المبروك درباش
ما يسمى بالكنيسة، التي يتناثر الحديث حولها هذه الأيام ، وبشكل موسمي، في مدينة بنغازي، بُنيت تحت سلطة احتلال همجي شرس ومغتصب لبقعة الأرض التي بُنيت عليها، فهي إذا رمز لتلك الحقبة وذاك الآثم، بل كانت مشجعا عليه ومباركًا له في سير حملات فرسان مالطا والأسبان إلى الطليان والإنكليز، ولا علاقة لها بإرث المدينة، ولا أي إرث يستحق التقدير، بل على العكس من ذلك، فهي تعتبر استمرار لوجود رائحة أولئك القتلة في جلسات الجهلة والعملاء الجدد، وكلاهما سواء، فالجهل بحقيقة الاشياء التي تعني بتاريخ الكيان الليبي، أكثر وُطِّئا من العمالة. مثل هذا البناء كمثل كنيسة ميدان الجزائر التي بُنيت على حطام جامع صغير يعود عمره لمئات السنين، من قبل فرسان مالطا في 1870.
إضافة على ذلك، هذه الكنيسة بُدء في بنائها في عام 1929، بأيدي ليبية مُكرهة، بأمر من النظام الفاشي في إيطاليا، بعد انقلاب أكتوبر بقيادة بنيتو موسليني في 1922، ذاك النظام المُجرم أخلاقيا وقانونيا كوقع مثيله النازي. أخلاقيا، لسببين: أ، للقيمة العنصرية السمجة للفكر الفاشي في جرأته في اعتبار الشعوب الأخرى، خاصة الأفريقية منها، أقل قيمة من الأوروبية وبالتالي يجب حكمها ونقل الثقافة الأوروبية المتفوقة لها، وخاصة الدين، وجعلها خدم لهم. ب: باعتبار أن هذه الكنيسة، أو ‘الكاتدرائية’ كما يُحب قُراء الفهارس في بلداننا أن يسمونها والتي عمدا تسعى لتضفي قيمة ثقافية وحضارية، قد بُنيت في فترة احتلال، كما أسلفت، وبالتالي شرعيتها وبقاءها واستمرارها يعني ذاك الاحتلال الذي كان يتميز برعونته وقساوته الدالة على ثقافة الاستدراك الفاشي في الفكر الإنساني – رغم التجني على مفردة فكر هنا.
القصة لم تبدأ هنا أو تنتهي هناك، فهم ليسوا قدوة لنا ولكن حتى في حالات السلم وبعيدًا عن مجازر المسيحية وكنائسها والمعتقلات، استمرت هذه الاخيرة في تعنتها وكراهيتها للإسلام، فعندما سمح الأتراك لبنديكتوس السادس عشر بالصلاة المسيحية في المسجد الأزرق في إسطنبول، كان الرد من الفاتيكان بالرفض التام على طلب المجلس البلدي لمدينة قرطبة بالسماح للمسلمين بالصلاة لمدة ساعة واحدة يوم الجمعة. ورغم أن مسجد قرطبة ليس ملكًا للكنيسة الكاثوليكية، فقد أصر الفاتيكان على وضع حراس حول المسجد لمنع أي مسلم قرطبي من استراق صلاة هنا أو هناك، وراء أحد تلك الاعمدة التي تخفي تحت طلائها الحديث آيات القرآن والفن المعماري الأموي. ليس هذا فقط، بل في سنة 2014 قامت الكنيسة بحذف كلمة “مسجد” من اسم “مسجد كاتدرائية قرطبة”، رغم احتجاجات باقي سكان إقليم الأندلس على هذا التحوير والكراهية تجاه الإسلام، كمحاولة تسمية قصر الحمراء بقصر تشارلز الخامس.
هناك كنائس أخرى بُنيت حديثا وأخرى قديما، في طرابلس وفي أماكن أخرى في المنطقة الشرقية حيث مثلاً توجد ما يقال عن كنيسة أو كهف مُرقس الإنجيلي، ابن أخـت برنابا، والتي لم تُبنى على جثث الأبرياء. تلك فعلا رموز للتنوع والتسامح الليبي المسلم لكل ديانات الأرض.
كان الأحرى بهذا الحماس الحكومي أن يستدرك مسألة الإرث الحضاري لحظة تهديم ضريح المجاهد عبدالسلام الاسمر والمرابط الأندلسي وجامع الشعاب، والأمثلة كُثر. فمرحبا بجامع مالك، أو لربما جامع الفضيل أو الحجازي أو أحد مجاهدي قبيلة العبيدات التي أُستشهد نصفها حتى لا يُبنى معبد الفاشية هذا.