طيوب عربية

حوار مع الأستاذ الإعلامي والمربّي والأديب حسين عبروس

الإبداعُ يموت تحت وطأة التعليم !

تهميش الكفاءات التربوية نذير بخراب منظومتنا التربوية.

تُجّار الكتابة للطفل يُجرمون في حقّ الطفولة.

حاوره: البشير بوكثير

الشاعر الجزائري حسين عبروس

أستاذ قدير، وأديب أريب نحرير، وشاعر خنذيذ ليس له نظير، وصُحفي ورئيسُ تحرير، أشرفَ على الكثير من الصّفحات الثقافية في الزّمن الجميل، صال وجال في منابر إعلامية رائدة مثل جريدة الشعب، الشروق، البلاد، أضواء، جزائر اليوم، كما احتضن الأثير وترك الأثر الكبير في برنامجه الشهير (قطوف دانية) بالإذاعة الثقافية على مدار عشر سنوات.

وهو إضافة إلى ذلك مُربّ غيور على التربية حتى النخاع، ومَصدرُ علمٍ وتوجيه وإشعاع، ورائدٌ في الحُجّة والإقناع ، واسع الصّدر، ذائعُ الصّيت عاليَ القدر، غزيرُ الإنتاج كالبحر، وهو في الشعر كأنه يغرف من بحر،  حتى حسده اللؤلؤ والدّر.. جمعتنا هذا المساء تصاريفُ الأقدار، فكانت المؤانسة والدردشة وهذا الحوار.

س1- بادئ ذي بدء أشكرك أستاذنا الفاضل حسين على قبولك إجراء هذا الحوار الحميمي التربوي والفكري. بِودّي لو تُعرّف القرّاء الأعزاء على مسارك العلمي والمهني باقتضاب؟

* من الصّعب أن يتحدّث المرء عن نفسه، ومن الأصعب أن يُـلمّ في هذه العجالة بكل تفاصيل الرحلة في عالم الحياة المتداخلة بين المسار الدراسي والمسار التربوي والإعلامي والإبداعي. لقد التحقتُ بمعهد اللغة والأدب العربي في منتصف الثمانينيات ، وبعد التّخرج عملتُ في مجال التعليم ،والإعلام، وامتدّت الرّحلة مُتشعبةً في اتجاهات مختلفة بين العمل التربوي والإعلامي والإبداعي، فوجدتُ الإبداع يموت تحت وطأة التعليم نظرا لعدم الحياة والمناخ المناسب له، ذلك لأنّ التعليم في جميع مراحله من الروضة إلى نهاية الدراسات العليا هو عملية روتينية تسيطر عليها أفكار جامدة تصنعها قوانين الإدارة، وتُـنفّذُ قواعدَها فئةٌ تعادي الإبداع والحرية. وكذلك الإعلام يقتل المواهب إلا لمن يملك قوة الإرادة والفن فلا يخلط بين العمل الصّحفي الجاف وبين دافق الإبداع.

س2- مارستم التعليم مدة من الزمن، كيف تقيّمون المضامين والمناهج في فترة السبعينيات والثمانينيات، ومضامينه بعد مرحلة – ما سُمي زورا إصلاحات؟

* من حسن حظي في فترة السبعينيات والثمانينيات أنني كنت تلميذا وطالبا،ولم أدرك تفاصيل التعليم في مجملها غير أنني كنت أعيش غبطة لا نظير لها في البرامج المقررة علينا ونحن صغار، ومن حسن حظي أيضا أنّني تعلّمتُ في نظام دراسيّ يختلف عن النظام العام،وهو نظام التعليم الأصلي الذي كان يُشرف عليه طاقم من خيرة رجال العلم والمعرفة، ومنهم الدكتور مولود قاسم وزيرا، والدكتورعبد الرحمن شيبان مديرا عاما والدكتور محمد متولي الشعراوي مشرفا على البعثة التعليمية في الجزائر.

لقد كانت مضامين التعليم العام آنذاك مقبولة إلى حدّ كبير، وكانت سلطة المدرسة قوية أمام كل الهزّات التربوية، والاجتماعية والأسرية، والمناهج كانت في مستوى تطلعات المعلم والمتعلم. وأحمد الله أنّني تعلّمتُ العربية على يد أساتذة أكفاء من أبناء الوطن العربي المشارقة، ولا أذكر أنّني تعلّمتها على يد جزائري، إلاّ في مرحلة التعليم الابتدائي.

