قراءات

الكلب الذهبي.. أم المسخ الليبي

انطباعات قارئ..

عبدالعزيز الزني

رواية الكلب الذهبي للكاتب منصور أبوشناف عن دار الفرجاني

1

كنت قد استلمت وحسب طلبي، من الزميل منصور بوشناف، نسخة من مسودة رواية ” الكلب الذهبي ” عبر النت. أواخر 2019. ولعلاقتي بهذه الرواية قصة تعود إلى 2013م، ليس ما يمنع من سردها في اختصار، ربما وجد فيها القارئ، بعضا من تسلية. في نادي القصة الذي أعْلن عن بدء انطلاقته في 12/7/ 2012م في مدينة درنة. كان قد تم التخطيط لعدة من الأنشطة الأدبية، ليضطلع بها النادي الوليد، من بينها وللتذكير فقط إقامة ندوة ” ترجمة القصة والرواية في ليبيا ” وحدد 26/ 11/ 2013/ موعداً لانطلاقها، غير أنه وقبل الموعد بأربعة أيام، وقد كنا استلمنا الورقات المشاركة وقد بلغ عددها التسع ورقات، اضطر النادي إلى تأجيل الموعد لأسباب ليس هنا مجال ذكرها. و من الأنشطة التي ، خطط لها النادي أيضاً إصدار مجلة اتفق مبدئيا على تسميتها ” عالم القصة ” و وجهت الدعوة إلى عدة من الكتاب للمساهمة ، و الحق كان التجاوب كبيرا و مشجعا ، إذ بدأت تصلنا ومن مختلف الأرجاء المساهمات ، ومن بين من وجهت لهم الدعوة كان الصديق منصور بوشناف ، و جاءت مساهمته بفصل من رواية ” المسخ الليبي ” و الذي كان من المفترض أن يكون من ضمن مواد المجلة التي لم تصل و للأسف إلى مراحلها الأخيرة ، قرأت بالطبع الفصل كما قرأت كل ما ورد إلى المجلة من مقالات و قصص و بحوث ، وتمتعت بما قرأت ، غير أن الأمر اختلف مع رواية “المسخ ” كيف السبيل إلى باقي الفصول ، على أية حال سأتخطى الكثير من ، التفاصيل لأقول ، أنه عندما كنت في مدينة طرابلس في 2019م و قد تجاوز مكوثي بها العام ، التقيت الزميل منصور بوشناف كما التقيت بالطبع مع العديد من الزملاء و الأصدقاء و سُعدت جداً بهذه اللقاءات ، بعد سنوات عدة من البعاد ، العديد من هذه اللقاءات كانت في مقهى ” البلدية ” الشهير ، وكان من الطبيعي أن أسأل الزميل بوشناف عن رواية ” المسخ الليبي” و ماذا حل بها ؟ ، كان الجواب بأن بعث لي ، وعبر النت مسودة الرواية و قد تكاملت ، إذن أصبحت رواية “المسخ الليبي” و بعد مرور سنوات خمس على قراءة الفصل الأول منها في حوزتي ، كانت الرواية أمامي ، لكن ماذا حدث ؟! العنوان الذي أمامي ليس “المسخ الليبي” كما توقعت بل هو “الكلب الذهبي” إذاً تغير العنوان، أو ربما هي

2

رواية جديدة، وقد يكون الأمر له علاقة بفعل المسخ؟ على أية حال أصبح الأمر مثيراً لي، وصرتُ استعجل القراءة. ثم أقول إن العنوان الجديد للرواية “الكلب الذهبي” أزاح عن ذهني تلك التداعيات التي عادة ما تصاحب سماع لفظة المسخ حتى وإن كان هذا بشكل مؤقت. وينتهي هنا الهامش، وكانت لي حوصلة.. انبثقت من إدراكي وفهمي لأحداث الرواية.

