قصة

زهرة الأوركيد

زهرة الأوركيد (الصورة: عن الشبكة)
زهرة الأوركيد (الصورة: عن الشبكة)

جلست ماريا تحتسي قهوتها المزهرة بماء الزهر الربيعي، في شرفتها المحاطة بدربزين رخامي أبيض كبياض الثلج و المليئة بالأزهار التي يفوح عطرها.

تأملت ماريا الأصيص الأرجواني المُثمن الشكل، المليء بزهور الأوركيد الملكية، بلونها الوردي المتدرج، حنت عليها ولمست زهيراتها الندية، فتذكرت لمسة حبيبها خليل حين أهداها مثلها في عيد ميلادها العشرين .

رجف قلبها وارتجفت أناملها الرقيقة المخضبة بالحناء التي يعشقها حبيبها خليل. لملمت وعقدت شعرها الذهبي في جديلة كسنابل القمح، تتوهج الشمس من تفاصيلها.

أحكمت شالها الحريري المزركش علي كتفيها وأغمضت عينيها الناعستين محاولة استرجاع ذكري أول لقاء لها بحبيبها خليل،.

تذكرت انهما التقيا في حانه موشي، ذلك اليهودي المرابي، الجاحظ العينين المنتفخ الكرش، كان صاحب الحانوت في شارعهم الكبير، والمصدر الوحيد لطلبات السكان من المواد الغذائية. وكيف التقت عينيها العسليتين بعيني خليل، فوقع أسيراً وهوى وأمعن التحديق فيهما حتى ثمل. فتورد خداها، فأضحتا كحبات الكرز.

سقط كيس الطحين من يدها فتبعثر كغبار في ليلة رملية ولطخ ثوبها وأرضية الحانوت. ضحكت هي وخليل مما حدث ومن غضب المرابي .

خشت ماريا من كلام المربي الجارح ومن غضبه، حاولت لملمت ما تبعثر من الكيس بحركة مرتبكة، اقترب خليل منها، طيب خاطرها، فداعب عطرها حواسه، فاقترب بلهفة المشتاق، وعيناه لا تفارقها، تسافر في أنحائها دون جواز سفر. قربهُ أفقدها توازنها.

لولا خوفها من موشي المرابي.. كادت أن ترتمي بحضنه الدافئ .

زاد ارتباكها وخوفها، من أن يكون المرابي وهو يراقبهما، قد يكون أحس بما يجول في خاطرها فخارت قواها، أحست بدوران الأرض تحت قدميها ولم تعد تعي .

– يا أنسة يا أنسة فيقي !!

فتحت عينيها وجدت خليل فوق رأسها يمسح جبينها بمنديله الأبيض المعطر.

تساءلت ماريا بخجل:

– ماذا حدث؟ .

أجابها خليل وبقربه المرابي:

– أنت بخير، أغمي عليك للحظات، لا تخافي سأرافقك لبيتك.

استجمعت ما تبقى من قواها وابتسمت ابتسامة الأنثى المنتصرة.

تذكرت إنها حاولت وهي تسير معه إطالة الطريق إلى بيتها، حيت كانت تسكن في الزقاق الخلفي للحانوت، كانت أنفاسها متسارعة منتشية من عطره، ولكن خطواتها بطيئة وهي تسير في طرقات ملتوية تختلق الحكايات عن حبها للأزهار بصوت مبحوح كعزف مبتدئ على أوتار الآهات. تزهر أقدام العاشقين على نوافذ الهمسات، ترسم ملامح رحلة عشق قد بدأتها .

في الطريق وجدا زهرة الأوركيد الوردية التي تعشقها، وقفت تتأملها فسارع خليل لقطفها وإعطاءها لها، في دلال مقصود حاولت تثبيتها بين خصلاتها.

فجأة سارا بصمت فلم يعد يسمعا إلا صدى اللهفة وأنفاس عشق لا تهدأ، الأنامل تتلامس، تتشابك، تتعانق، كلاهما شارد في تفاصيل الآخر، خمد لهيب الشوق بعناق، بشوق، وفرح، فعزفت العصافير والبلابل أحلي معزوفة في الحب. لم تنم ماريا تلك الليلة حتي عانق نور الصبح ستائر نافذتها.

في الظهيرة رن جرس الباب ففتحته، فقدم لها فتى صغير يرتدي ملابس أنيقة علبة كانت هدية عبارة عن أصيص ملئ بزهرة الأوركيد وعلبة حلوى وبطاقة عليها عبارة سأزوركم اليوم مع أمي.. التوقيع خليل .

مقالات ذات علاقة

ذات غربة

عوض الشاعري

شُطِّي بُطِّي

عزة المقهور

العـهـد

المشرف العام

اترك تعليق