 وأمّا عن الإصلاحات فلم أر لها جدوى ما لم تكن قادرة على تمكين المتعلم من فكّ  أسرار الحروف قراءة وكتابة، وفهما ودراية، وتحوّلا من حالة المجهول إلى المعلوم من العلوم والمعارف، ولا معنى للإصلاحات التي لا تهتم بتكوين المعلم والأستاذ والإداري، لقد كان هناك خلل كبير في تلك الإصلاحات التي قادت المدرسة الجزائرية إلى الهاوية مدة ثلاثين سنة، و التحول من التعليم العام إلى التعليم الأساسي،وبعد ثلاثين سنة اكتشف خبراء التعليم عندنا أنهم أخطأوا الطريق ولابدّ عليهم من التخلي عن التعليم الأساسي والعودة الى النظام القديم .ولم تكن إصلاحات” ابن زاغو” بأحسن حال من سابقتها من الإصلاحات حيث استولى الفريق التغريبي على كل المقدرات من الإصلاحات، وظل الفريق المُعرّب يركن البعض منه إلى التخاذل والغياب تارة، وتارة أخرى إلى المهادنة ومسك العصا من الوسط، وتارة ثالثة الدفاع المستميت من فئة قليلة تهاوت تحت تأثير قرارات “ابن زاغو”.

س3-الكثير من أهل الاختصاص يتحدث عن فشل الإصلاحات التي شرعت فيها الوزارة الوصية منذ 2003م إلى اليوم. هل هذ الحكم صحيح؟ وماهي في رأيكم الأسباب المباشرة التي أدّت إلى فشل الإصلاح التربوي ؟

* لم تسلم المدرسة الجزائرية من كارثة إصلاحات الجيل الثاني التي تبنتها “بن غبريط” بكل ما فيها من أخطاء كارثية في المناهج والمقررات الدراسية التي لم تسلم منها اللغة العربية ولا المواد العلمية. وظل المجتمع في دائرة قوم تبّع لا يكترثون لشيء إلّا لما وصل عن طريق بعض وسائل الإعلام،وانقسم المجتمع ما بين الداعي للمحافظة والأصالة، وبين الداعي الى التطور والتحضّر على حساب قيم وأصالة المجتمع الجزائري، وظلت نظرتنا رافضة لكل ما يمارس على المدرسة الجزائرية من تجهيل، ومن تسطيح للفرد الجزائري، سواء تعلّق الأمر بالتعليم العام أم بالتعليم الخاص.

نحن في حاجة إلى خبراء في التربية والتعليم وعلم التربية والنفس، وذلك من أجل النهوض بالتعليم في بلدنا. ومن أسباب فشل الإصلاحات عندنا يمكنني حصرها في النقاط الآتية:

– النظرة السياسية القاصرة التي تُركّزعلى الكمّ لا النوع ،وعلى ترضية بعض الأطراف على حساب المجتمع بكامله.

 – عدم منح الفرصة للكفاءات التربوية الجزائرية من المساهمة الرسمية والفعلية في عملية الإصلاح.

 – التخطيط التربوي الذي يهتم بالأرقام، ولا يهتم بالطرق والمناهج الرائدة كما هو الحال في المجتمعات والدول المتطورة.

طرح تدريس اللغة الأمازيغية والفشل في كيفية تدريسها من حيث الشكل ومن حيث المضمون، وتسييس عملية التدريس ومحاولة خلق فواصل داخل المدرسة الجزائرية. – الانتقال إلى التعليم الخاصّ وإلحاقه بوزارة التجارة، بدل إلحاقه فعليا إلى وزارة التربية بعيدا عن الإشراف الإداري.

– غياب التكوين الخاص الذي يمسّ كل العناصر الفاعلة في العملية التربوية وإسناده إلى مؤسسة جامعة التعليم المتواصل التي تخلو فيها عملية الجدية والحزم في مجال التكوين.

-غياب عامل التحفيز والتشجيع في مجال البحث التربوي، والاكتفاء بأسلوب التلقين والاستظهار، وعرض المصطلحات التربوية التي توقع المتأمل في وهم الإصلاح.

س4- ما رأيك في منهجية الكتاب المدرسي في الجزائر؟

* الكتاب المدرسي هو في الحقيقة تجميع وإعداد وليس تأليفا كما يظنّ البعض ممّن توكل لهم هذه المهمة، ولذا يجب على من يتولاها أن يكون على كفاءة علمية وتربوية عالية، وأن يكون على وعي جمالي وذوق فني في عرض المادة المراد تدريسها، ولذا نجد ذلك القصور في عملية اختيار النصوص، وفي عملية التصرّف فيها، وبترها كما حال الكثير من النصوص المأخوذة عن الأنترنت والمجلات، وعدم ذكر أصحابها والمراجع والمصادر التي أخذت منها، فغياب الجانب الفني والتربوي والعلمي من الكتاب المدرسي هو ضربة قاضية للعملية التعليمية-التعلمية.

