ش أسباب وجود هوة كبيرة بين المبدع ونصه ؟
أظن أن البعض يكتب دون خلفية ثقافية جادة وحقيقية أو فلسفية يكتب دون إدراك أن الكتابة تفرض عليه سلوكا ما.

القصيدة تكتب الشاعر قبل أن يكتبها، حدثينا عن ملامح تكوّن جنين القصيدة في رحم مخيالك ؟
نعم، تكفي فكرة أو صورة، فمن قبل كانت الكتابة تلقائية قل غريزية نكتب فرحين مكتشفين ما نستطيع أن نرسم بالكلمات من صور وأحاسيس .
الآن لدي تجربة أو مشروع كتاب يلزمني ان أغوص وأن أحلق وأن أنقب كالباحثين عن الذهب أو البترول أقتفي ما تتركه لي من إشارات.

مقالات ذات علاقة

فتحي بن عيسى: أحاول إيجاد حلقة وصل بين الكتاب الليبي وقارئ العربية في كل أصقاع العالم.

المشرف العام

القاص “عمر الكـكلي”: الشخصية القصصية لا توجد سوى على الورق ولا تتجسد إلا من خلال الحبر

المشرف العام

دار الفرجاني للنشر والتوزيع.. حزمة انتقاءات متميزة!

المشرف العام

اترك تعليق