المقالة

المحتوى الليبي على الإنترنت

مالك خلف

الإنترنت
الإنترنت (الصورة: عن الشبكة)

رغم تحسن خدمات الإنترنت في ليبيا بشكل لا يقارن بما كانت عليه قبل 2010 من حيث السرعة والأسعار والانتشار، وزيادة عدد المشتركين، حتى قارب أن يوازي عدد السكان، إلا أن المحتوى الليبي على الإنترنت في تراجع رهيب.

وسبب هذا التراجع قطعاً لا علاقة له بتوفر أو جودة الإنترنت، فالأرقام لا تكذب، ولكن السبب مع الأسف الشديد منصات التواصل الاجتماعي المختلفة.

فرغم أهمية هذه المنصات التي لا يمكننا إنكارها، إلا أنها استقطبت الجميع، فأُهمل بالتالي تصفح المواقع الأخرى، والتي تعتبر الخزان الحقيقي للمحتوى الليبي، وبالتالي ضعفت تلك المواقع، وانسحبت واحداً تلو الآخر، لتترك الساحة والجمل بما حمل لغول التواصل الرهيب، والذي لم يترك أخضراً أو يابساً.

فبعد انتهاء المنتديات الليبية كلياً، ثم اندثار المدونات الشخصية، جاء الدور على المواقع الإخبارية، فأغلب المحاولات الخجولة التي تبعث من هنا أو هناك، لا تستمر طويلاً ولا تجد الهواء لتتنفسه لنقص الزوار وبالتالي نقص العائدات وانعدام التمويل، ولم يبقى إلا بضع مواقع، تقف وراء أغلبها مؤسسات مقتدرة مالياً لتواجه هذا التصحر الإنترنتي والانجراف الأهوج نحو شبكات التواصل الاجتماعي.

ما يزيد الطين بلة، أن كل الجهات الرسمية في الدولة، ساهمت بشكل فاحش في هذه الكارثة والجريمة في حق الإرث الليبي، فكلها بدون استثناء، لا تعتمد في نشر أخبارها وموادها إلا على صفحاتها على فيسبوك حصراً، فيما يقوم بعضهم على استحياء بإعادة نشر تلك المواد وغالباً في زمن لاحق على مواقعهم التي يكسوها الغبار وتعشش في زواياها شباك العناكب.

قد يقول قائل، أليس المحتوى الليبي موجود على شبكات التواصل الاجتماعي، فما الضير في ذلك؟! ولما هذا البكاء على اللبن الذي يبدو أنه لازال في قواريره؟!

عذراً أخوتي، شبكات التواصل الاجتماعي وإن كبرت، ستظل وعاءً مؤقتاً للمحتوى، وكلها بدون استثناء يصعب فيها الوصول للمحتوى بشكل مباشر، بل غالباً لن تصل إليه مطلقاً، لأن أغلبها لا يفتح أبوابه أمام محركات البحث الخارجية، وإن فتحها فيكون مواربة بما لا يسمح بأرشفة إلا الجزء اليسير من المحتوى المنشور عليها، هذا عدا عدم جودة نسبة كبيرة مما ينشر على هذه المنصات، واختلاط الغث مع السمين.

أما أهم المعضلات، فهي ملكية المحتوى، فالمحتوى المنشور في منصات التواصل الاجتماعي، ملك لها، لا يمكنك ضمان استمراره، فقد يتم حذفه في أي وقت، هذا إن كنت محظوظاً بالوصول إليه بعد بضع أسابيع من نشره، كما أن عائدات الإعلانات التي تنشر استناداً عليه، تعود لهذه المنصات، والتي لا تتقاسم أي جزء من أرباحها مع صناع هذا المحتوى، ربما باستثناء صناع الفيديو الذين يتم تقديرهم بشكل أفضل هنا وفي يوتيوب مثلاً.

كما أنهم يتحكمون في إظهار المحتوى وإخفاءه وفقاً لمنهجيات وخطط تخصهم لا علاقة لصاحب المحتوى الأصلي بها، فتجد أحياناً أن مادةً ما نشرتها وصلت لـ10000 شخص، فيما لم يحظى غيرها بفرصة الوصول لأكثر من 100 فقط، حثاً لأصحاب المحتوى على الدفع من أجل الوصول للجمهور، عاكسين الآية التي يفترض أن يكون فيها صاحب المحتوى صاحب الحق الأصيل في أي عائدات ربحية تترتب عنه، مع عدم إهمال الحالات التي يتعمدون فيها حجب أو تقييد الوصول لمحتوى معين لا يتناسب مع سياسة شركاتهم وإن لم تكن مخالفةً لأي قوانين أو تشريعات بل وحتى أعراف محلية أو دولية.

خلاصة القول، في إحدى قراءاتي، وجدت معلومة مفادها، أن من مقاييس تقدم الأمم، حجم المحتوى الخاص بها الموجود على الإنترنت، وبهذه المقاييس، لن يختلف ترتيبنا كثيراً عن ترتيبنا في الفساد والشفافية وفي قوة جواز السفر وفي الأمن بين دول العالم، لذا يفترض أن نتبنى جميعاً وعلى مختلف مستوياتنا، مواطنين ومسؤولين ومنظمات أهلية، دعم المحتوى الليبي، والتشجيع على إنشاء المواقع الليبية، والمدونات الشخصية على أن تكون مستقلة لا تابعة لمنصات تدوين، فحال هذه لا يختلف عن حال منصات التواصل الاجتماعي إلا بقليل، هذا إن أردنا أن يكون لنا وجود حقيقي في هذا العالم الشاسع الذي لا يرى الأجسام الميكروسكوبية التي بمثل حجمنا الآن!!

مقالات ذات علاقة

الدراما في رمضان.. غزارة في الإنتاج.. وتنوع في المدن

إنتصار بوراوي

يا خوفي!

عائشة بازامة

غابات الهُوِّيَّات الثقافية

عمر أبوالقاسم الككلي

اترك تعليق