مريم الغزاوي
أتحول إلى قطرة ماء تحتاجها وردة.. عندما تختفي أتحول إلى نسمة باب بحر كانت قد اجتاحت شوارع المدينة القديمة، أمرضت بحنينها البحّارة والريّس. أشعر وكأنني تلك هي التي يغلقون في وجهها النوافذ والابواب خوفا من البرد. أتحول قطرة زعفران مُرٍ أسكبه على جرح يقتسم كبدي، أتحول لفكرة تشكك يقيني الذي بتشظى كقنبلة في حدود الصحراء.
كم من الحب أحتاج كي أخبرك انني اعتذر لك عن المنفى وأنني لم أرك، لم أسمع نداءاتك، كنت اضمد جراح اللاجئين، وشربت بينهم ومعهم ما اعتصرته عيون اطفالنا من دموع عن الحرب، واسكت بكاء الأطفال اليتامى الذين عبروا بحر الموت يطلبون شهادة ميلاد مقابل إثبات انتحار الانسانية في أوطاننا، وأغير ذبذبات النار بموسيقى السلام في آذانهم ولم نفلح في نسيانها.
لم ألتف لك لأنني كنت الشاهد على هذا وذاك وتركتك…
كيف لي أن أتحول من وردة سقتها مطر الغربة حتى ترهّبَتْ إلى امرأة شغاف قلبها مسكون بوطن باع أطفاله واشترى قنابل. باع المستقبل والآن واشترى لبنا وتمرا وأكفان.. كيف لي أن أميز عطرك فلا هو ياسمين طرابلس ولا هو زعتر غريان…
تعرفت على تفاصيلك الصغيرة، قهوتك المرة وسيجارتك الممنوعة وزاوية تؤلمك في بيت جدك وسبب كرهك للحنة.. وسبب هجرك لأول حبيبة.. وكم مرة في اليوم ضاعت مفاتيح سيارتك، وكم مرة خذلك رفيقك، وكم لديك من الديون لبائع الحشيش في شارعكم…
والحلم ينتظر أن تضع الحرب أوزارها.. وأنا كلما اقتربت منك أكثر كلما ازددت توردا. عندما نلتقي في شارع الحرية او ربما تحت قوس ماركوس أو ربما في طريق أبوغيلان القديمة الق على بمنديلك كي يرتد على بصري فاراك وطن لي.
وقد تبتسم طرابلس.
فأهز جذع النخلة…
وأسقط الجدار
أقتل الشوق وأخْرُق سفينة الغربة.
ونكون هناك تحضننا أم وغيمة وطن.