الكـــلب الـذهـبي … صُدرتْ الرواية “الكلب الذهبي” في الصفحة الأولى بتنبيه للقارئ من الكاتب مفاده: ” بطل قصتي هذه التي أشرع الآن في كتابتها ليس حقيقياً، ولا وجود حقيقي له إلاّ في مخيّلتي.  وقصّتي لم تحدث لأتذكرها وأكتبها. إنني ألعب دور الراوي الذي وجد نفسه أمام جمهوره، ولا قصة لديّه ليرويها، لا تفاصيل، ولا أحداث. فقط أعجوبة، أو أمثولة ولدت في مخيّلتي وأنا أجلسُ للكتابة صـ1 “. هذا التصدير يرام منه كما اتضح لي التأكيد على أن أي إسقاط قد يكون من القارئ فهو يعود إليه ومسؤوليته هو. ونستبين من بوشناف أن ما حدث معه، عقب قدومه إلى مدينة طرابلس من واحته على حد تعبيره “بني وليد ” يشبه ما كان مع صاحب ” الحمار الذهبي ” ابوليوس، الذي وصل إلى طرابلس في النصف الأول من القرن الثاني للميلاد، عندما كان في طريقه إلى مكتبة الإسكندرية، فكان أن غرق في تفاصيل الحياة الطرابلسية، وكان نتاج مكوثه في طرابلس أمثولة الحمار الذهبي.. إذن هناك أكثر من وجه شبه بين الاثنين، فكل منهما شدّ الرحال وقدم إلى مدينة طرابلس، وغرق في تفاصيل حياتها، فكان أن خرج كل منهما بأمثولة أو أعجوبة، وما أكثر من قدم إلى مدينة طرابلس ووقع أسير غرامها فلم يغادرها، وهذا منذ أقدم الأزمان وحتى الآن كما رأينا. إذن ما حدث مع بوشناف ليس بدعاً، فقد سبقه إليه أبوليوس. ويوضح بوشناف فيقول: ” أن طرابلس، وعلى ما يبدو، كانت، ومنذ القرن الثاني للميلاد، ” قرن حمار ابوليوس الذهبي”، أو “لوكيوس المسكين”، وحتى هذا القرن الذي أعيش ربعه الأول، وأحاول أن أكتب مسخاً آخر، ظلت مكاناً مثالياً للتحوّل والمسخ، فها أنني أحاول أن أكتب “مسخاً” في طرابلس بعد عشرين قرن من مسخ ابوليوس الرائد). ومن أوجه الشبه بين بوشناف وابوليوس، وبطليهما بعد قدومهما إلى طرابلس …. وقوعهم جميعاً في الحب وما فعله بهم ذلك الحب من عذابات وتحولات صـ 3. وفي نفس الاتجاه من حيث التأكيد على أن ما أقدم عليه بوشناف ليس بدعا، وأنه أمر معتاد ومتكرر في الميراث الإنساني منذ قديم الزمان، يذكر مسخٍ ليبي بامتياز، لا تشوبه شائبة أجنبية، وهو يقصد بهذا أمثولة مسخ قرزة عاصمة بني وليد منذ ما يقرب

3

من الألفي سنة، إذ تقول الأسطورة أنهم سُخطوا إلى بشر متحجرون، لأن حاكمهم تزوج ابنته البكر الحسناء وهذا عقاب لهم ولتكون عبرة على مرّ الدهور!!                                          

