طيوب النص

الرقم 7

من أعمال التشكيلية المغربية سميرة دباح
من أعمال التشكيلية المغربية سميرة دباح

 منذ أن رآها تنظر إليه من خلف زجاج نافذتها عندما كان في زيارة لبيت خالته؛ وهو في كل إجازة يأتي إلى بلدته عائدًا من الجامعة، لا ينسى أن يمرّ من هناك حتى يتسنّى له أن يراها، وهي لا تبعد نظراتها عنه وقد تدلّت خصلات شعرها على جانبي كتفيها، يبدو على ملامح وجهها آثار حزن، وفي عينيها نظرة تائهة، كانت قد آسرته بجمالها وابتسامتها الخجولة.

 خاف أن يلاحظ أحد كثرة تردّده هناك، ولم يجرؤ أن يسأل أحدًا عنها مخافة انكشاف سره، وكان يتمنّى أن يكتب لها رسالة أو يفعل أي شيء حتى يعرف اسمها أو أي شيء عنها؛ لكن الخوف كان يمنعه في كل مرة.

 ظلّ على حاله يكتفي بالنظر إليها، وقد أصبح وجهها ظلًا يرافقه أينما ذهب.. هذه الإجازة لم يرها؛ ففي كل مرّة يذهب إلى هناك لا يجد سوى نافذة مغلقة، ولم يكن أمامه إلا يومان ويعود إلى جامعته، وبدأ القلق يساوره والهواجس تزيد من حيرته، ولم يعد يرى خلف النافذة سوى ستارة معتمة كانت قد اسدلت مكانها.

 وفي كل مرّة يغادر فيها، يشعر بأن خالته تريد أن تخبره شيئًا بعد أن لاحظته وهو يسترق النظر إلى نافذتها وكأنهم على موعد؛ لكنّها آثرت الصمت حتى لا تحرجه بأنها عرفت سرّه وسبب زيارته المتكرّرة لها. ليس عليه الآن سوى الانتظار حتى يأتي في إجازته القادمة علّه يحظى بشيء منها.

 عاد إلى البيت خالي الوفاض.. جمع أشياءه.. ودّع أهله، وذهب إلى المحطة.. كان سائق التاكسي قد رفع صوت المسجّل، وبدأ يدندن مع محمد حسن: “ليش بطى مرسالك عني.. لو ترحمني ما تظلمني…/ مرسالك وين وعندي عين اشتاقت واليوم بعامين…”

 ولم يكن أحد من الركاب يستمع رغم علو الصوت ورائحة السجائر العالقة في المقاعد، فالكلّ راح في نوم عميق في هذا الوقت من الظهيرة،

هو وحده كان يجلس في المقعد الخلفي من السيارة وقد أخذه الخيال بعيدًا.. هذه سنته التدريبيّة في كلّية الطّب، وبمجرّد رجوعه سيخبر والدته عنها ورغم أن ظروفه كلّها لا تسمح بذلك؛ إلّا أنّه اتّخذ قراره وسيذهب لخطبتها، فقد وجد نفسه يشتاق لها كثيرًا، ويستعجل الإجازات كي يراها، وردّد بصوت تجاوب معه قلبه بأنه وقع في حبّها، وأخذته أحلام اليقظة وهو يخطّط لحياته ومستقبله وهي معه..

 لم ينتبه إلا وسائق التاكسي يحث الركّاب على النزول، فقد وصلوا إلى، محطّتهم الأخيرة، ولم يكن مكان المحطة بعيدًا عن سكنه الجامعي، فآثر أن يقطعه مشيًا وهو يحمل حقيبته على ظهره، وقد علقت كلمات الأغنية على لسانه فأكمل طريقه وهو يغني…

 هذا الصباح لم يكن كعادته، فقد تأخّر في نومه ولم يشرب قهوته، وقد تجاوزت الساعة الثامنة والنصف وعليه أن يكون في مستشفى الأمراض النفسية والعقلية، فاليوم هو موعده الأوّل كطبيب متدرّب هناك، وقد غادر رفاقه من دونه.

 كان يشعر بالارتباك وهو يدخل ساحة المستشفى، ولا يدري لماذا توقّف فجأةً، وهو يشعر بأنّ أحدًا يراقبه. رفع رأسه نحو النًافذة ليجدها.. نعم هي؛ شعرها، عيناها، نظراتها. كانت هناك خلف القضبان، وبجانب النافذة كان هناك ممرّ كُتب على لوحة في مدخله:” العنبر رقم7″.

مقالات ذات علاقة

صباحكم أجمل.. نابلس لحنٌ يموسق أشواقًا

زياد جيوسي (فلسطين)

هوامش الحكي

محمد السنوسي الغزالي

وهم الحرية

عائشة الأصفر

اترك تعليق