متابعة: حواء القمودي
تراث الشعب، فصلية متخصصة. محكمة، وهذا عددها (الثالث والسبعون) مفتتح السنة الحادية والأربعون، (42-1443هجري – 2021م) … شعب واحد.. تراثه واحد
ورئيس التحرير د.محمد أحمد وريث، وليس التأكيد على هذه المعلومات للتذكير بها، ولكن لإجزاء التحية والتقدير لمن مازال مكابدًا ويكابد لأجل أن تواصل هذه المجلة صدورها، وهذا من عجائب بلادنا، فمثل هذه المجلة “من المفترض” وهي بتفردها وعمرها أنها صارت مؤسسة ولها إصداراتها، ولكن ها هي مازالت تكابد؟ ومازال رئيس التحرير يواصل تحديه لما تواجهه هذه المجلة خلال كل عدد يصدر منها، ولكن الأجمل أنها تصدر بحُلتها المتميزة، و(في هذا العدد) نجد بعضا من المواضيع التي سنقرؤها داخله، ومقالة د.وريث (الاحذية والنعال وغيرها: عندما تستعمل الاشياء لما ليست له) وكعادته بأسلوبه الجزل، يبحر بنا بين المعاني والحكايات التاريخية، ثم يواصل التنقيب في أخطاء “المنجد” وهو معجم (المنجد في اللغة والإعلام) وهذا المعجم جعل من تاريخ استقلال ليبيا (الثاني من نوفمبر2 195، وهو خطأ والصواب كما هو معروف 24كانون الأول ” ديسمبر 1951م)
وأما الخطأ الذي اهتم به رئيس التحرير في مقالته هذه والذي بدأه بتساؤل (هل لقيروان عقبة التونسية توأمة أو سميّة ليبية؟!) فهو (قد تدخل في أراضين الدنيا واختط فيها مدينة جديدة وأضاف إلى “القيروان” الوحيدة التي في تونس “قيروان” أخرى وضعها في ليبيا وجعلها توأماً لها) والمنجد كما في المقالة يعرف هذه القيروان الليبية (القيروان منطقة صحراوية (في ليبيا) كثيرة الواحات)، وهكذا يفند د.وريث ماورد في المنجد من خطأ لأن (هذه المنطقة التي أثقلها بما ليس فيها هي مدينة “قورينائية” أو “كيريني” كما كانت تسمى منذ اقدم العصور).
وسنجد في هذا العدد دراسة عن (دار البارود) للأستاذ سعيد علي حامد، و(في أسماء ملابس النساء وأغطية الرأس) للمبدع البوصيري عبد الله، وتعيد المجلة نشر دراسة قيّمة بقلم الأديب المبدع الراحل : عبد ربه الغناي، عنوانها: التراث : تأملات وذكريات.، وفي التوطئة التي سبقت الدراسة نعرف أن هذه الدراسة ونشرت في مجلة تراث الشعب ( في عددها الأول الذي استهلت به صدورها عام1980م)، وأن الذي كتبها (الباحث الأديب الشاعر والكاتب الصحفي والناقد المؤرخ ورئيس التحرير القديم عبد ربه فضيل الغناي أو “أبو فضيل” والذي ملأ دنيا الكتابة في بلادنا منذ بداياته المبكرة في أربعينات القرن العشرين الماضي وحتى رحيله 1985م، حين شق طريقه شاعرا وكاتبا وناقدا وصحفيا وأديبا ومؤرخا وقاصا )، أمّا الدراسة فهي تدل على جهد كبير لمحاولة تأسيس صورة واضحة عما يعرف بالتراث، وكما في دراسته: (من خلال هذه النظرة العابرة نستطيع أن نصع ابهاماتنا باصمين حجة التراث.. ومن هذا الخلال نعبر إلى معرفة التراث وإلى تصنيفه ووضعه في حقيقته الواضحة … فالتراث هو كل مادة أو فعل مأثور من تركة المجتمعات باق على مر الأجيال ناتج عن متحرك جمد في كائن حي.. أو فعل مورس من كائن حي انعدم أو تلف.. استمرت صيرورته مع الزمن إذ لأنه بات إرثا لمن يلي.. ومأثورا لمن استجد.. ومتمرسة لمن جاؤوا بعد الذي انعدم).
وأيضا في هذا العدد نجد (حول اسم غدامس ومدلوله الاصطلاحي) للأستاذ أبوبكر عمر هارون، وأما الدكتور فتحي الساحلي فقد ساهم في هذا العدد بـ(ظهور الديانة المسيحية في اقليم كورينايكا).
