نورالدين بن بلقاسم ناجي (تونس)


ومرة فكرت ان الحب نبتة بحرية، نبتة لا تعيش الا في اعماق البحر، أردت الغوص بحثا عنها، أردت الغوص بحثا عن حبك في اعماق البحر، عفوا في اعماق النفس، لم أفكر ان الذكرى تجلس على ذلك الشاطئ، لم أفكر ان الحب يسكن في القلب كما يسكن العشب في البحر، لم أفكر ان الحب يصعد الى اعماق الجبال، رأيت وجهك البحري على منحدر جبل ساحلي يمد ذراعيه الى، السماء، رايتك تحب السماء حين تغرق في البحر، رأيتك تحب النجوم في السماء، ضاع الحب بين الارض والسماء.
البحر، لا لون له، انت لا لون لك، اخذت كل الألوان لم تترك في لوحتي اي لون يدل على لونك في السماء، لم افكر ان سرطان البحر استولى على قصري، حاصرني، نهب كل مجوهراتي الثمينة، اكتسح الحوت الأزرق مملكتي، قتل كل جنودي، فتح كل ابوابي، لم يترك بابا للذكرى الا طرقه، لم يترك مفتاحا الى قصري الساحلي الا أخذه، لم يترك نافذة تطل على الذكرى الا حطم زجاجها، يتناثر الزجاج في غرفتي كما تتناثر الازهار في حديقتي، كما تتناثر الاحلام في فراشي الصباحي، حاولت ان اجمع الذكرى، حاولت ان اجعل الذكرى وسط باقة من الازهار، انت طرقت باب غرفتي،، انت اخذت مفتاحي، لم تترك لي اي نسخة افتح بها قصرك الساحلي؛ لم اجد وسط سواحل البحر ما يدل على سواحل الحب، لم اجد اي جزيرة تدل على جزيرتك، انت في هذا البحر العميق لا تشبه احدا، اكره ان تتحول في فراشي إلى مجرد سواحل فارغة من الحب، انت لا تشبه اي بحار، كل السفن مرت من هنا الا سفينتك، معطفك البحري مستورد من بلاد بعيدة، انت لا تسكن الا في جزيرة بعيدة، انا تلك الانثى التي تسكن في بلاد بعيدة، انا تلك الانثى التي لا تسكن الا في اعماق البحر تحب اعماق البحر.
خلت ان تلك الصخرة الصامتة تعرفك، تعرف مكان حبك في البحر، كم طال جلوسها تراقب العشاق في الصباح، تقترب منهم في المساء، هي تقترب من حب، هي تبتعد من حب كي تقترب من حب اخر لا يشبه حبها؟ كم طال انتظارها وهي تجلس هناك، كم رفعت يديها الى السماء تطلب الحب من السماء، تجمد الدم في عروقها، صارت على تلك الهيئة من شدة البكاء، جلست هنا كأنها ارملة تنتظر حبا قد يأتي من السماء، كم قاومت هيجان البحر؟ كم بكت عند الاصيل؟ كم انتظرت نشوتك مع الفجر؟ كم نامت دون ان تجدك؟ كم قلت لها السماء ليست زرقاء، كم قلت لها انت لا يمكن ان تسكني الا في اعماق البحر، انت لا يمكن ان تصعدي الا أقصى الجبال، انت فوق الجبال، كم ارادت ان تلقي بنفسها في اعماق البحر، ارادت ان تتخلص من حب جبلي، أردت أن تبحث عن حب بحري، كم قالت لذلك البحر احبك، كم قالت لذلك الجبل أخشى حبك، أخشى نظرتك الى السماء، غير بعيد شاهدت نسرا يطارد سمكة مذعورة، فكرت ان تلك السمكة هي عروس البحر خرجت من قصرها، حاصر النسر السمكة، شدها بين مخالبه وطار الى أعلى الجبل، لم تظهر السمكة اي مقاومة، استسلمت الى النسر كأنها كانت تنتظره بفارغ الصبر، كأنها كانت على موعد مع الحب يبدأ من البحر وينتهي الى أقصى الجبل، وعلى مسافة قريبة من الحب حط نورس فوق تلك الصخرة، لم ترفض استقباله، لم تفهم لماذا اختارها، توقعت انه معجب بصمتها، ظنت انه يحبها، ما فتئ النورس يغني، ما فتئت الصخرة ترقص على ذلك الغناء، لم تفهم وهي تغني من شدة البكاء عليك أين اخذك البحر؟، أين اخذك سرطان البحر؟ لم تفهم كيف تتفتح الازهار في اعماق البحر؟ كيف تتنفس؟ كيف تصمد امام هول العواصف البحرية؟، هناك جنوبا بقايا قارب صغير، خلت انه قاربك الاخير، بعد الحب، بعد العاصفة، تكسرت اجزاؤه، تحطمت احلامه، تحطمت اشلاؤه، لم تبق منه الا بعض اخشاب، الا بعض احلام أخذها البحر، لم أعرف من صاحبه، لم يترك اي بصمة تدل عليه، لم اعرف اسم حبيبته، اسم القارب سرطان البحر، لكن ما هو اسم حبيبتك؟ لماذا لم تكتب اسمها على ذلك القارب؟ لماذا تركت القارب مجهولا دون اسم يبحث لك عن اسم؟ هل كنت تخشى ان يأخذ البحر اسمي؛ هل كنت تخشى ان يأخذ البحر حبي؟ هل كنت تخشى ان يأخذ البحر ازهاري؟ هل كنت تخشى ان يرتطم اسمي بتلك الصخرة؟ انت اخذت كل الاسماء، لم تترك على اي قارب اسمك، لم تترك على اي صخرة أسمي، أنت استوليت على كل القوارب، اخذت كل الامواج، اخذت كل الاحلام. انت اخذت كل الاسماء، الا اسمي تركته في البحر يبحث عن اسمك في اعماق البحر.
هناك شمالا جلس عروسان على الشاطئ، جلست اراقب تفاصيل الذكرى عندما تهرب بك الذكرى الى الشاطئ، عندما تهرب بك النشوة من البحر الى الشاطئ، تبدأ قصة أخرى، اعرف قصتك، اعرف حبك، أجهل قاربك، اعرف ازهارك، تبادل العروسان قبلة، تبادل العروسان النشوة، لم ينتبها الى ان الطقس بارد، ابتعد الجو صارت له طراوة خاصة، رقصا معا رقصا خفيفا تحت رذاذ المطر، أردت أن اسرق حبهما، أردت أن اسرق منها حبا كالفجر لا ينتهي.