كـنـت أبـتـعد عـنـه وكــان يـنـادينـــي ويـقـول مـصـيرك يـوم تخـضـع لـي وتـجـينـي
بيرم التونسي في رحلة الى الله ورسوله (القلب يعشق كل جميل)..
حين استفاق خليفة ذلك اليوم على صوت آذان الظهر تحرك بجسده المثقل من فرط النوم، بصعوبة حرك يديه ليزيح عنه الغطاء المثقل بدوره بالعرق والكوابيس فلطالما تخيل أن الشيطان لا يحلو له المنام الا على سريره ولم يزعجه هذا بتاتا.
(خليفة شيطان وينام بغرفته شيطان ما الذي يضير !!)
ما أزعجه أكثر كثرة الاوراق التي تناثرت على سريره والتي كان يخطها كل ليلة وكان يعلم إنه لا جدوى من كتابتها سوى إنها قد (تقصر) عليه بعض الوقت وتساعده في انتظار قدوم منامه المقدس.
رمى بها بعيدا فسقط اغلبها تحت السرير جلس متهالكا على قدميه لم يجد نعليه فلم يكن يملك نعل اصلا.!!
لم يجد على الارض سوى ما تناثر من اوراق. خاف منها وكأنها غول يطارده فهو كان يخاف من كل ما يكتبه بالليل.
حين تشجع وراح يتابعها بعينيه مد يده وسحب اخر ورقة خطها قبل ان يسرقه المنام من مخاوفه وعزلته.
. فرك عينيه بأصابعه أزاح ما بها من عمش وراجع ما كتب فيها لم يصدق عينيه واستغرب ولمعت عيناه كشيطانه حين وجد ان اخر سطورها كان دعاء كتب فيه!!
(اللهم أعنى بعزلتي وأعني على قوادم الايام فانا ارى بأم عيني سواد غماماتها.. وانت الوحيد القادر على ازاحة ذاك الغمام.. اللهم أعنى على نفسي فلقد كرهت وحدتي وصرت اخاف الظلام)
أنطفى لون النار بعينيه ابتسم فقد أدرك الخطأ الذي وقع فيه فقد كتب ما كتب متناسيا ما دفعه لعزلته وما أجبره على ان يقفل على نفسه الباب والشباك الوحيد بغرفته فهو كان قد فقد ايمانه اصلا ومن زمن طويل بل قبل أن يقفل على نفسه غرفته.
كان يؤمن أن الدعاء استجداء رخيص وكل مبتهل غبي يحاور اصم طالما لا يوجد هنالك من يستجيب وان الخوف والمرض والفقر بل حتى الموت من طبيعة الاشياء تأتي حينما يحل وقتها ولا سلطة للسماء عليها فلا رب على الارض ولا رب بالسماء.
(لو كان فيه ربي راهو خليفة ما هو على هالحال)
ضحك على نفسه كثيرا ومزق تلك الورقة وعاد ليتكئ على فراشه مرددا بسريرته
(يا والله حال خليفة حتى كان نسكر نقول وبعد ها لعمر يسيب خليفة الكتيبة كلها ويكتب دعاء.. والله حال والله حال).
وظل يردد هذا حتى نام من جديد وفي عز الظهيرة والغريب في الامر إنه هذه المرة لم يشعر بثقل الغطاء ولم يكتب اي ورقة لاستدعاء نومه المقدس فقد نام سريعا وبلا وسيلة استجداء.
حين استفاق هذه المرة كان على صوت آذان فجر اليوم التالي ورغم ما أستغرقه من نوم وجد نفسه خفيف الحركة.. ازاح عنه الغطاء بسهولة وقف على قدميه ووجد نعله القديم قبالة عينيه بركن الغرفة فهو قد كان نساه منذ وقت طويل.
دار بغرفته جمع ما أمكن من نفاياتها المبعثرة عطر غرفته بمزيل رائحة بتاريخ قديم دخل الحمام أحد دش بارد غير ثيابه المتسخة ورمى بها للقمامة.. توجه للقبلة وصلى الفجر بعد قطيعة دامت لأكثر من عقد.
اتجه لنافذة غرفته واشرعها للريح.. تنفس بعمق امامها كطائر ارهقته العودة بعد طول رحيل..
توجه للباب فتحه هو الاخر على مصراعيه دخل شعاع الشمس الغرفة عائدا اليها كعاشق قديم..
خرج للشارع كان الوقت باكرا لم يكن يوجد به الا عمي سعيد بائع الحليب كان امام دكانه حين توجس خيفة من خروج خليفة من غرفته بعد سباته الطويل، فقال له بهمس خائف.
صباح الخير يا خليفة.
اجابه خليفة مبتسماً على غير عادته وهو يقف امام بابه بعد غياب طويل يغسل عينيه بنور الشمس وكشاعر يسرقه الافق.
وصباحك حليب يامي سعيد.