ويتابع د.عبد السلام شلوف (المواقع والوقائع الليبية)، وتكون حُلية العدد (السيرة الذاتية للمؤرخ والأديب وهبي البوري طوال تسعين عاما (1916-2006) ./ ذكريات حياتي / وهي الحلقة الأولى. وفي ملحق العدد (إعادة نشر لمن لم يطلع على ما نشر) وهو (ملحق خصصناه لإعادة نشر بحثين اثنين ضمهما الإصدار المزدوج من تراث الشعب للعددين ( 70-69)، والبحثان هما (الصيدليات التاريخية المنسية بمدينة طرابلس القديمة، د.عبد الكريم أبو شويرب)، والبحث الثاني: الاحتفاء بالحج والأضحية في براك الشاطئ للأستاذة فاطمة عبد الله غندور (واكتفينا بالقسم المخصص للحج فقط وجعلنا عنوانه (مناسبة دينية كان يحتفى بها في واحة ليبية) …
وخلال العدد سنجد متفرقات تختارها (تراث الشعب)، مثل (السنوسي الكبير أعادهم إلى الإسلام: بأمر زازا كانوا لا يصومون رمضان)، وأمّا هذا الـ”زازا” فهو (في نواحي منطقة ” كرسة” التي تبعد عن درنة بنحو اثنين وعشرين كيلومتر كان ثمة وادٍ سحيق بعيد الغور مترامي الأطراف يسمى زازا يسكنه غير عدد قليل من الناس) ولكن ما حكاية هذا الوادي مع صيام رمضان؟ (توارثوا أن يستشيروه في صيامه “وادي زازا” الذي كانوا فيه يعيشون ولأصوات الصدى الهادر التي تتردد بين جنباته كل حين تولد في نفوسهم الخوف منه وغرست فيهم الرهبة، فعظموه وقدسوه، فإذا اوشك شعبان على الانقضاء تجمعوا في عمق الوادي من أجل استشارته في أمر صوم رمضان وتوجهوا إليه بسؤال يطلقونه في صيغة موحدة وصوت موحد (أخبرنا زازا : هل نصوم رمضان أم لا) فتكون لفظة ( لا)النافية الناهية المتكررة عدة مرات : ( لا لا لا إلخ) هي ما يعتقدون أنه أمر ٌ من زازا بعدم الصوم) ولكن هل ظلّ أهل هذا الوادي على جهلهم ؟ ( وفي الثلث الأخير من القرن التاسع عشر حلّ بينهم الشيخ الإمام محمد بن علي السنوسي يبشرهم بالإسلام الصحيح فصرف جهده في إنشاء الزوايا التي عرفت بالزوايا السنوسية لإرشاد الناس إلى قواعد الدين الأصيلة)
وبانتظار العدد الجديد من مجلة (تراث الشعب) لنواصل ترحالنا مع الجزء الثاني من (السيرة الذاتية – ذكريات حياتي) للمؤرخ والأديب وهبي البوري، وهي رحلة ثرية ومليئة بالتفاصيل والتي بدأها من (حياة الطفولة) حيث يقول: (هاجر أجدادي من مصراتة الى. بنغازي في منتصف القرن الثامن عشر ميلادي، وأقاموا في البركة حيث ابتاعوا أرضا واشتركوا في زراعتها مع عائلة بن شتوان)، وحين جثم الاحتلال الإيطالي (وهاجر العديد من الأسر إلى الإسكندرية، وكانت أسرتنا من ضمن الأسر المهاجرة، فقد سافر والدي وشقيقاه و والدته وأسرته إلى الإسكندرية عن طريق اليونان، في حين التحق شقيقاه حسن وموسى بالمجاهدين، وقد عمل الأخير مع السيد أحمد الشريف في امساعد ثم مع نوري باشا، ومع الزعيم رمضان السويحلي في مصراتة) ويتابع الذكريات: (وقد ولدت عام2016 في الإسكندرية خلال إقامة أسرتي المؤقتة فيها، وخلال الحرب العالمية الأولى عام 1918م، والتي لم يقاس منها المصريون الكثير بسبب وفرة المنتوج الزراعي الذي كان يكفي الشعب برمته، ويغذي جنود الحلفاء الموجودين في مصر)، سيرة فياضة بالتفاصيل ومليئة بتواريخ هامة؛ انتظر بلهفة أن أقرأ جزءها اللاحق في العدد المرتقب .
وهذه مجرد إطلالة لتحية هذه المجلة التي تواصل شغفها واهتمامها، وتصدر بجهود مكثفة من المبدع الذي شغفه حبها (ولم يستطع منه فكاكا)، د. محمد احمد وريث، والذي نجزيه كل التحايا والتقدير، لجهوده وتفانيه.
وبانتظار العدد القادم نلتقي على خير…