قصة

رسائل واتساب

من أعمال التشكيلي الليبي توفيق بشير

اليوم أكملت عدّتي على وفاة زوجي، وغادر كلّ من كان معي ليخفف عنّي حزني إلى بيته. دخلت غرفتي التي هجرتها منذ وفاته ولم أنم فيها.. نظرت إلى وجهي في المرآة فبدا شاحبًا وحزينًا، وسألت نفسي:

” هل أنا حزينة عليه أم على فراقه بعد كل هذا العمر؟ “

لم يكن يومًا إلّا طيب القلب، كريمًا؛ لكنّه سريع الغضب، لا يحب التفاوض ولا النقاش، يفعل ما يريده في أي شيء، وكأنّه أمرٌ مفروغٌ منه. تزوّجنا زواجًا تقليديًّا لا علاقة للمشاعر به، لم أحبّه، حاولت كثيرًا ولم أستطع، هو كذلك يبدو أنّه لم يحبّني؛ ولكن بقينا معًا عشرين عامًا، وأصبح لدينا أربعة أولاد.

بالأمس أخبرني ابني البكر، أنّه تلقّى رسالةً على (الواتساب) من هاتف والده تحمل اسم فتاة، قال لي: لقد كتبت أنّها قلقة عليه، وتنتظر مكالمته.

كان زوجي دائم السفر، يغيب بالشهور عن البيت، ولم أٔكن أهتم لذلك، ولا أفرح كثيرًا لعودته، رغم كلّ الهدايا الثّمينة التي كان يجلبها معه. لم يطلب منّي يومًا أن أرافقه، فالمكان الوحيد الذي سافرنا إليه معًا، كان في شهر العسل منذ عشرين عامًا.

فتحت خزانته.. نظرت إلى ملابسه المعلّقة بترتيب، ورائحته العالقة فيها، وتساءلت: ترى من تكون؟ وما يزال كلام ابني يتردّد في ذهني. هل هي حبيبته؟ وشعرت بأنّني غاضبة:

“هل كان يخونني؟ ما هذا الذي يحدث معي؟ هل هي الغيرة؟ كيف تكون غيرة وهو قد مات، ثم أنّني لم أحبّه يومًا، فلماذا أغار؟ ربّما هي كبريائي!”

لم يخطر ببالي يومًا أن أطّلع على هاتفه، حتى عندما كان يتركه بجانبي، ويذهب إلى النوم، لقد كان يثق بي ويطمئن لذلك. جلست على حافّة السرير، ونظرت إلى المصباح المضاء إلى جانبي وأطفأته، وعمّ المكان ظلام دامس،

لقد كان يحب أن ينام في هذه الأجواء المظلمة، وأنا أخاف ذلك الظلام، فكنت أحب أن يكون ثمّة ضوء في غرفتي، حتّى ذلك الآتي من الشارع. ذهبت إلى النّافذة.. أزحت الستائر السميكة عنها.. عدت إلى سريري وحاولت أن أنام؛ لكن يبدو أنّي قد اعتدت الظّلام، أشياء كثيرة قد اعتدتها!

لابد أن أعرف قصّة هذه المرأة” “

ذهبت إلى غرفة ابني، لم يكن نائمًا فكان جالسًا في مكتبه، وقد وضع أمامه (اللابتوب).

– أين هاتف والدك؟ فتح درج مكتبه وناولني إياه. –

اتّصل بالرقم الذي أتت منه الرسالة. –

تردّد قليلًا ثم وافق عندما وجد نظرة الإصرار في عيني. مدّ لي الهاتف،

إنّه يرن… شعرت بالارتباك وبدأ قلبي يخفق بشدّة..

– ألو.. وقذفت به إلى ابني.

– ألو بابا.. هذا ما قالته.

أخذ ابني الهاتف وتحدّث معها، وأنا جالسة إلى جانبه استمع وارتجف، وقد شعرت بالعطش والضيق من ملابسي السوداء، وعندما أقفل الخطّ؛ أخبرني أنّها ابنته مقيمة في الأردن، ولم تعد تتلقّى مكالماته منذ فترة، ولم تعلم بوفاته. ثم سكت قليلًا وقد بدا عليه الارتباك، وقال:

– أمّي أريد أن أخبرك أن هناك رسالة أخرى، وجدتها قبل هذه من فتاة، هي أيضًا مشغولة على أبي. أخبرتها بوفاته، وسألتها، فقالت لي إنّه والدها، وهي تعيش في روما! لم أتمالك نفسي من الضحك، ضحكت.. وضحكت..

ترى، كم رسالة أخرى ستأتي على الواتساب؟

مقالات ذات علاقة

العـهـد

المشرف العام

قليل من الدفء

غازي القبلاوي

غابة

محمد المسلاتي

اترك تعليق