   إذن فيما يختلف مسخ بوشناف؟ هنا نراه و من باب الأخذ بيد القاري حتى لا يتوه بين دروب المسخ و التحولات العجيبة التي سيسوقها في روايته الكلب الذهبي و هذا بالطبع ليس أمراً سهلا ، نراه يوضح : ” أن مسخه يختلف عن غيره في كونه عَكس ما هو متعارف عليه في قصص المسخ و التحولات التي عادةً ما يكون من البشر إلى حيوان أو ربما حجر أو شجر أو حتى حشرة صغيره ، و هذا ما صعب الأمر ، فبطله كلباً يمسخ بشراً ، و هو يرى في هذا أنه سيكلفه الكثير من الحذلقة و التصنع ، و يقر في ذات الوقت بأن هناك الكثير من المشاكل عليه أن يجد حلولا لها كي يحقق هدفه و المتمثل في الوصول إلى مسخ ليبي جديد و غريب ، و من الحلول التي ارتآها أن يكون مصير هذا الكلب بطل هذه القصة مأسويا و مدمراً على حد تعبيره ” و إلاّ فإن اللعبة ستكون مكررة و لا قيمة لها ” و تستوقف القارئ في غضون الرواية استدراكات يرمي من ورائها كما أدركت ، قطع الطريق على القارئ كي لا يعيب عليه الذهاب بعيدا عن سياق الروية أو أنه قد تاها عنها ، لذا نراه يتولى الأمر بنفسه ليوضح أنه مدركا لما يفعل و أن ما يفعله ، من صميم الرواية التي هو ماضٍ في كتابتها كما جاء على سبيل المثال في ص 83/84 ” فيستدرك قائلا : وكي لا أحول هذا المشروع القصصي إلى مقالات عن التاريخ والتغير الاجتماعي , دعوني أعود إلى أبطال و حواديث هذه “الأمثولة” التائهة ” ومن استدراكاته أيضا أنه و بعد ثمانِ من الصفحات يعلن صراحة أنه كان يناور من أجل أن يجد ما يكتب لأنه لم يستطيع الكتابة عن أي شيء لسنوات . وهذا أمر حد علمي أنه مؤلم أشد الألم لمن يروم الكتابة ويهواها. ولا يفوت بوشناف، أن يقف بالقارئ عند تعريف لفظة أمثولة التي ستتكرر في العديد من صفحات الرواية فيقول: أنها مفردة ٌغريبةٌ قفزت منذ السطور الأولى لهذا المشروع القصصي. أنا لا أعرف تحديداً لهذا المصطلح، ولا أذكر أني قرأته، أو سمعته، ولكنه يبدو مصطلحاً ً (مألوفاً) ومعتاداً بالنسبة لي، ويضيف: المهم أنها قصة لا معقولة، مؤلفة لجعل الواقع معقولاً ومنطقياً، حتى يبدو “هذا اللاواقع هو الواقع بعينه ” كما يقول “ارنست فيشر” على ما أذكر. وللمزيد من التوضيح يقول (إنها تعويذة نقرأها لتتحول الحياة إلى حياة أفضل رغم عذابات التحوّل). وماذا عن الغزالة والحسناء وعذبات التحول، والعناق غير المنتهي، ما جعلني أصمم على أن أذهب إليهما حيث يتواجدان في ” ميدان الغزالة ” لأعيد النظر في تكوينهما من جديد غيره أنه و يا للأسف ما أن فعلت حتى أدركت أنهما قد خطفا و

4

ما زالا مخطوفين، ووجدتني أتساءل ــ وما أكثر ما تساءلت ــ ما إذا كان خطفهما هو الأخر من قبل المسخ والتحولات، التي تحدث في مدينة طرابلس؟                                       

 فهما كانا قد قدما إلى طرابلس ذات يوم كما حدث مع أبوليوس وبوشناف، من يدري ربما؟ وأجدني هنا مضطرا أن أتوقف وأترك الأمر للقارئ عند صدور الرواية ليستمتع باستقلالية رؤيته، أيضا لأنجو بنفسي من متاهات الأمثولة وعذبات المسخ والتحول.  وقد فاتني المشاركة بهذه الانطباعات في الندوة حول هذه الرواية ورواية العلكة التي أقامتها الجمعية الليبية للفنون والآداب بمنتدى أصدقاء المسرح.

18-4-2022 / درنــــــــــــــــــــة

مقالات ذات علاقة

أحمد مصطفى الرحال يدرس أحوال يهود ليبيا

سالم أبوظهير

أبطال زوسكند في ”ثلاث حكايات وملاحظة تأملية“

ناصر سالم المقرحي

رواية العقيد.. جدلية الثوريين والثوار

رأفت بالخير

اترك تعليق