سميرة البوزيدي – ليبيا
هنا يمكن للمرء أن يمسك بقطعان السحاب المرحة وهي تجر القصائد لنجدها منثورة في كل مكان ؛ في الشوارع الحميمة الضيقة وهي تزدان بسماوات صغيرة من مضلات بيضاء ينضوي تحت رحمتها جمهور شغوف لسماع الشعر هناك قرب الكنيسة أوفي المقهى الصغير الواقع على ناصية شارع يفيض بالشعراء الضاجين بقصائدهم وفي بحثهم الدائم عن نص ما . نص ربما يكون مخبؤ في حلم على هيئة مدينة صغيرة تقع في قلب الجبل وتضع قدميها الجميلتين في بحرها المملوء بأشرعة قوارب أشد بياضا من قلب طفل ، ونوارس تقترب هابطة للسماع في كل مرة ، مدينة أسمها سيت تحتضن الشعر كل عام في الحدائق المبثوثة كل مساء بالسامعين وبالموسيقى وبالشعراء سدنة القصائد من كل مكان في العالم ، مكان يلتقي فيه الشعراء لتكون لغة الشعر هي المسموعة دائما ، وبمحبة من تآلفوا على الشعر استقبلنا القائمون على المهرجان وبتنظيم مدروس ، وببشاشة ما انقطع انهمارها : السيدة مديرة المهرجان المبتسمة دائما وجمع من السيدات والفتيات يحمن كفراش يستضيء بلهب الشعر، أيضا السيد عميد البلدية في ترحيبه لنا من اليوم الأول ، الناس في الطرقات المؤدية الى حيت أماسي وأصبوحات شعر أنعشت قيض الصيف الحار هناك ، تمت ترجمة قصائدنا الى الفرنسية وخصص لنا السيد اللطيف والرائع أنطوان جوكي المزيد من وقته ليستدل منا على معان أراد أن يكون دقيقا في ترجمتها من شدة حرصه أن تكون الترجمة موازية لروح القصيدة وهذا ما أفلح فيه حقا ودل عليه التصفيق والإعجاب الذي ناله الشعراء العرب في هذه الدورة ، هي الدورة الرابعة لمهرجان سيت والذي دأبت عليه هذه المدينة العاشقة للشعر ففي كل عام لابد من الشعر في تقليد جميل يحتفي بهذا الكائن المظلوم .. على مدى تسعة أيام إذا وعلى الضفة الجنوبية لفرنسا على المتوسط تفاعلت الأيام الشعرية للدورة الرابعة لمهرجان سيت الشعرية بحضور هائل من شعراء وشاعرات من جميع أنحاء العالم جاءوا يحملون قصائدهم صوب مدينة الشعر الهادئة والتي ضجت شوارعها بأصوات الشعراء والمغنين والموسيقيين إذ صدحت موسيقاهم في الأزقة الضيقة والشوارع التي رفرفت فيها اللافتات القماشية الموسومة بقصائد الشعراء فكان بإمكان المارة قراءتها طوال سيرهم .. سيت جنة الشعراء وملاذ الكلمة الحرة، مملكة شعر تزهو برعيتها و تلقي بسلال ضوئها على الطرقات والحدائق وفي القوارب الراسية والمبحرة على الجبل وفي الغابة والممرات الحميمة لمدينة لطالما زهت برفقة الشعر.
حضر شعراء العالم من البرتغال وتركيا وإيران والبوسنة واليونان و مالطا وفرنسا نفسها ،ومن الوطن العربي كان الحضور مميزا وفاعلا لأسماء مهمة صاغت تجربتها الشعرية في مدونة الشعر وتغرغرت صادحة بالقصائد الجميلة فصرنا نسمع الوقع الفخم للحروف والكلمات العربية من بعيد عبر ميكرفونات مبثوثة في كل وهدة شعرية , كل وقت هناك منذور للشعر والموسيقى ، المارة والعابرين بإمكانهم أن يتوقفوا لسماع الشعر يستلقون على الكراسي الطويلة في الظل وفي الحدائق المتسعة لفيوض الشعر المنبثق من كل جوانبها ، هي ايام خالصة للشعر تماما، ترى القائمين على هذا المهرجان من مترجمين وإداريين يحومون بين الشعراء بابتسامات دافئة دالين اياهم على أمكنتهم لإلقاء قصائدهم .
من الوطن العربي حضر من لبنان الشعراء عباس بيضون و صلاح أستيتة وعيسى مخلوف ومن ليبيا محمد زيدان وسميرة البوزيدي ومن سوريا محمد فؤاد وصالح دياب ومن مصر مهاب ناصر وعبد المقصود عبد الكريم ومن العراق جليل حيدر ونجاة عبدالله ،ومن المغرب احمد السالمي ومحمد غرافي ومن السعودية هدى الدغفق ومن فلسطين علي العامري وناصر رابح وايمن الجابرية و ناصر العلوي ويحيى الناعبي من عمان.ومن تونس فتحي نصري وعلياء رحيم ، وجمال علي من الإمارات ، وضحى المسجن من البحرين وغيرهم من الشعراء
رافق المهرجان معرضا صغير للكتاب ، وأيضا عروض موسيقية غاية في المتعة تداعى لها موسيقيون عرب وأجانب فصرنا نسمع تراكيب عديدة لموسيقى جاءت من كل مكان في العالم ، أيضا حضر الفن التشكيلي والمؤدين على مسرح الشعر بكامل روعتهم وتوهجهم.
حضر الشعراء وحضر النعيم وحضرت القصيدة .. سيت جنة الشعر وملاذ الشعراء ..