س5- لديكم باع طويل في الكتابة للطفل، هلاّ حدثتمونا عن تجربتكم الإبداعية في هذا الميدان؟ وماهي الشروط الواجب توفرها في المبدع الذي يكتب للطفل؟ لأن الكثير من المبدعين يستسهلون عملية الكتابة للطفل؟

* بخصوص سؤالكم عن تجربة الكتابة للطفل، لا يمكنني شخصيا تقييمها، أترك المجال للناقد الحصيف المتأمل للفعل الإبداعي، ورغم ذلك أقول: إنّ الكتابة للطفل هي من أصعب العمليات الإبداعية وخاصة إذا تعلق الأمر بكتابة القصة والنصّ الشعري الموجه للطفل، ومن أهم الشروط التي تتوفر في الكاتب لأدب الطفل : -الموهبة الكبيرة التي تمكّن الكاتب من تجاوز حدود الكتابة العادية، أو العملية التجريبية أو التطفلية.

 – الإلمام بثقافة الطفل شعرا ونثرا، والإطلاع على التجارب الكبيرة في العالم وفي الوطن العربي.

-التمكّن من علم النّفس التربوي والنّفسي والثقافي الذي يخصّ الطفل.

– معرفة أسرار وجماليات النص فنية والجمالية، ومواكبة التجارب العلمية التي تجتاح حياة الطفل في العالم، وللأسف ما أكثر المتطفلين على الكتابة للأطفال في هذا الوطن وفي هذا العالم. وهم في الحقيقة تُجّار، والبعض منهم يُجرم في حق الطفولة.

بعض من مؤلفات الكاتب الجزائري حسين عبروس

س6-واقع الثقافة في الجزائر، كيف ترونه ؟

 *أمّا عن واقع الثقافة في الجزائر فحدّث ولا حرج في زمن الهرج والمرج، وفي زمن غياب المنابر الثقافية والإبداعية والنقدية، فثقافتنا عند الكثير كلّ عام طبعة جديدة منقّحة من طبعات قديمة، فبلادنا تفتقد منظومة ثقافية واضحة ممن تولوا منصة الثقافة ،وهم بعيدون كل البعد عن الثقافة وعن صناعة الثقافة، ويبقى الأمل في تلك التجارب الفردية التي يصنعها كل مثقف في عزلته.

 الثقافة في عصرنا هذا هي ثروة المعرفة، وثورة الإبداع على الجمود والخمول، والتسطيح المعرفي الساذج، ولذا على المبدع والمفكر والمثقف والفنان أن يساهم فيها بكل قوة، وعلى وزارة الثقافة ألاّ تنتظر موعد المعرض الدولي للكتاب من أجل أن تستنفر كل قواعدها، وألاّ تكون صورة الثقافة في جهة واحدة أو مناسبة معينة.

س7- لمن يقرأ الأستاذ حسين عبروس ؟

* أنا أقرأ لكل إبداع وفكر جميل يُعيد تشكيلي معرفيا وروحيا وإنسانيا وثقافيا، ولذا فأنا على اتصال دائم بالتراث القديم من عهد “امرئ القيس ” شعريا إلى يومنا هذا،ولن أغفل التراث السردي القديم والحديث، كما لن أفوّت الفرصة على تلك التجارب الحديثة للكُتّاب الجدد، وتجاربهم . أنا بطبيعتي قارئ نهم لكل جميل يصنع في الدهشة ويعيدني إلى الينبوع الأصيل روحا وإبداعا.

س8-كلمة أخيرة للقرّاء

*كلمتي الأخيرة هي: إذا أردنا أن نصنع وطنا جميلا فعلينا بالعلوم والمعارف، وعلينا أن نبتكر سبل الجمال روحا ومادة، فلا يتحقق البناء بالجهل والكراهية ، والعدائية لما تركه الذين سبقونا إلى الوجود. فمعظم الدول المتطورة كانت قاعدتها العلوم والمعارف. رعى الله  كل مبدع جميل مخلص لله وللوطن. تحيتي لك صديقي الأستاذ بشير.

ـــــــــ

ملحق خاص بالسيرة الذاتية الأدبية والمهنية مفصلة للأستاذ الأديب حسين عبروس.

-الاسم الكامـل : حسين عبروس.

–  دراسات عليا في الأدب.

–  خريج معهد الأساتذة قسم اللغة والأدب العربي.

 – اشتغل بالتعليم كما اشتغل بالإعلام في عدة صحف وطنية.

