بصارة حرفة
حين وقف على جدار بيتهم العالي بزقاقهم الضيق، واضعاً حبلاً أحكم عقدة طرفه الأول حول عنقه وعقد طرفه الثاني على عمود النور الذي يتكئ على ذلك الجدار، عازماً على القفز انتحاراً.. في مشهد قرر مسبقاً أن يكون مسرحي علني ومجاني ويحضره الجميع.
تجمعت أخواته البنات أمام باب البيت باكيات، وتحلق الجيران تحت السور، وولولت النساء وصرخ الرجال، وسد الازدحام الزقاق وكل الطرق التي تؤدي اليه.
الكل كان يرجوه أن يتعوذ من الشيطان، وأن يسلم أمره لله ويصبر (والجايات خير من الرايحات) و(الدنيا مازالت قدام)، وأن يعود لرشده وألا يقدم على الانتحار.. وإلا مصيره أن يتردى في الجحيم.
كان يبتسم وهو يستمع لهم، يقدم خطوة على القفز فيثير زعيقهم وهرجهم ومرجهم، ويرجع أخرى فتبدأ نوبة ابتهالاتهم وتوسلاتهم.. كرر ذلك أكثر من مرة وما أن لاحت منهم لحظة صمت حتى صرخ فيهم متخيلاً نفسه يعتلي منبراً..
(لقد جمعتكم فقط لأقول لكم احبكم في الله) …
ثم نزع الحبل من حول عنقه، تاركاً طرفه الثاني متدلياً من عمود النور، وأدار لهم ظهره مبتسما وبمكر طفلٍ صغير وبغاية الهدوء، أخذ في النزول إلى سطح بيتهم وهو يضع قدما تلو أخرى مستندا على سلم طويل كان يخفيه خلف الجدار.