المقالة

شطرنج الحياة الدّفاع أو الهجوم؟

أبرار محمود صالح

شطرنج (الصورة: الشبكة)
شطرنج (الصورة: الشبكة)

بمجرّد وقوعِ هذا العنوان على ناظريك، سَتُكمل القراءة لسببين:

إمّا بدافعِ اللهفة الحماسية التي قد تمكّنَت منك وقادتك إلى هنا لأنّك أحد لاعبيها، أو بدافعِ الفضول المحض تُجاه هذه اللعبةُ، لكن؛ في النّهايةِ ستكمل القراءة لا محالة، فالشطرنج لعبتُنا جميعًا، وخاصّتنا نحن كلنا، لا يملكُ المرء حُرية اللعب فيها، إما أن يلعبُ بصرامةٍ، أو تنهشهُ الحياةُ بكلّ ما فيها ولا تُبقي منه شيئًا، ونحن نعلمُ مدى قسوة الدُنيا على الضعيفِ..

وأنت بصددِ اقترابك من الفوزِ، خطوة واحدة واللعبة لك، يهزمُك خصمُك بحركةٍ واحدة غير متوقعة، هزيمةُ نكراء تلحقُ بِك، لا تتمكّن من بعدِها إلا أن تعيدُ اللعبةَ، تُعيدها، تتقدّمُ بالهجومِ، تُنفذُ خطّتك الذكية، تتخطى حدود دفاعهِ، تدخل إلى عرشِهِ، تسبرُ أغوارهُ وتتوغلُ في أعماقِه آخذًا معك الخوف، وأنت بصددِ اقترابك من الفوزِ، خطوة واحدة واللعبة لك، يهزمك خصمك بحركة واحدة!

هذه ليستُ متاهةً، ولا لعبة منِّي، ولا حظّك اللعين، الحياة لا تكرهك ولا تكره أحد بطبيعةِ الحالِ، ولا تتحكم فيك أيضًا، لكنّك أنتَ من يُسيء التّحكمُ فيها، بل تُسيء التّحكم في نفسِك، لا تُحسن التّدبير وتخضعُ لرغباتِك إلى أن تقضي عليك وتجرّك إلى مشارفِ الهاوية.

فبدلًا من تكريس جنودك واستنفادِ طاقتك في الهجومِ، ناسيًا ملكك ونفسك محصورًا في الزّاوية غير آبهٍ به، دافع عنهُ وحصّنه ثمّ اشرع في الهجوم وحقق جميع رغباتك، بما فيها الفوزِ.

كثيرٌ منّا ينسى نفسهُ وينهمك في الهجومِ والتّقدم، التّقدم في طريقٍ موحشٍ لا نهاية له، وإن كانت له، فلن تكون واضحة مشعة، بل مُظلمةٌ غامضة لا يُعرفُ عنها شيئًا ومع هذا، يَنسى نفسهُ، ولا يكترثُ لما قد يحلّ بنفسيّتهِ أو بالضّررِ المرهقِ الذي سيلحقه بها، كلّ ما يراه هو الفوزُ والنجاح الغير مضمونان بعد، حتّى يخسرُ نفسهُ ويخسر طريقهُ ولعبته، ويموت قهرًا فيما بعد.

الدّفاع أو الهجوم؟

الاثنانِ معًا، أحدهما يسبق الأوّل حتّى يحوّل جميع نقاط ضعفه قوّة، يُفكّر يخطط ويحققُ دفاعهُ، والآخر يستعمل نقاط قوّته ضدّ خصمه وضدّ المجهول برمّته، يُنجز، يُسرع، يستعمل أفكارهُ كرصاصاتٍ وعقله كالبندقية في خصم الحرب، ولا يكترث لأحدٍ واضع في مرمى بصرهِ الفوز والهدف.

_في شطرنجِ حياتك، لا تنهمك بالهجومِ ناسيًا الدّفاع، ولا تُدافعُ ناسيًا الهجوم فتتعب، وتُستزف مشاعرُك، وتنفد طاقتك إلى أن تُفلَت زمامٌ الأمور، دافع ثمّ هاجم، حصّنْ نفسك وتعلّم ثمّ تقدّم وأنجز، ابق وقتًا طويلًا صامتًا سامعًا مصغي لا تتكلم، إلى أن يحين وقتك، حينها هاجمْ، تكلّم، دافع، وأجبر الجميع على الإصغاءِ إليك..

لا تخسر نفسك باستعجالِك الهجوم، ولا تنساها مُحتميًا بالدّفاعِ خائفًا، اعتدل، خطط، ومن ثمّ لا تتردد بالتّقدم.

مقالات ذات علاقة

عادة ليبية قديمة

تهاني دربي

صراخ الصحراء الصامت

عبدالحكيم الطويل

حبوا الوطن

فاطمة غندور

اترك تعليق