 *المجال الإبداعي و الثقافي :

 –  يكتب الشعر

  – الدراسـات النقدية

  – أدب الطفل (شعر و قصة)

  – نشر أعماله في عدة صحف وطنية و عربية.

* فـي الداخـل : عمل بكل من جريدة الشعب ،المساء، السـلام، أضواء، جزائر اليوم، الوجه الآخر، العقيدة، النور، الأثير، الشروق، البـلاد، مجلة المعلم، الإذاعة الثقافية (أعدّ برنـامج “قطوف دانية” مدة عشر سنوات).

* فـي الخارج :مجلـة المشكاة، مجلـة اليوم السابع، المنتدى، الفكر، الأقـلام، الرافـد، الإتحاف، مجلـة فنـون، الإبـداع، العربي، أخبـار الأدب.

 * نشر في عدة مواقع ومنصات الإلكترونية:

–  مجلة المنار الثقافية الدولية- مجلة دروب المصباح – مجلة طنجة الأدبية – موقع انطولوجيا- مجلة شعر على النت- موقع فوانيس السماء العربي- مجلة الشعلة- موقع جريدة العربي اليوم- مجلة بيروت- موقع بوابة موسوعة الشعراء- مجلة فن ثقافة- مجلة قاب قوسين. ومنصة هواء للكتابة الإبداعية . ومجلة ميرفت الثقافية ،ومواقع أخرى.

 * النشـاط الثقـافي و الإبـداعي:

– عضو اتحاد الكتاب الجزائريين ،عضو مـؤسس لـرابطة إبداع الثقافية

الوطنية ،أمين وطني للإعلام و الثقافـة لـجمعيـة أدب الطفل (طفولة)،عضو

معجم البابطين للشعر العرب .

 – شـارك في عدة ملتقيـات وطنية ، عربية و دولية و أمسيـات شعرية ،حصل على عدة جوائز

أدبية . ترجمت بعض أعماله إلى الفرنسية والإنجليزية .

 *الأعمـال المطبـوعـة :

1- شعـر:

–  ألف نافـذة وجدار طبعـة 1992

– النخلـة أنـتِ و الطلـع أنـا طبعـة 2004

 – طـرق علـى حديـد القلـب طبعـة 2007

–  ما تأبى من الطيف طبعة 2013

2- دراسـة فنيـة :

– علـى متـن سفينـة المتنبـي طبعـة 2003

–  أدب الطفـل و فـنّ الكتابـة طبعـة 2003

–  فـنّ الإقـلاع عـن التدخيـن طبعـة 2003

3- أدب الفتوة:

–  الشهيد أحمـد رضـا حـوحو طبعـة 2005

–  مصطفـى بـن إبـراهيـم طبعـة 2005

4- دراسـة تـاريخية:

 متيجـة ليلـة أول نـوفمبـر طبعـة 2000

5- قصـة أطفـال:

– سلسلة روائع الإبداع طبعة 2008

–  وغرد البلبل

– الزهـرة الفراشـة

–  ماسينـا و الطائـر الحسـون

–  الشجيـرات الخمـس

– الأرنوبة ميمـا و تبـرون

 -النملـة الغـريبـة

–  عصافيـر أبـو دومـة

–  حالم بالنور

 – تين هينان أجمل ملكات الصحراء

–  القائد الملثم

6- شعـر للأطفـال:

– نـدى الطفولـة

– أغنيـات دافئـة

أعمـال تحـت الطبـع:

1-الشعـر:

– لك في القلب وطن

– التقـوسـات اللذيـذة.

– وأعمال أخرى تنتظر النشر في أدب الطفل في الدراسات .

2- دراسـة فنيـة:

– الظامئون إلـى الحـب رجـالا ونسـاء

 * ورد اسمـه فـي عـدة معاجـم أدبيـة منهـا:

1- معجم البـابطين لشعراء العرب / مـؤسسة جائـزة البابطين الكويت 1995

2- معجم قامـوس و العلماء المعاصرين / دار مدنـي 2003

3-موسوعـة العلماء و الأدباء الجزائريين / دار الحضـارة الجزائر 2002

4-معجـم الشعراء من العصر الجاهلي إلى سنة 2003 دار كتب العلمية بيروت.

مقالات ذات علاقة

ويركض الحنان في الأرجاء

مهند سليمان

الرسالة الرابعة والخمسون: كم أنا رجل محظوظ بك

فراس حج محمد (فلسطين)

إعلان القائمة الطويلة وأسماء لجنة التحكيم للجائزة العالمية للرواية العربية عام 2022

المشرف العام

اترك تعليق